لم يمنع الواقع الطبي المرير داخل مخيم الركبان على الحدود السورية الأردنية من تحقيق إنجاز طبي فريد من نوعه بالنسبة للمخيم، إذ أقدم عدد من الممرضين على إجراء عملية توليد قيصرية لإحدى السيدات، بإمكانيات متواضعة وجهود محلية.
وأكدت مصادر من داخل المخيم لموقع تلفزيون سوريا أن الحاجة اقتضت إجراء العملية الجراحية لإحدى النساء في المخيم، من قبل فريق طبي يضم عدداً من الممرضين، كانوا قد تلقوا تدريبات في وقت سابق على التعامل مع مثل هذه الحالات.
وأفادت المصادر بأن الأمر لم يكن سهلاً بالنسبة للفريق، كونه وضِع أمام اختبار هو الأول من نوعه، إلا أن شجاعة أفراده وعزمهم على المضي في المهمة، كانت كفيلة بنجاح العملية.
وتواصل موقع تلفزيون سوريا مع الممرض "شكري الشهاب" أحد القائمين على العملية، وقد ذكر بدوره أن الكادر الطبي لم يجد أي خيار سوى التدخل العاجل لإجراء العملية وإنقاذ حياة السيدة "ريم إبراهيم" وطفلها.
وعن التفاصيل أفاد "الشهاب" بأن السيدة التي أجريت لها العملية، في العقد الثالث من العمر، وحامل في الأسبوع الثامن والثلاثين، ولديها سوابق، حيث أجرت في وقت سابق عمليتين ولادة قيصرية.
وأضاف أن مخاضاً شديداً أصاب المرأة، ما حال دون توجهها إلى أي مكان، وهو ما استدعى تدخل الفريق الطبي المحلي، الذي أجرى قبل شهر دورة على يد أطباء سوريين، عبر برنامج الـ ZOOM في مجال التخدير والجراحة النسائية.
وأخذ الكادر موافقة أهل المرأة على إجراء العمل الجراحي، ثم عمل على تأمين سيارة تحوي طاولة العمليات وجهاز تخدير من إحدى الفصائل المحلية، لإجراء العملية داخلها.
وأوضح "الشهاب" أنهم خدروا المرأة ثم أجروا العملية، وبذات الوقت كان عدد من الأطباء الذين عملوا على تدريب الفريق، يشرفون على العملية عبر الإنترنت، وقد تكللت بالنجاح بعد نحو ساعتين، مؤكداً أن المولود وأمه بصحة جيدة.
كيف تعامل الفريق الطبي مع الحالات السابقة؟
وفقاً لـ"الشهاب"، كان قاطنو المخيم يقصدون في وقت سابق النقطة الطبية التابعة للونيسيف، والواقعة داخل الحدود الأردنية، وكانت بدورها تخدّم المدنيين طبياً، وتتعامل مع الحالات المستعصية مثل العمليات الجراحية، وعمليات الولادة القيصرية، من خلال تحويلها إلى المشافي داخل الأراضي الأردنية.
وتغير الحال كلياً في شهر آذار/مارس الماضي، إذ تم إغلاق النقطة الطبية من قبل الجانب الأردني بسبب الإجراءات الوقائية من فيروس "كورونا"، ما دفع بعض النساء للتوجه نحو المشافي في مناطق سيطرة نظام الأسد، وهو ما خلق كثيرا من المشكلات، ومنها ذهاب المرأة وعدم السماح بعودتها إلا في حال دفعت مبالغ مالية تصل إلى حدود المليونين ليرة سورية، فضلاً عن تشتت العوائل، بعد سفر المرأة وبقاء الزوج وأولاده داخل المخيم.
وقال الشهاب "العملية كانت الأولى من نوعها في مخيم الركبان، ولن تكون آخر عملية بجهود المدنيين والأشخاص الذين ساعدوا الفريق الطبي، كما أشير إلى أن الإمكانيات كانت بسيطة جداً، في ظل فقدان 90 بالمئة من المعدات الجراحية المطلوبة، ومع ذلك أجرينا العملية مجبرين للحفاظ على حياة المرأة وطفلها".
مناشدات سابقة
وجهت هيئة العلاقات العامة والسياسية في مخيم الركبان منتصف العام الجاري نداءً للأردن، أكدت فيه على ضرورة السماح بدخول الحالات الطبية الحرجة داخل المخيم، إلى الأراضي الأردنية لتلقي العلاج، وخصّت الهيئة في ذلك الوقت النساء اللواتي يحتجن لعمليات قيصرية من أجل الولادة.
وقبل ثلاثة أيام دعا الفريق الطبي التابع لمجلس عشائر تدمر كلاً من التحالف الدولي في منطقة التنف، والأمم المتحدة، للمساعدة في تيسيير العملية للسيدة "ريم إبراهيم"، مشيراً إلى أنها تعاني من آلام شديدة في الظهر، وهي في الأسبوع الثامن والثلاثين من الحمل.
ولا تقتصر الحالات الطبية الحرجة على عمليات الولادة فقط، حيث ناشدت الجهات المحلية في المخيم سابقاً الأمم المتحدة والجانب الأردني للعمل على معالجة مصابين باستسقاء حاد في الكلى، ومعظم تلك النداءات لم تلق إجابة.
وخلال شهر حزيران/ يونيو الماضي قالت هيئة العلاقات العامة في المخيم خلال منشور لها على صفحتها بموقع فيسبوك "نقطة اليونيسيف الطبية الوحيدة التي كانت تقدم الخدمة الصحية لأهالي مخيم الركبان لا تزال تغلق أبوابها ولا يوجد زمن محدد لإعادة فتح تلك النقطة، كما لم تستجب أي جهة للمناشدات، وسط صمت أممي مؤسف".
واشتدت معاناة سكان المخيم منذ العام الماضي بعد أن عمدت روسيا والنظام على حصاره، ومنع دخول الأدوية والمواد الغذائية إليه، فضلاً عن التضييق على المهربين الذين حاولوا إدخال المواد الضرورية، وذلك في محاولة من الروس لإجبار السكان - والذين ينحدر معظمهم من مدن ريف حمص الشرقي-، على العودة إلى مناطق سيطرة النظام، وإجراء تسوية معه، بهدف تحصيل مكاسب سياسية، وهو ما رفضه الآلاف من قاطني المخيم.