اتخذت حكومة نظام الأسد سلسلة إجراءات اقتصادية، في محاولة للتعويض عن الخسائر التي ألحقها هبوط سعر الليرة، في ظل شح الموارد واستنزاف الميزانية العامة التي خسرت أكثر من نصف قيمتها، ومن بينها إلزام المصارف العامة بشراء سندات خزينة بأكثر من 600 مليار ليرة سورية، بهدف سد العجز وتسديد الرواتب والأجور، كما يقول خبراء.
صحيفة "الوطن" المحلية الموالية للنظام ذكرت في عددها الصادر يوم 14/ 8 أن إجمالي الدين العام الداخلي في سوريا بلغ 645 مليار ليرة سوريّة حتى تاريخه (خلال 8 أشهر)، بعد اكتتاب عدد من المصارف على سندات الخزينة إضافة لعملاء في تلك المصارف، لافتةً أن الدين توزع على 4 مزادات، اثنان لسندات خزينة، لأجل سنتين، بمبلغ 298.5 مليار ليرة واثنان لشهادات الإيداع لأجل 6 أشهر بإجمالي اكتتاب بلغ 166.5 مليار ليرة.
وأضافت أن الدين العام بلغ نحو 11.6% من إجمالي اعتمادات الموازنة العامة للدولة، للعام الجاري (2020)، البالغة 4000 مليار ليرة، أي بحدود 6 مليارات دولار على أساس سعر الدولار بـ 665 ليرة سورية في حين وصل الآن إلى نحو 2000 ليرة سورية، في حين يعادل الدين العام قرابة 32% من إجمالي عجز الموازنة المقدّر بمبلغ 1455 مليار ليرة والذي لا يدخل فيه عجز شركة الكهرباء البالغ 711 مليار ليرة، حسب ما أعلنه وزير المالية مأمون حمدان لدى إقرار الموازنة في "مجلس الشعب" مع نهاية العام الفائت.
سندات الخزينة هدفها سد عجز الموازنة بالرواتب والأجور
في تصريح لـ موقع تلفزيون سوريا قال الدكتور أسامة قاضي - رئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا - إن "وزارة المالية فرضت على المصارف العامة وبشكل إلزامي شراء سندات الخزينة، لأنه لا يمكن لأي عقلية استثمارية مصرفية أن تكتتب على سندات خزينة وتدرك أنها ستخسر من قيمتها سنويا بين 25 بالمئة وبين مئة بالمئة بفعل هبوط سعر صرف الليرة أمام الدولار، مقابل فوائد سنوية بقيمة سبعة بالمئة"، واصفاً هذا الإجراء بأنه "يأتي بفعل أدوات أمنية ويندرج في إطار تبديد الأموال العامة بطرق قانونية".
وأضاف "قاضي" أن "الأموال التي استدانتها الحكومة من المصارف بموجب سندات الخزينة، لم تخصص للمشاريع الاستثمارية، لأن ما كان مخصصاً بالموازنة بالأساس وهو مبلغ 1300 مليار من أصل 4000 مليار أي بحدود ثلث الموازنة، ذهب إلى الأجور والرواتب بعد ستة أشهر باعتراف الحكومة نفسها، في حين أصبحت الموازنة مع هبوط سعر صرف الليرة السورية هي الأقل بتاريخ سوريا"، متوقعاً أن تكون "الخطوة اللاحقة بالنسبة للحكومة هي إلزام المصارف الخاصة وشركات التأمين وربما بعض الأفراد بشراء سندات الخزينة، ما يعني أن المصارف الخاصة ستضطر إلى الإغلاق بسبب الخسائر".
وتعد سندات الخزينة أوراقاً مالية طويلة الأجل يصدرها البنك المركزي نيابة عن الدولة، بنسبة فائدة محددة وتكون لسنتين أو أكثر، بينما إذن الخزينة يتراوح بين ثلاثة أشهر حتى العام وعادة ما تلجأ الحكومات إلى طرح سندات الخزينة للاكتتاب بهدف رفد خزينة الدولة بعائدات لاستثمارها في مشاريع إنمائية أو إنتاجية أو عند وجود عجز في الموازنة العامة وحاجتها لتغطية هذا العجز.
سندات الخزينة حل إسعافي والاقتصاد في أسوأ حالاته
ويرى الدكتور مهيب صالحة العميد السابق لـ كلية إدارة الأعمال لدى "AIU" أن طرح سندات الخزينة هو إجراء إسعافي محدود للغاية ما لم يستكمل بإجراءات وسياسات أخرى مالية ونقدية تفتح آفاقاً ممكنة توقف التدهور الاقتصادي، وتواجه العقوبات الاقتصادية شديدة الوطأة ولا سيما أن المبلغ الذي استدانته الحكومة لا يشكل سوى 12 % من حجم سيولة البنوك التجارية .
ويقول "صالحة" لـ موقع تلفزيون سوريا إن "الاقتصاد السوري الآن هو في أسوأ حالاته منذ آذار 2011، وسيبقى هكذا بل وسيزداد صعوبة في ظل غياب حديث عن حل سياسي وطالما لم تتوصل الأطراف الداخلية وخوارجها إلى تسوية سياسية تخرج الاقتصاد السوري من عنق الزجاجة".
والاستدانة من المصارف من خلال أذون الخزينة وسندات الخزينة ليست جديدة إذ لجأت إليها الحكومة للمرة الأولى في العام 2010، لكن كان هدفها تمويل مشروعات للبنية التحتية، واعتبر القرار آنذاك خروجاً عن المنهج السابق بالاستناد إلى البنك المركزي في الاقتراض الداخلي، لكن في حزيران من العام 2016، طرح المصرف المركزي مرة أخرى سندات الخزينة للاكتتاب بعد وصول سعر الليرة السورية إلى 600 ليرة للدولار الواحد، وفي العام الفائت طرحت أذونات خزينة لمدة عام واحد فما دون، من أجل تمويل جزء من فجوة الاحتياجات وتوجيهها مستقبلًا نحو المشاريع الاستثمارية ذات المردود الاقتصادي الجيد”، حسب ما ذكرت صفحة رئاسة مجلس الوزراء في “فيس بوك".
وشهدت الليرة السورية منذ بداية حزيران الماضي انخفاضاً كبيراً في قيمتها أمام العملات الأخرى، ووصل سعر صرف الدولار إلى 3175 ليرة. ثم استعادت جزءاً من قيمتها وسجلت نحو 2000 ليرة مقابل الدولار، ولم تستطع حكومة النظام الحفاظ على سعر صرف الليرة من خلال تخفيض الفائض من السيولة النقدية المقدرة بالليرة السورية المطروحة في الاقتصاد السوري، والتي تم ضخها في السوق السورية حيث استنفد النظام احتياطي العملات الأجنبية ولم يتبق لديه أكثر من 700 مليون دولار عام 2016، حسب تصريحات البنك الدولي، بعدما كانت 20 مليار دولار قبل عام 2011. في حين لا توجد إحصائيات رسمية حول ما تبقى من هذا الاحتياطي خلال الفترة الحالية.
هدف النظام الترويج بأن لديه أدوات في السياسة المالية
وأرجع الباحث في الشؤون الاقتصادية خالد التركاوي في تصريح لـ موقع تلفزيون سوريا إجراء حكومة النظام في الاستدانة من المصارف إلى فقدانها أدوات السياسة النقدية التي تستطيع عبرها التحكم بالعملة وسعرها وبالمعروض النقدي، هي تريد أن تقول إن لديها أدوات جديدة تستطيع استخدامها وهي أدوات السياسة المالية ولكن لا أحد يقرض الحكومة إلا نفسها أو رجل أعمال محسوب عليها".
وأضاف أن "الحكومة تروج أنها تمتلك أدوات ولكن اقتصادياً لا يوجد أي أثر لهذه الحركة كون الأموال أصلاً مودعة في المصارف، وهي تحولها لنفسها فإذا أبقتها في المصارف (من أجل تقليل المعروض النقدي) فهذا يعني أن لا شيء يحصل، وإذا أخرجتها فهذا سيعني أن المبالغ ضاعت والعملة انخفضت قيمتها".
ويعمل النظام بشتى الوسائل من أجل الحصول على أموال في ظل شح الموارد وخروج مناطق الثروات الرئيسية عن سيطرتها لا سيما شرق الفرات والشمال السوري في وقت يريد فيه أن يقول إنه لا شيء حدث في سوريا خلال السنوات العشر الماضية، أو أنها مجرد أحداث عابرة، كما يشير الدكتورعارف دليلة أستاذ الاقتصاد في جامعة دمشق سابقاً في حديثه أمام منتدى الحوار المدني الديمقراطي ويقول: إن "ثروات الفاسدين ما تزال تتضاعف وتجري الأموال الهائلة في أيدي سلطة الأمر الواقع في وقت يحلم فيه الأهالي برغيف الخبز والكهرباء والماء".
وكانت إليزابيث بايرز المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي أعلنت قبل أسابيع أن عدد من يفتقرون إلى المواد الغذائية الأساسية ارتفع بواقع 1.4 مليون في غضون الأشهر الستة المنصرمة، في حين ذكرت أكجمال ماجتيموفا ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا أن أكثر من 90 بالمئة من سكان سوريا تحت خط الفقر البالغ دولارين في اليوم بينما تتزايد الاحتياجات الإنسانية.
ويبلغ عدد العاملين في حكومة النظام نحو 2.1 مليون، حسب بيانات قوة العمل في المجموعة الإحصائية لعام 2018 التي ينشرها المكتب المركزي للإحصاء، وفي ظل عجز النظام عن تغطية رواتبهم التي تترواح بين 50 ألف ليرة و80 ألف ما يعادل 20 و80 دولاراً شهرياً، فإن لجوءه إلى إجراءات من بينها الاستدانة من المصارف العامة، دون الحديث عن إقامة مشاريع إنتاجية لإيجاد موارد، ومع تجاوز نسبة البطالة بشكل عام نسبة الـ 80 بالمئة، يعني ازدياد الأوضاع المعيشية للأهالي صعوبة في وقت قدرت فيه مصادر قريبة منه وتقارير صحفية أن تكاليف المعيشة لأسرة مؤلفة من 5 أشخاص في دمشق يصل إلى 430 ألف ليرة سورية شهرياً.