"لنا تجارب مريرة مع تذبذب أسعار الصرف وتموج السوق معها عندما كنا في سوريا وهذا ما يقلقني جدا رغم أملي بقوة الاقتصاد التركي لكني كرب أسرة لا أخفي خوفي"، تعكس هذه العبارة التي أجاب من خلالها محمد (38 عاماً) على أسئلة موقع تلفزيون سوريا، قلقا كبيرا لدى السوريين في مدينة إسطنبول من انخفاض قيمة الليرة التركية أمام الدولار الأميركي.
استيقظ الأتراك والمقيمون من عرب وأجانب في تركيا على خبر انخفاض كبير لقيمة الليرة أمام الدولار بعد اتخاذ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قرارا بخفض سعر الفائدة، ما أدى لارتفاع فوري لأسعار السلع الغذائية الأساسية حتى في المحال التجارية الكبرى المخصصة للطبقة المتوسطة والفقيرة في تركيا، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على أكثر من 500 ألف سوري يعيشون في إسطنبول، والتي تعد المعيشة فيها أصلاً أغلى من ولايات تركية أخرى.
القلق الذي يعيشه محمد لا يصيبه وحده بطبيعة الحال، إذ إن معظم السوريين القاطنين في إسطنبول ليسوا أصحاب مشاريع خاصة ويعتمدون على المعاشات الشهرية التي انخفضت قوتها الشرائية مع انخفاض قيمة الليرة التركية، ويتابع محمد والذي يعمل كمصور فوتوغرافي في أحد الاستديوهات حديثه قائلا: "زادت تكاليف الأوراق والحبر وبالتالي انخفض هامش الربح كثيرا في ما نعتمد عليه وهو الصورة "البايومترية" التي تعتبر خبز السوق كما نسميها ومن الصعب رفع التسعيرة تماشيا مع ارتفاع سعر الكلفة عدا عن ارتفاع أسعار المعدات حيث أصبح من الصعب تحديث أو استبدال معداتنا، إذ إنها تستهلك بسرعة في العمل اليومي".
وأضاف محمد "أن الناس لم تعد تدخل إلى استوديوهاتنا إلا للضرورة مما أثر على مستوى دخلنا بشكل كبير".
محال السوريين.. تغير أسبوعي في الأسعار
انخفاض قيمة الليرة أمام الدولار، والذي وصل سعر صرفه الثلاثاء الماضي إلى 14 ليرة للدولار الواحد وفق موقع "Doviz" المختص بأسعار صرف العملات في تركيا، أدى هذا الانخفاض إلى ارتفاع فوري في أسعار السلع الغذائية الأساسية، وطال هذا الارتفاع محال البقالة السورية أيضاً، وسط انزعاج كبير من قبل السوريين في المدينة من الأسعار المبالغ في ارتفاعها، سواء كان الخبز الذي قارب سعره الخمس ليرات للربطة الواحدة، أو البن وكذلك المعلبات.
وقال عبد الرحمن، صاحب إحدى البقاليات السورية في منطقة الفاتح، التي تشهد وجوداً سورياً وعربياً كبيراً فيها، لموقع تلفزيون سوريا إنه لا يمكن أن يتحمل صاحب البقالية وحده ارتفاع الأسعار من قبل الموردين، خاصةً أن هناك شركات استغلت الوضع الحالي "استغلالاً بشعاً" بحسب وصفه رغم أنها -أي الشركات- صناعتها تركية بشكل كامل، أي لا مواد مستوردة من الخارج لديها لترفع أسعارها.
وأضاف عبد الرحمن "بالتالي فأنا مضطر لرفع السعر أيضاً ولا حل لدي إلا بتخفيض الموردين لأسعارهم حينذاك ينخفض السعر لدي بشكل تلقائي، وهناك مواد غذائية معينة يتم تسعيرها مسبقاً من قبل الشركات، يأتي الموزع ويغير سعرها أسبوعياً بيده، فالأمر خارج عن إرادتي".
وقرر عبد الرحمن وسط ارتفاع الأسعار إغلاق المحل ومحاولة العمل في مجال آخر، خاصةً أنه لا يرى، بحسب وجهة نظره- أن تعافياً قريباً سيكون من نصيب الليرة التركية.
وسبق للحكومة التركية فرض غرامات مالية تجاوزت قيمتها المليارين و700 مليون ليرة تركية على عدد من الشركات الكبرى كالبيم وكارفور وشوك و101، بسبب رفع الأسعار والتلاعب بها.
وبينما اتخذ عبد الرحمن قراره فيما يخص المستقبل، يقف محمد حائراً دون أن يعرف ما يتوجب عليه فعله (وسط تحذيرات خبراء الاقتصاد من أزمة اقتصادية عالمية مقبلة، أحد أسبابها المتحورات الجديدة من فيروس "كورونا" المستجد أوميكرون)، إذ قال لموقع تلفزيون سوريا إنه غير قادر على تحويل المال إلى دولار للحفاظ على قيمته لأن إيراداته الشهرية باتت بالكاد تغطي مصاريفه ومصاريف أسرته و بالتالي لا وجود لأي فائض.
ووفقاً لمديرية الهجرة التركية، يصل عدد السوريين المقيمين في تركيا إلى ثلاثة ملايين و645 ألفاً و140 سورياً.
ارتفاع كلفة الإيجارات في إسطنبول
من جهتها قالت آية لموقع تلفزيون سوريا إن دخل الفرد أصبح أقل من مستوى المعيشة في إسطنبول، هناك ارتفاع كبير في أسعار إيجارات المنازل، بالإضافة إلى الفواتير والعائدات والمصاريف اليومية المتعلقة بالأكل والشرب، بالتالي ليس هناك أي نوع من أنواع الرفاهية، ومعظم السوريين لديهم مصدر واحد للدخل فقط.
وأضافت "لا أعتقد أن الليرة ستستعيد عافيتها، الانخفاض مستمر منذ سنوات ولا يوجد خطة واضحة لتحسينها، فلا نحن ولا الليرة التركية نعيش استقراراً هنا في تركيا".
وتعد الطبقة المتوسطة والفقيرة من السوريين في تركيا عموماً وإسطنبول خصوصاً أكثر المتضررين من انخفاض قيمة الليرة التركية، إذ إن كثيرا من السوريين لا يعملون وفق قوانين العمل، أي لا يملكون حقوقاً بالمقارنة مع العمال الأتراك، وهذا يعني غياب أي إمكانية قانونية للحصول على الحد الأدنى من الأجور المحددة من قبل الحكومة التركية (ألفين و825 ليرة و90 قرشاً) وبالتالي فإن النقاشات الدائرة حالياً في الأوساط الحكومية والاقتصادية التركية، حول نية الحكومة رفع الحد الأدنى للأجور في العام المقبل (ومن المتوقع أن يصل إلى أربعة آلاف و364 ليرة الحد الأدنى للأجور، بينما الصافي نحو ثلاثة آلاف و400 ليرة بحسب قناة CNN التركية.
انخفاض الليرة.. ما هي الأسباب وماذا يمكن أن يفعل السوريون؟
يعد سؤال "ما الذي يجب فعله؟"، أحد أكثر الأسئلة انتشاراً بين السوريين الباحثين عن إجابات وحلول اقتصادية لأوضاعهم المعيشية التي تزداد صعوبةً وسط تفشي غلاء الأسعار.
وقال الأكاديمي والاقتصادي السوري، فراس شعبو، لموقع تلفزيون سوريا إن جل ما يمكن فعله في الوقت الحالي هو أن يعيدوا ترتيب أولوياتهم في الإنفاق وتنويع مصادر دخلهم وتخفيض استهلاكهم قدر الإمكان.
ويرى شعبو أن انخفاض الليرة التركية جاء على خلفية اتخاذ الرئاسة التركية لقرار بتخفيض سعر الفائدة في الوقت الذي يقول علم الاقتصاد عكس ذلك، في محاولة من الحكومة لإنعاش الاقتصاد وزيادة حجم الإنتاج وتفعيل معدلات النمو وتخفيض البطالة، لذا أصبح هناك نوع من التناحر، الحكومة تعمل عكس المبادئ الاقتصادية تماماً، هذا التخفيض سيؤدي لسحب الناس لأموالها من البنوك وبالتالي زيادة الكتلة النقدية في السوق، وبالتالي يؤدي لانخفاض قيمة العملة والتضخم وارتفاع الأسعار.
وأضاف "الاقتصاد التركي لديه عجز في الميزان التجاري، أي أن حجم الورادت أكبر من حجم الصادرات والديون تتجاوز 460 مليار دولار، ويعاني من مشكلة مالية وليست مشكلة اقتصادية وهناك فرق بينهما، هناك فارق بين قوة الاقتصاد إنتاجياً وقوته مالياً، إذ لا يمكن ربط قوة الاقتصاد بقوة عملته، فهناك كثير من الدول كالكويت مثلاً عملتها أقوى من الدولار واقتصادها منهك، بالتالي هناك خلط بين تدهور عملة وتدهور اقتصاد، حتى اليابان والصين العملة أضعف من الدولار الأميركي ولكن لديها قوة اقتصادية.
وأردف "الليرة تعاني من ضغوط كثيرة وتضخم كبير، وبالتالي لا تملك هذه السياسة استقلاليتها، بالتالي هناك حالة من عدم الارتياح في الأسواق، وشعر المستثمرون أن السوق ليس حراً، من المفترض أن يكون العرض والطلب هو المسيطر دون أي تدخل حكومي، بينما في تركيا بالعكس ما أدى إلى رد فعل عكسي".
من جهته قال المستشار الاقتصادي جلال بكار لموقع تلفزيون سوريا إن الاقتصاد التركي يصنف من الاقتصادات الناشئة ذات الطابع الإنتاجي على الصعيد العالمي، ومصنف في المركز الثاني بعد الصين من ناحية النمو وبالتالي هو اقتصاد حي يتأثر بالعوامل الاقتصادية العالمية.
وأضاف "كل الاقتصادات الناشئة لديها هبوط، الاقتصاد البرازيلي على سبيل المثال وحتى الصين، الأمر نفسه، واليوم وبحسب البنك المركزي الياباني، الين الياباني تراجع أمام الدولار الأميركي، وبالتالي هناك مشكلة مع الدولار الذي ترتفع قيمته دون مقابل، كما أنه- أي الدولار- فك ارتباطه مع الذهب منذ عام 1971، وبالتالي فإن القيمة التي يحملها الدولار اليوم هي "فقاعة" غير حقيقية توثر على كل الاقتصادات.
وبينما يرى شعبو أن خطوات الحكومة التركية لا يمكن التنبؤ بنتائجها قبل ستة أشهر على الأقل، قال بكار إنه من الممكن أن تكون هناك ردات فعل إيجابية بين ثلاثة إلى ستة أشهر.