جدّد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال مؤتمر صحفي جمعه مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو في 30 من حزيران، الدعوة لضرورة تنفيذ البرتوكول المشترك المتّفق عليه في 5 من آذار 2020 والذي ينصّ على تشكيل منطقة منزوعة من السلاح وخالية من الوجود العسكري.
ما زال هناك توافق بين تركيا وروسيا على استمرار وقف إطلاق النار في سوريا، بموجب تصريح لافروف، بعد مضي أكثر من 16 شهراً على التهدئة في إدلب، وهي أطول فترة يتم فيها الحفاظ على وقف إطلاق النار منذ بدء المعارك في البلاد؛ إذ تعثرت جميع التفاهمات الدولية السابقة للتوصّل إلى اتفاق مستدام أو طويل الأمد.
وأبدى لافروف رفض بلاده لمشروع قرار جديد تم طرحه في مجلس الأمن الدولي في 27 من حزيران ينصّ على افتتاح معبر ثانٍ لنقل المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سوريا من اليعربية شمال شرقي الحسكة. يبدو ذلك بمثابة قبول بتمديد التفويض الممنوح لآلية المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سوريا، وعدم الموافقة على مقترح لتوسيع عدد المعابر، والذي تدعو وتحشد إليه الولايات المتّحدة.
مع أنّ وزير الخارجية الروسي ربط موقف بلاده من المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سوريا بفرض الولايات المتّحدة عقوبات على النظام السوري بما فيها قانون قيصر لحماية المدنيين، إلّا أنّ إعادة الاتفاق على ضرورة تنفيذ المنطقة منزوعة السلاح في إدلب يعني غالباً الاستعداد أو الموافقة على عدم تبني مواقف متشدّدة خلال جلسة الأمن في 10 من تموز/ يوليو والتي يتحدّد بموجبها مصير القرار 2533 (2020).
المنطقة منزوعة السلاح
عندما تم توقيع مذكّرة موسكو (2020) كملحق إضافي لمذكرة سوتشي (2018) ومذكرة خفض التصعيد (2017)، اتّفق الرئيسان رجب طيّب أردوغان وفلاديمير بوتين على إنشاء ممرّ أمني بعمق 6 كم من الشمال و6 كم من الجنوب من الطريق السريع M4 على أن يكون هناك اتفاق لاحق على معايير محدّدة لعمل الممر الأمني بين وزارتي الدفاع التركية والروسية.
يبدو أنّ اللّجان العسكرية التقنية لم تستطع الاتفاق على معايير مشتركة لضمان توفير بيئة آمنة لحركة التجارة والنقل على الطريق الدولي بين حلب واللاذقية. هذا ما يُفسّر غالباً تجميد العمل بالدوريات المشتركة منذ 25 من آب 2020 بعدما تم تسيير 25 واحدة، إذ لم تحل الإجراءات المتّخذة دون منع استهدافها 5 مرّات على أقل تقدير من قبل مجموعات مسلّحة على ارتباط غالباً بفرع تنظيم القاعدة في سوريا.
في الأصل، يتعلّق الخلاف بين الطرفين بالتباطؤ في تنفيذ برتوكول موسكو حول إدلب؛ نتيجة عدم الاتفاق على معايير مشتركة تضمن حركة آمنة للسلع والبضائع والأفراد على الطريق الدولي ضمن منطقة خفض التصعيد شمال غربي سوريا.
سابقاً، كان الاعتماد لتأمين الدوريات المشتركة، التي تعمل على مسار يصل بين بلدتي ترنبة غرب سراقب وعين حور غرب جسور الشغور بمسافة 72، يقوم على عدد من المعايير التقنية مثل وجود محارس تتوزّع على طرفي الطريق الدولي، وعمليات الاستطلاع الجوي.
عِلماً، أنّ تركيا أنشأت في الفترة بين منتصف تشرين الثاني 2020 ومنتصف كانون الثاني 2021 ما لا يقلّ عن 20 نقطة أمنية ضمن المنطقة منزوعة السلاح، بموجب معلومات شبه رسميّة لأداء مهام الحراسة، حيث تم تزويدها بكتل إسمنتية وكاميرات للمراقبة وزجاج مضاد للرصاص. أثناء مسير الدوريات المشتركة تقوم المحارس بتوفير عمليات الإمداد اللوجستي، والانتشار العسكري للعناصر على طرفي الطريق الدولي.
بالنسبة لروسيا فإنّ تأمين طرفي الطريق الدولي بعمق 6 كم يحتاج إلى إخلائها من الانتشار العسكري، وقد تكون تركيا عارضت هذا المعيار أو طلبت تأجيله لحين توفير بدائل مقبولة والتوصّل مع فصائل المعارضة وهيئة تحرير الشام إلى صيغة مرضية.
قد توافق روسيا مبدئياً على نزع المنطقة من السلاح الثقيل وانتشار فصائل المعارضة في إطار المهام الأمنية لا العسكرية، وهو ما عملت عليه تركيا خلال السنة الماضية بإدماج قسم من الجبهة الوطنية للتحرير ضمن نقاط الحراسة.
ومع ذلك، لا بدّ من الاتفاق على آليات الترفيق لحركة التجارة والنقل من قبل الدوريات المشتركة، عدا تحديد نقاط التفتيش عند خطوط التماس ومعايير عملها، مع وضع جدول زمني لتنفيذ تلك الخطوات.
تهدئة مؤقتة ومشروطة
على نحو مستمر تُحمّل روسيا تركيا مسؤولية عدم الالتزام بتطبيق مذكّرات التفاهم حول إدلب، وما يترتب على ذلك من تصعيد. يُمكن الاسترشاد بذلك لمعرفة تعاطي روسيا مع تركيا إذا ما وافقت على تمديد وقف إطلاق النار في إدلب مقابل تفعيل حركة التجارة والنقل.
ومع ذلك، لن تكتفي روسيا حتى في حال تحقيق تقدّم بملف حركة التجارة والنقل وقد تلجأ مرّة أخرى إلى التصعيد في إدلب من أجل تسوية بقية القضايا الخلافية؛ وتحديداً مصير الوجود العسكري لتركيا، ومكافحة الإرهاب، والعملية السياسية.
إنّ تحقيق اختراق في حركة التجارة والنقل يعني تمديد فترة التهدئة في إدلب وليس إرساء وقف دائم لإطلاق النار. قد تربط روسيا حجم العوائد الاقتصادية من افتتاح المعابر التجارية بالامتناع عن التصويت ضد تمديد آلية المساعدات الإنسانية. لكنها، لن تُفوّت فرصة إعادة طرح القضية للتفاوض مجدّداً بعد انتهاء التفويض سواءً كان سنة أم ستة أشهر.
أيّ أنّ الفائدة التي يُفترض أن تحصل عليها المعارضة السورية تقتصر على العوائد المالية من المعابر الداخلية، إلى جانب تمديد مؤقت لا يتجاوز فترة تمديد تفويض قرار مجلس الأمن حول المساعدات الإنسانية عبر الحدود.
رغم الجهود التي تبذلها روسيا للتخفيف من وطأة الأزمة الاقتصادية في مناطق النظام السوري عبر عدد من السياسات والأدوات بما فيها إقامة منطقة منزوعة السلاح في إدلب لأهداف تجارية، إلّا أنّها لن تتخلّى عن مساعي "استعادة سيادة" النظام السوري على كامل الملفات وبالتالي العمل على حسم القضايا الخلافية مع تركيا على هذا الأساس.
فروسيا تأمل أن يُسيطر النظام السوري على كامل المنطقة جنوب الطريق الدولي M4 وانسحاب تركيا منها نحو شماله ومن ثم توقيع بروتوكول إضافي لاتفاق أضنة (1998) يؤدي إلى تراجُعها نحو عمق يتراوح بين 10 و15 كم على طول الشريط الحدود، مع استعادة النظام للمعابر الحدودية ووضع جدول زمني للانسحاب، إضافة إلى التعاون في ملف مكافحة الإرهاب على أن يقود إلى تفكيك هيئة تحرير الشام ومعظم فصائل المعارضة أو تغيير مهامها.