النظام السوري يسهل الغزو الإسرائيلي للبنان عبر الجغرافيا السورية

2024.10.23 | 06:34 دمشق

آخر تحديث: 23.10.2024 | 06:34 دمشق

5777777
+A
حجم الخط
-A

تستقر المناكفات البرية المحدودة بين حزب الله والجيش الإسرائيلي في جنوبي لبنان على مستوى متدنٍ من الشدة والزخم، بحيث لا تتجاوز حدود الاختبار وقياس الجاهزية، ولا تنذر باجتياح كبير وشيك، بينما يختاف المشهد تمامًا في البقاع المحاذي للحدود السورية، والذي يشهد تدميرًا مكثفًا ومنهجيًا وزخمًا حربياً متصاعدًا تستفيد فيه إسرائيل من غياب الاهتمام بتلك المنطقة، قياسًا على عقود طويلة من التجاهل.

يتفاقم المشهد اليوم مع الانقلاب الكبير الذي شرع نظام الأسد بتنفيذه ميدانيًا ضد الحضور الإيراني في سوريا عمومًا، وضد حزب الله خصوصًا. فبعد أن كانت المؤشرات على تجميد الأسد عضويته في محور الممانعة قد أُعلنت على لسان أمين عام الحزب حسن نصر الله قبل اغتياله، بصيغة تخفيفية تخرجه من معركة الإسناد والمشاغلة من دون أن تخرجه من الحلف، جاء الانقلاب الواضح بعد فترة من الاغتيال ليرسم ملامح طوق محكم حول الوجود الإيراني في المنطقة، ويساهم في فتح المجال لاجتياح بري إسرائيلي للبنان انطلاقًا من البقاع الذي يحتضن الثقل العسكري الأعرض للحزب، ويحتوي على مخازن سلاحه الاستراتيجي والنوعي.

والأسباب التي دفعت الأسد لتنفيذ انقلابه تكمن قبل كل شيء في تركيبة النظام السيكولوجية الموروثة من حافظ الأسد، الذي كان قد أنشأ حلفًا مع إيران وُلِد على إثره حزب الله لأسباب تتعلق بالتنافس مع صدام حسين والصراع مع الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، والتفاوض مع إسرائيل عبر ساحة الجنوب المشتعلة، وضبط إيقاع التوازنات والتحالفات في إطار يتيح إدامة حكم العائلة الأسدية إلى الأبد.

نظر الحزب إلى مشاركته، التي تمت بأمر إيراني مباشر، على أنها حاسمة ومنعت النظام من السقوط، وعمد تالياً إلى تحويل الساحة السورية إلى منطقة نفوذ إيراني على حساب حضور النظام السوري وسلطاته.

وعليه، لم يكن التحالف مع إيران يحمل سمات التكامل الأيديولوجي ، بل كان في أساسه وأصله جزءًا من سياق إدارة الصراعات والخلافات وتوظيفها والاستثمار فيها. لذا كانت هذه العلاقة ثابتة طالما بقيت أسبابها فاعلة، وخصوصًا أن مؤرخي تلك العلاقة، وأبرزهم عبد الحليم خدام، يؤكدون أن حافظ الأسد كان مقتنعًا بأن إيران لا تملك أي طموحات توسعية في المنطقة.

وعليه، حافظت العلاقة على سيولتها وجدواها ضمن معادلات تضمن للحزب تدفق السلاح والتغطية السياسية والأمنية لحضوره في لبنان، بينما ضمن الحزب لسوريا كل شبكة مصالحها في لبنان في جميع المجالات، واستخدم قوته في لعب أدوار تخدم نفوذ الأسد الأب ضد كل خصومه وأعدائه.

انتظمت العلاقات وفق ذلك النمط الذي تضبطه حدود الدور المسموح لحزب الله بلعبه، والذي لا يتجاوز في أي حال حدود التنظيم أو الميليشيا. أي أن دوره يكمن في توسيخ يده بما لا تستحب الدول الخوض فيه. وبقي الأمر كذلك في المراحل الأولى التي تلت وفاة الأسد الأب في عام 2000، وشرعت بالتحول إلى الاختلاف المتدرج في مرحلة تولي بشار الأسد بزمام الأمور، إلى أن انفجرت تمامًا مع اندلاع الثورة السورية ضد النظام الأسدي ومشاركة الحزب فيها تحت عنوان إنقاذ النظام.

نظر الحزب إلى مشاركته، التي تمت بأمر إيراني مباشر، على أنها حاسمة ومنعت النظام من السقوط، وعمد تالياً إلى تحويل الساحة السورية إلى منطقة نفوذ إيراني على حساب حضور النظام السوري وسلطاته، مفككًا الانتظام التاريخي الذي طبع العلاقات بينه وبين النظام السوري. ومع التدخل الروسي، الذي أسهم بشكل فاعل وجدي في قلب الأمور لصالح النظام، كان الحزب قد تحول إلى نوع من القوة البشرية الميدانية التي تنفذ العمليات على الأرض بعد أن يكون الطيران الروسي قد دمرها.

استعملت روسيا الحزب ككتلة مقاتلة تكمن ضرورتها في العدد أكثر من النوع، وسلمت إيران الحزب قيادة وإدارة حضورها الميليشيوي والطائفي والبشري في الساحة السورية، والذي اتخذ صيغة التغيير الديمغرافي والاحتلال المباشر والإمساك بمصالح حيوية اقتصادية واستراتيجية وإدارتها لصالحها.

نظام بشار فتح الباب، وعنجهية إيران خلقت المناخ السياسي الملائم، وحزب الله وسلاحه الذي فتك بالداخل االلبناني واستباح الدم السوري يسهل مهمة الغزو الإسرائيلي، ويتكامل معه.

بذلك تحول حزب الله إلى واجهة لاحتلال داخلي في سوريا على حساب النظام. كما أن روسيا، الطامحة للإمساك بمفاصل القرار السوري، وجدت في الحضور الإيراني عائقًا يحول دون استكمال مشروعها الذي يقضي بدفع الأسد إلى واجهة المشهد كظل لسلطاتها، وإكسابه شرعية دولية وعربية اعتمادًا على فكرة الدولة السورية.

ونجحت روسيا في الاستفادة من الغرور الإيراني وشبكة العداوات العميقة التي خلقها في المحيط في إقامة شبكة تفاهمات عريضة عربية وإسرائيلية ودولية تلتقي على فكرة القضاء على النفوذ الإيراني في المنطقة، في مقابل الانفتاح على الأسد وتعويمه ومنح روسيا امتيازات اقتصادية وسياسية عريضة.

من هنا جاءت الحرب الإسرائيلية المتصاعدة على لبنان لتستكمل خريطة طريق شبكة المصالح الإقليمية والدولية العريضة، والتي نقلت الأسد من جبهة الممانعة إلى الجهة المعاكسة تمامًا، ليتحول إلى فاتح أبواب تصفية حزب الله انطلاقًا من الجغرافيا

السورية، حيث يمكن لإسرائيل تنفيذ هجوم واسع من دون إمكانية توقع تلقي ضربات من الخلف، ما من شأنه أن يجعل من الهجوم فاعلًا ومؤثرًا، ويحول جبهة الجنوب إلى جبهة ثانوية أو جبهة آيلة للاختراق السريع، ولا يمكنها الصمود وهو ما فهمته إيران وعبرت عنه في محاولات رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف للتفاوض مع الإسرائيليين عن لبنان بوساطة فرنسية.

ولكن تسارع الوقائع الميدانية تجاوز كل محاولات الضبط والاستثمار والتوظيف فإسرائيل نتنياهو لم تعد قانعة بحدودها، وتسعى إلى توسيعها في بلاد أفقدتها الممانعات الباقية وتلك الزائلة والمنقلبة كل قيمتها. نظام بشار فتح الباب، وعنجهية إيران خلقت المناخ السياسي الملائم، وحزب الله وسلاحه الذي فتك بالداخل االلبناني واستباح الدم السوري يسهل مهمة الغزو الإسرائيلي، ويتكامل معه، ويكرس البلاد بوصفها ساحة استباحة ومجازر.