الأخبار القادمة من السويد لا تبشر بالخير لأولئك الذين طالما اعتبروا هذه البلاد النائية الموحشة أفضل ملاذات اللجوء السوري، حيث الشعب الصغير الذي يعيش في شبه قارة مترامية الأطراف لم يعكر صفوها سوى مجرد أحداث متفرقة قام بها اليمين المتطرف في استثارته لمشاعرهم الدينية، وفيها حصل كثير من اللاجئين على فرص عمل جيدة، وإقامات دائمة وجنسيات أسرع من كثير من دول أوروبا العتيدة.. إلا أن صعود اليمين المتطرف اليوم يثير الهلع بينهم، ويؤشر إلى مرحلة خطيرة قد تجعل هذا الوجود الآمن لسنوات مضت مجرد ذكرى جميلة كما يحصل بالضبط لسوريي تركيا حالياً.
السوريون في السويد (ممن ليس لديه جنسية أو إقامة دائمة) بدؤوا يفكرون بالبدائل الممكنة أسوة بجارتها الدنمارك
اليمين المتطرف ابتلع أغلب المقاعد في الانتخابات، والأحزاب الكبرى اتفقت على مجموعة من الشروط التي سوف تفسد على السوريين ومن في حكمهم الآمال في أمان حتى لو كان مؤقتاً، ومنها (الحد من منح الإقامة لأسباب إنسانية، وإضافة شرط اللغة ومعرفة المجتمع للحصول على الإقامة الدائمة، وكذلك الحد من معايير لمّ الشمل، وتحديد موعد للحدّ من هجرة اللاجئين ضمن برنامج الأمم المتحدة).. والشرط الأخير يعني في القادم من الشهور والسنوات لن يحلم بالسويد إلا ذو عمر طويل وحظ وفير.
السوريون في السويد (ممن ليس لديه جنسية أو إقامة دائمة) بدؤوا يفكرون بالبدائل الممكنة أسوة بجارتها الدنمارك التي توصلت لاتفاق مع رواندا لتهجير السوريين إليها، وأما البدائل فهي لدى بعضهم بالانتقال إلى هولندا والأخيرة تشهد إقبالاً شديداً من المهاجرين الجدد وبالتحديد من السوريين الذين غادروا تركيا بعد تصاعد العنصرية ضدّهم في الآونة الأخيرة، ويلمس هؤلاء المعاملة غير المتوقعة من السلطات الهولندية حيث كانوا يأملون قبولاً سريعاً وسهولة في الاستقرار لكن الأمور لا تجري بهذا اليسر.
البديل الآخر وهو ليس بالجديد - والبعض فعلياً خرج من السويد وأغلب هؤلاء ممن حصل على الجنسية السويدية- هو جمورية مصر والتي أثبتت سنوات اللجوء السوري فيها أنها مكان آمن لهم ولأبنائهم، وتم احتضانهم بحب كبير من الشعب المصري الذي لم يُبدِ أي امتعاض من أكثر من عشر سنوات حيث يردد المصريون بفرح كلما التقَوا سورياً عباراتهم الشهيرة (أجدع ناس- أنتو شرفتونا دي بلدكم)، إضافة إلى القواسم المشتركة والذكريات القومية والوطنية التي ما زالت حاضرة في وجدان الشعبين.
في ظل ما يجري من ضعوط على اللاجئين في تركيا ولبنان للعودة إلى سوريا المفيدة سوف تبدأ موجات جديدة بالتحضير لمواسم هجرة كبيرة
اللاجئون الجدد من الفارين عبر الغابات القاتلة أو البحار المظلمة سيقفون ملياً قبل أن يفكروا بالسويد فما زالت لديهم أماكن أخرى لم تصلها العنصرية حتى اللحظة بشكل فظ، كألمانيا وكندا البعيدة، ولكن تكاليف السفر وقساوة الطرق والظروف السياسية والاقتصادية التي فرضتها الحرب الروسية على أوكرانيا تجعل هذا اللجوء عكس التيار، فالذعر بكل تأكيد يسري بين الأوروبيين لا من الحروب بل من نتائجها الاقتصادية وفي مقدمتها الشتاء البارد الذي يخيفهم، والقمح الذي تمنعه روسيا عنهم، وهذا ما سينعكس بالتأكيد على شعورهم تجاه اللاجئين وهذا ما سيستغله معارضو وجودهم والمحرضون عليه.
حالياً وفي ظل ما يَجري من ضعوط على اللاجئين في تركيا ولبنان للعودة إلى سوريا المفيدة سوف تبدأ موجات جديدة بالتحضير لمواسم هجرة كبيرة قد تزيد من فظاعة الصور القادمة من موتى الغابات والذين يتم رميهم أو دفنهم بالبحر، وهي تعبر عن ذروة اليأس من صلاح حال البلاد وتبديل أوضاعها نحو ما يمكن أن يجعل من العودة إليها أمراً ممكناً فمصائر المخدوعين بهذا الأمر هي الموت أو الاعتقال، ولهذا تبدو الهجرة أجمل خيارات الموت إن كان في الموت جمال.
ما زال التيه السوري مفتوحاً على مصائر مجهولة ومحكومة برغبات ومصالح الآخرين وهشاشة من تولّوا أمر كل هؤلاء البشر على كلا الضفتين.