icon
التغطية الحية

بأربع ناقلات نفط.. طهران تغري النظام السوري قبيل القمة العربية

2024.05.18 | 05:42 دمشق

6755
إسطنبول - ديانا رحيمة
+A
حجم الخط
-A

تتجلى ملامح إتمام صفقات تجارية غير منتهية، بين دمشق وطهران عقب تصاعد التوتر الذي تحدثت عنه تقارير كشفت عن الضغط الإيراني المتزايد على حكومة النظام السوري لتنفيذ الاتفاقيات المالية التي تم توقيعها لتسديد ديون بلغت 50 مليار دولار أميركي.

وكان رئيس الوزراء في حكومة النظام السوري، حسين عرنوس، صرح خلال الأيام الماضية عن اقترب وصول أربع ناقلات نفطية من إيران إلى سوريا، بعد انقطاع إمداد النفط للنظام السوري من إيران خلال الفترة الماضية.

وجاء هذا التصريح خلال جلسة حكومية في مجلس الشعب، حيث كشف عرنوس أن أول ناقلة نفطية ستصل في 15 من أيار الحالي، وأن توزيع المشتقات النفطية سيكون محصورًا في الزراعة والمستشفيات والمخابز والنقل الداخلي، على الرغم من النقص الحاد فيها، وفقًا لتصريحاته.

ورصد موقع "تلفزيون سوريا" وصول ناقلة نفط إلى ميناء بانياس، عبر موقع “apps.sentinel” للأقمار الصناعية، يوم أمس، والذي أظهر وجود الناقلة "LIA” بالقرب من ميناء بانياس.

المبعوث الأميركي الخاص السابق إلى سوريا، جويل ريبورن، تحدث إلى موقع تلفزيون سوريا، حول أبرز التطورات بين كل من دمشق وطهران.

وفي سؤال عما إذا كان استئناف إيران إرسال ناقلات النفط إلى النظام مؤشرا على تغير في الموقف الإيراني، في ظل انقطاع إمدادات النفط في الفترة الأخيرة، قال ريبورن: “إذا ما نظرنا إلى الصورة الأكبر، فإن النظام الإيراني ما يزال يريد من نظام الأسد أن يسدد القرو" التي منحتها إياها طهران خلال فترة الحرب في سوريا".

"وبمعنى آخر، يريد النظام الإيراني إخراج الأموال من سوريا بدلاً من إدخالها إليها، ولا يزال النظام الإيراني في وضع اقتصادي ومالي صعب جداً ولا يستطيع تحمل تكاليف دعم نظام الأسد كما فعل في الفترة ما بين 2011 و2017".

وأضاف أن أي مساعدة يقدمها الإيرانيون للأسد الآن هي إما لشيء سيصر الإيرانيون في نهاية المطاف على تسديده لهم، أو ربما يكون هناك شيء يهدف إلى شراء دعم الأسد المستمر للإيرانيين وحزب الله اللبناني الذي يستخدم سوريا كواجهة للهجمات ضد إسرائيل.

أما بالنسبة إلى الأسد فلا يعتقد ريبورن أنه سيقطع علاقاته مع النظام الإيراني أبداً، فهو مستثمر بعمق في علاقته مع طهران ومع حزب الله، حيث إنه ملتزم حقًا بـ "إيديولوجية (محور المقاومة) المجنونة والمصابة بجنون العظمة إذ لديه مبالغة غريبة في تقدير القوة الإيرانية، فهو ونظامه خبراء في عرض أنفسهم سراً للبيع للدول العربية أو للغرب، لكن هذا ليس حقيقياً أبداً".

وبالتالي لن يبتعد الأسد أبداً عن إيران والتغيير في هذا الوضع سيأتي عندما تغير إيران نفسها وتقطع علاقاتها مع النظام السوري من تلقاء نفسها، وهو الأمر الذي سيكون أكثر احتمالاً بعد رحيل المرشد الأعلى لدولة إيران، علي خامنئي، والبالغ من العمر 85 عاماً.

وحول ملامح مستقبل العلاقة بين كل من طهران ودمشق، يرى ريبورن، أن النظامين الاستبداديين مرتبطان معًا بشكل دائم، وإذا ماسقط أحدهما سيسقط الآخر معه، لذا لا يمكنهم البقاء على قيد الحياة من دون بعضهم البعض، وعليه لا يتوقع منهم أن يتخلى أحدهما عن الآخر، "ولكن هذا لا يعني أن العلاقة ستكون سعيدة".

ضغوط لتحصيل الديون

في 9 من أيار الحالي، تحدث عرنوس مع السفير الإيراني في دمشق، حسين أكبري، والوفد المرافق له، عن عدد من ملفات التعاون الثنائي في مجالات الطاقة والنقل والصناعة والتجارة البينية والبنوك والتأمين والسياحة، وضرورة الإسراع بتنفيذ "الاتفاقيات والتفاهمات التي توصل إليها البلدان خلال الفترة الماضية، بما يسهم في تحقيق المصالح المشتركة للجانبين"، بحسب ما نقل موقع "رئاسة الوزراء" في حكومة النظام.

وكانت وثيقة إيرانية "سرية" سربت في آب 2023، تحدثت عن تحمل إيران مليار دولار أميركي ككلفة لمشاركتها في الحرب في سوريا على مدى عشر سنوات، واعتبرت هذه الأموال "ديونًا" يجب استردادها بوسائل مالية واقتصادية، بما في ذلك استثمارات ونقل الموارد الطبيعية كالفوسفات والنفط إلى إيران، حسبما ورد في الوثيقة.

وحول الأسباب التي تسببت بانقطاع توريد النفط الإيراني إلى سوريا، الباحث المختص في الشأن الإيراني، محمود البازي، قال لموقع "تلفزيون سوريا"، إن انقطاع شحنات النفط الإيراني استمر لمدة تقل عن شهرين فقط، وهذا الانقطاع له أسباب طبيعية مثل نظام العقوبات الذي يستهدف دمشق وطهران معاً.

كما أن التوترات في البحر الأحمر الممر الرئيسي للنفط الإيراني تجاه سوريا دور في ذلك، إلى جانب خروج آبار النفط من قبضة الأسد فإن اعتمادها أصبح كاملاً على النفط الإيراني وهذا ما يسبب الأزمة بشكل متكرر.

ومن الممكن أن يكون أسباب التأخر هي لمعرفة مصير الديون المتعلقة بالنفط، أو كمحاولة للضغط بقوة للحصول على امتيازات مستقبلية فيما يتعلق بمجال النفط وبناء على ذلك حضر خلف مشهداني، مدير معرض سوريا الدولي للنفط، قبل أيام فقط إلى معرض النفط الإيراني الدولي الثامن والعشرين.

ولذلك يعتقد بأن هذه الاجتماعات وهذا الانقطاع يعود في الأسباب غير المباشرة إلى رغبة إيران في استثمار الشركات الإيرانية لقطاع النفط السوري بشكل كامل.

وتعاني إيران نفسها في قطاع النفط والغاز بشكل كبير حيث تحتاج آبارها ومنشآتها النفطية ومصافي نفطها وغازها إلى استثمار أكثر من 160 مليار دولار أميركي للحفاظ على مستوى الإنتاج الحالي.

وإن نظام العقوبات بالإضافة إلى دخول روسيا منافسة لها في السوق السوداء أدى إلى أن تبيع إيران نفطها بسعر مخفض جداً للصين، وأما عن سوريا، فإن المشكلة تتضاعف بسبب عدم قدرتها على دفع المستحقات ومع ذلك لم تتوقف إيران عن تقديم النفط طوال السنوات الماضية.

انخفاض في الصادرات الإيرانية

وفي أيار 2023 كشفت صحيفة "هآريتس" الإسرائيلية أن إيران نقلت أكثر من 16 مليون برميل نفط خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2022 إلى سوريا، معتمدة على بيانات هيئة مختصة في تتبع طرق الناقلات عبر الأقمار الصناعية.

وقالت الصحيفة إن "17 شحنة على الأقل من ثماني ناقلات "شبح"، (تسمى بالشبح لأنها تطفئ أنظمتها مما يصعب رصد أنشطتها)، رست في ميناء بانياس.

وكان مدير عام غرب آسيا لمنظمة تنمية التجارة الإيرانية، عبدالأمير ربيهاوي، أعلن انخفاض صادرات طهران إلى دمشق بنسبة 50%، على الرغم من تصريحات المسؤولين الإيرانيين بشأن عودة الأموال التي أنفقتها إيران في سوريا، خلال السنوات الماضية، بحسب ما نقلت وكالة "إيران إنترناشيونال" الإيرانية.

اقرأ أيضا: هل سيمنح النظام السوري الدول الساعية للتطبيع الحد الأدنى من مطالبها؟

وقال ربيهاوي، في اجتماع، إن صادرات إيران إلى سوريا عام 2022 وصلت إلى 244 مليون دولار، لكن هذا الرقم انخفض إلى 120 مليون دولار عام 2023.

كما نشرت قناة "نود اقتصادي"، مقطع فيديو لكلمة رئيس مكتب سوريا في وزارة الخارجية، شاه حسيني، قال فيها إن "الصادرات الإيرانية إلى سوريا لم تتجاوز 100 مليون دولار"، الرقم الذي اعتبره "منخفضا"، وطالب التجار الإيرانيين بإيجاد طريقة بأنفسهم للتعاون مع دمشق.

ويرجح البازي أن فترات الانقطاع عن تأمين النفط هي محاولات إيرانية لدفع الأسد لتأمين مصادر الطاقة غير الإيرانية وغير المجانية وذلك من خلال شراء النفط من "قوات سوريا الديمقراطية" المسيطرة على آبار النفط في شمال شرقي سوريا ضمن ما يعرف باقتصاد الحرب هناك.

حول ضلوع الأسد في اغتيال القادة الإيرانيين

تحدثت صحيفة "الجريدة" الكويتية في نيسان الماضي، عن اتهام إيران للنظام السوري بالضلوع في استهداف مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق.

وقال مصدر في المجلس الأعلى للأمن القومي إن الأجهزة الأمنية الإيرانية، قدمت تقريراً للمجلس بشأن احتمال ضلوع السلطات في النظام السوري في اغتيالات قادة كبار في الحرس الثوري في سوريا.

وأضاف المصدر، "بعد اغتيال رضا موسوي في سورية في كانون الأول 2023، قررت طهران ودمشق فتح تحقيق مشترك على مستوى أجهزة الاستخبارات حول احتمال وجود اختراقات أمنية أدت إلى استهداف موسوي".

ولكن بعد ذلك تبين أن الاستخبارات السورية تعرقل التحقيق، مما دفع طهران إلى إجراء تحقيق مستقل بالتعاون مع حزب الله اللبناني، والذي بينت نتائجه أن الخروقات والتسريبات الأمنية أدت إلى استهداف قادة الحرس وبعض من عناصر حزب الله والتي ممكن أن تكون على مستوى القيادة الروسية في سوريا والمجموعات الأمنية العسكرية والسورية المتعاونة معها، والتي من المرجح أن تكون بعلم الأسد.

وإن ما زاد الشكوك هو أن غالبية كوادر حزب الله الذين قتلوا في سوريا منذ 7 من تشرين الأول كانوا على صلة بأجهزة الأمن الروسية والسورية، والتي كانت هواتفهم الروسية المنشأ والمخصصة للتواصل الأمني تمكن من تحديد مواقعهم.

وإن الكثير من المسؤولين الإيرانيين باتوا على قناعة أن دمشق بعد اطمئنانها الأمني إلى مسار الحرب الداخلية، أصبحت تميل إلى التخلص من النفوذ الإيراني، وأن هناك قنوات مفتوحة بالفعل بين دمشق وتل أبيب، للاستعانة بالضغط بشكل غير مباشر على طهران، بحسب المصدر.

المبعوث الأميركي السابق لسوريا، يرى أنه من الواضح وجود بعض التوتر وانعدام الثقة بين النظام الإيراني ونظام الأسد، حيث يتعين على الإيرانيين دائمًا أن يتساءلوا عما إذا كان الأسد أو أي شخص في نظامه قد خانهم من خلال تقديم معلومات استخبارية للإسرائيليين، وهو السؤال الذي طرحه الإيرانيون وحزب الله دائماً فيما يتعلق بمقتل عماد مغنية، على سبيل المثال.

كما أن الأسد لا يستطيع تحمل تكاليف الانضمام إلى الحرب ضد الإسرائيليين، لأن الإسرائيليين سوف يدمرون نظامه بسهولة بالغة إذا فعل ذلك، وهو لا يستطيع أن يجبر الإيرانيين وحزب الله على التوقف عن استخدام سوريا كقاعدة لمهاجمة إسرائيل، لأنه غير قادر على البقاء بدعم الإيرانيين، لذا فهو عالق بين عدو أضعف من أن يقاتله وحليف أضعف من أن يقاومه مما يجعله محاصراً بينهما، بحسب ريبورن.

بينما يرى الباحث محمود البازي، أن التشكيك الحاصل حول عمليات الاغتيال لا يشمل سوريا فحسب، بل تحاول طهران التدقيق في منظومتها الأمنية، أي إنها تحاول فهم الثغرات دون توجيه الاتهامات إلى أطراف محددة بذاتها.

وتتبع طهران سياسة "الجزرة" أكثر من سياسة العصا مع حلفائها الحكوميين وغير الحكوميين، ويعتمد نموذجها في خلق النفوذ على "اللا هرمية واللامركزية وإعطاء الكثير من الحرية لحلفائها وهذا ما أدى إلى انتشارها في عدد كبير من العواصم العربية".

هل تعيد غزة الأسد إلى الحضن العربي؟

يبدو من المعطيات الموجودة على الأرض أن الحرب على غزة أثرت على الانتشار العسكري الإيراني في سوريا، حيث تحدثت مصادر محلية لصحيفة "الشرق الأوسط"، عن أن طهران بدأت في وضع خطط لنقل مقر الحرس الثوري الإيراني من ريف دمشق إلى مناطق قريبة من الحدود مع لبنان بعد مقتل عدد من عناصره البارزين في غارات إسرائيلية في الأشهر الأخيرة.

وكثفت إسرائيل ضرباتها ضد أهداف إيرانية في سوريا منذ اندلاع الحرب على غزة في 7 من تشرين الأول 2023.

وأعرب مصدر مقرب من مستشار إيراني رفيع المستوى في سوريا للصحيفة، عن خوفه العميق الذي يعيشه خوفاً على حياته في أعقاب الضربات الإسرائيلية المتكررة ونقل عن المستشار قوله إنه أُجبر على "النوم في العراء خوفا على حياته".

كما قالت مصادر من الميليشيات الموالية لإيران في ريف دمشق، للصحيفة إن طهران ستقوم بإجلاء عناصر الحرس الثوري الإيراني من سوريا عبر مطار دمشق الدولي وعبر الحدود مع العراق.

وفيما إذا كانت التكهنات المتعلقة بالتغيرات في العلاقات بين طهران ودمشق تخدم رواية جيوسياسية أكبر، ربما تنطوي على اصطفاف سوريا مع الدول العربية، يرى المبعوث الأميركي السابق إلى سوريا، أنه بالفعل هناك بعض الأشخاص في العواصم العربية يريدون تطبيع العلاقات مع الأسد، وهؤلاء الأشخاص يحاولون دائماً الادعاء بأن الأسد يتخذ خطوات للابتعاد عن إيران، أو أنه ونظامه على استعداد لقطع العلاقات مع طهران.

ولكن هذا ليس صحيحاً أبداً، بحسب ريبورن، فهو إما تفكير بالتمني، أو في بعض الحالات، مجرد تحريف ساخر لموقف الأسد الفعلي من قبل أشخاص لديهم مصلحة في تطبيع العلاقات معه سواء قطع العلاقات مع طهران أم لا.

لكن بعد العام الماضي، بات واضحاً للجميع تقريباً في العواصم العربية أن الأسد ليس لديه أي نية على الإطلاق لاتخاذ ولو أصغر خطوة طلبت منه العواصم العربية القيام بها من أجل التطبيع معه.

كما يرى المبعوث السابق أن الأسد "يحتقر الدول العربية ويبدو أنه يعتقد أنه في يوم من الأيام سيحكم النظام الإيراني العالم العربي بأكمله، مما يتعين على الدول العربية جميعها أن تتفق معه بشروطه، وهو موهوم بذلك وهو ما سيكون سبب سقوطه".

وفيما إذا كانت سياسة النأي بالنفس التي يتبعها الأسد من الحرب بين إسرائيل وحماس تؤثر على موقف طهران من دمشق، فإن البازي لا يعتقد بأن هناك خلافاً بينهما حول موضوع غزة إذ تنظر إيران إلى سوريا كمحطة استراتيجية وجسر بري لنقل الأسلحة إلى لبنان ولذلك لا ترغب في توريطها بحرب مفتوحة.

كما يرى الباحث أنه "من السذاجة أن نظن بأنه قد حان الوقت كي يتخلى الأسد عن إيران ويتجه نحو الدول العربية والغربية، حيث يدرك الأسد بأن المبادرات الغربية والعربية على أهميتها إلا أن لها مقابلاً ثميناً جداً وهو التنازل عن بعض الصلاحيات السيادية وإن العلاقة بين طهران ودمشق تندرج ضمن التحالف الاستراتيجي القائم على التاريخ والتهديد المشترك والمنافع المشتركة وجميع هذه العوامل لم تتغير خلال هذه الفترة".

وتتزامن التوترات بين كل من دمشق وطهران مع بدء انعقاد اجتماعات القمة العربية الـ33 في العاصمة البحرينية المنامة، والتي يشارك فيها رئيس النظام السوري، بشار الأسد، بصمت دون إلقاء كلمة خلالها، (مع العلم أن رئيس القمة خصص مدة ثلاثة دقائق لكل رئيس عربي للتحدث)، بحسب ما نقلته مصادر مطلعة لصحيفة "الوطن" المقربة من النظام.