icon
التغطية الحية

المفكر العربي عزمي بشارة: سعيّد يعمل على تسييس الأجهزة الأمنية في تونس

2021.07.30 | 17:36 دمشق

663097.jpg
إسطنبول - متابعات
+A
حجم الخط
-A

قال المفكر العربي الدكتور عزمي بشارة في تغريدات على حسابه في تويتر إن الرئيس التونسي قيس سعيّد يسعى من خلال تعيين وزير داخلية ووزير دفاع ومدير مخابرات موالين له، إلى تسييس المؤسسة الأمنية.

وكتب بشارة في تغريدة اليوم الجمعة: "كل من كانت لديه شكوك أو أوهام بشأن إجراءات الرئيس التونسي يفترض أن يدرك الآن النوايا. ما دخل الأمر القاضي باحتمال تمديد تجميد البرلمان وتعيين وزير داخلية ووزير دفاع ومدير مخابرات الداخلية موالين له (أي تسييس المؤسسة الأمنية) بأزمة اقتصادية اجتماعية أو صحية؟".

 

 

وأكد المفكر العربي على أن التوسع في خرق البند 80 من الدستور باحتمال تمديد تجميد البرلمان "لا علاقة له بالخطر الداهم الذي جرى الحديث عنه، بل بأهداف أخرى يجري العمل على تحقيقها خطوة خطوة".

وتابع حديثه: "وإضافة إلى ذلك تتخذ خطوات لتسييس الأجهزة الأمنية وضمان ولائها.. الذي ينتظر ماذا سيفعل الرئيس واهم. إنه يفعل!!".

ويوم الإثنين الفائت نشر المفكر العربي الدكتور عزمي بشارة، تعليقاً على صفحته في فيسبوك بشأن التطورات في تونس بعد إعلان الرئيس قيس سعيد، الأحد الفائت، تجميد البرلمان لمدة 30 يوماً، ورفع الحصانة عن جميع النواب، وإقالة رئيس الوزراء هشام المشيشي من منصبه، على أن يتولى سعيد بنفسه السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس وزراء جديد.

وشدد بشارة على أن الديمقراطية في خطر، مشيراً إلى أن البدائل المطروحة حالياً لا تنقسم بين ديمقراطية برلمانية أو رئاسية، بل بين الديمقراطية والعودة إلى الديكتاتورية، كما شدد على أن الالتزام بالنظام الديمقراطي والدفاع عن الديمقراطية يجب ألا يخضعا للانقسامات الحزبية.

ديمقراطية في خطر

وجاء في المنشور الذي حمل عنوان "ديمقراطية في خطر":

1. الدفاع عن الديمقراطية مهمة القوى الحية في الشعب التونسي وليست مسألة انقسام حزبي. الالتزام بالنظام الديمقراطي ليس مسألة حزبية.

2. الديمقراطية التونسية، الديمقراطية العربية الوحيدة حتى الآن، إنجاز تاريخي لا يجوز التنازل عنه، ولا عن السعي لحل القضايا والمشاكل في إطاره مثل كل الديمقراطيات في العالم.

2. لم يتفق أي خبير دستوري أو أستاذ قانون تونسي مهم مع تأويلات الرئيس للدستور منذ تسلمه لمنصبه. وعموما، النقاش على هذا البند أو ذاك من الدستور مع طرف يعارض الدستور برمته هو نقاش عقيم، فتأويله للدستور هو مجرد غطاء لخطوات معادية للدستور.

3. جرت في تونس عملية ممنهجة مثابرة لتعطيل عمل البرلمان والحكومة. (عدم مشاورة الكتل النيابية في تكليف رئيس الحكومة، محاولة إزاحة رئيس الحكومة المكلف لأنه لم يلتزم بتوجيهات الرئيس مع أن الأمر ليس من اختصاصه، رفض الرئاسة استقبال الوزراء لتأدية القسم بتحويل إجراءات شكلية إلى مسألة جوهرية، رفض إنشاء محكمة دستورية تفصل في الخلاف بين السلطات وتنصيب نفسه خصما وحكما، تجاوز متكرر للفصل بين السلطات والتوازن بينها، محاولات لتوريط الجيش في السياسة، هذا عدا تصوير ممثلي السلطات الأخرى باستمرار في كاميرات قصر الرئاسة كأنهم تلاميذ يستمعون إلى توبيخ، التظاهر الشعبوي بالغضب الدائم من شيء ما فاسد، كذبة محاول الاغتيال التي لم يحاسب عليها، التظاهر بالتواضع للتغطية على نرجسية مفرطة ورغبة جامحة بالتفرد في الحكم، النبرة الشعبوية السافرة في الهجوم على المؤسسات والأحزاب وعلى النخب والسياسيين وكأنه ليس سياسيا، محاولات لتعطيل جلسات البرلمان من طرف ممثلة بقايا الحزب الدستوري، ومع أنها لم تنجح إلا أنها خلقت الانطباع أن البرلمان في حالة فوضى، مع أن هذا لم يكن صحيحا).

4. لا تنقسم البدائل المطروحة حاليا بين ديمقراطية برلمانية أو رئاسية، بل بين الديمقراطية والعودة إلى الديكتاتورية التي لم يُعرف عن الرئيس معارضتها حين حكم زين العابدين بن علي تونس، وفاخر بأنه لم يدل بصوته في أي انتخابات في تونس الديمقراطية. ولم يخف إعجابه الضمني ببعض نماذجه الديكتاتورية. والحقيقة أن اقتراحاته لدستور آخر لتونس تشبه نموذج اللجان الثورية التي غطت على الديكتاتورية في ليبيا، أو هي على الأقل مصاغة بنفس العقلية.

5. بعض الأحزاب التونسية رفعت الخصومة الحزبية وتصفية الحسابات فوق الالتزام بالديمقراطية. وهذا خطأ جسيم.

6. لم تنجح المحاولة بعد، والأمر متوقف على الشعب التونسي، وأيضا على درجة التعاون التي يبديها الجيش وأجهزة الدولة الأمنية مع توسيع الخطوات التي اتخذت. ومن المبكر اتخاذ موقف سلبي من الجيش.

7. ما قام به الرئيس جرى الإعداد له علنا وكان متوقعا، وسوف يكون غريبا ومستغربا إذا لم يجهز من توقعها نفسه لهذا السيناريو.

8. العنف ليس واردا إطلاقا في التصدي لهذه المحاولة. إلى أي مدى يذهب الجيش مع الرئيس يتوقف على حركة الشارع التونسي، وتماسك غالبية البرلمان في معارضة الخطوات.

9. من الممكن إنقاذ الديمقراطية في تونس.

الديمقراطية التونسية في مواجهة الشعبوية

واتبعه بشارة يوم الثلاثاء الفائت بمنشور آخر حمل عنوان "الديمقراطية التونسية في مواجهة الشعبوية" وجاء فيه:

1. في أوج خيبة الذين "هرموا" منذ عام 2013 لأن آخر شمعة في حلكة "الاستثناء العربي" قد تنطفئ، توالت الأخبار عن مواقف النخبة التونسية السياسية والمدنية التي تراوحت بين رفض الانقلاب على الدستور والتحفظ عليه (حذرا وليس تساهلا). لقد عبّرت جميع الأحزاب السياسية، اليسارية والليبرالية (المحافظة وغير المحافظة) والإسلامية (ما خلا حزبين) موقفا رافضا من خطوات الرئيس. وتحفّظت المؤسسات المدنية الكبرى عليها، أو أبدت تحفظاتها. كما رفضت غالبية القانونيين التوانسة تفسيرات الرئيس القانونية للدستور.

2. في كتابي الأخير عن الانتقال الديمقراطي وإشكالياته، وفي سياق تحليل نجاح الانتقال في تونس وفشله في مصر أكدت اختلافي مع دراسات التحديث بشأن اعتبار معايير التحديث هي الفارق الرئيس بين النجاح والفشل, مشيرا إلى الفارق المهم في ثقافة النخب السياسية بين البلدين. في تونس أبدت النخب السياسية الرئيسية استعدادا للحوار في ظل الالتزام بالعملية الديمقراطية، في حين أنه في مصر فضل بعضها التحالف مع عناصر من النظام القديم أو حتى مع الانقلاب العسكري ضد خصومها. ومنذ الأمس يؤكد رفض النخب التونسية الوازنه الانقلاب على الديمقراطية هذا الانطباع.

3. شكلت الشعبوية بوصفها خطابا ومزاجا سياسيا تحديا رئيسا للديمقراطية في تونس. ولم تتمكن الديمقراطية التونسية من التغلب عليه، بل أججته، بما في ذلك في خطاب الإعلام المتنافس على الإثارة واجتذاب المستمعين والمشاهدين (ولا سيما غير المسؤول وغير المهني منه) وفي التراشق بين الأحزاب في البرلمان (هكذ أدرّجهما من حيث المسؤولية أيضا).

4. وكانت الطامة الكبرى بانتخاب رئيس من دون سجل مهني بارز أو نضالي أو سياسي، بل بسبب خطابه الشعبوي المقعر لا غير. (من المفارقات أن من يؤجج الخطاب الشعبوي ضد النخب السياسية والحزبية والثقافية في أوساط الجمهور هم عادة عناصر وأفراد من النخبة ذاتها، وذلك لأسباب أيديولوجية أو مصلحية أو وصولية، والملفت أنه غالبا ما يكون هؤلاء من الفاشلين في مجالهم المهني الحاقدين على زملائهم، ويحولون الحقد إلى غضب وخطاب سياسي انتقامي من النخبة عموما).

4. يعاني الشعب التونسي من مشاكل اقتصادية عديدة زاد من حدتها وجود توقعات كبرى من النظام الجديد، وأدت الخيبات في بعض الحالات إلى التوق إلى النظام القديم. ولم تتمكن الديمقراطية التونسية من تلبية التوقعات وحل المشاكل بخطط وخطوات تنموية، ولا شك أن عجز الائتلافات الحاكمة، وأيضا المماحكات الحزبية ورغبة المعارضة في إفشال أي ائتلاف أسهمت في ذلك. ولم تتخذ خطوات لرفع العتبة الانتخابية اللازمة لدخول البرلمان لتقليل عدد الكتل الصغيرة وتسهيل تشكيل الائتلافات وعمل الحكومات.

5. ظهرت الخيبة من البرلمان في تراجع نسب التصويت، وكذلك في التصويت في انتخابات الرئاسة لمرشح شعبوي تحول ضعفه (قله خبرته السياسية) إلى قوة لأنه بدا وكأنه ليس سياسيا. لم يكتف هذا المرشح الذي أصبح رئيسا بالمجاهرة بعدم خبرته، بل أكد أنه لم يصوت في اي انتخابات في تونس الديمقراطية. وهذا تعبير ليس فقط عن استخفاف بالديمقراطية، بل بقلة اهتمام بالمجال العام من طرف شخص رشح نفسه للرئاسة، وشعور نفسي دفين أن لا أحد يستحق ان يمنحه صوته. وهذا بنية نفسية معادية للديمقراطية.

6. إن قيام سياسيين بالتحريض على السياسة هو من أهم علامات الشعبوية المعادية للديمقراطية. فلا ديمقراطية من دون سياسة وسياسيين. الديكتاتور هو أسوأ انواع السياسيين لأنه الأكثر استخداما للتآمر والأحابيل والعنف، ولكنه يدعي الترفع عن السياسة.

7. مهمة الساعة هي تعاون النخب السياسية والمدنية الوطنية التونسية على الرغم من الخلافات في مواجهة الأخطار المحدقة بالديمقراطية. وهذا يشمل مواجهة الشعبوية بفضح أهدافها الحقيقية وبمخاطبة الشعب والإجابة على مخاوفه.

8. جميع الأنظمة السلطوية تواجه مشاكل اقتصادية واجتماعية، وجميعها واجهت جائحة كورونا وغيرها. وتواجه الديمقراطيات (التي تبقى أكثر جاذبية فلم نسمع عن توانسة أو غيرهم يهاجرون للعيش في روسيا والصين وهنغاريا وبولندا فضلا عن كوريا الشمالية) مصاعب اقتصادية واجتماعية، وبعضها استعان بالجيش في مواجهة الوباء، ولكن الجيش لم ينس، خلال تأدية المهام الاستثنائية، أن عليه الالتزام بالدستور. الديمقراطيات تواجه المشاكل في إطار النظام الديمقراطي.

9. الديمقراطية بحد ذاتها هي حل لآفة الطغيان والاستبداد وضمان لحقوق المواطن، وليست حلا للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية. فهذه وظيفة القوى السياسية والاجتماعية وسياسات القوى الحاكمة ومؤسسات الحكم، وذلك في إطار النظام الديمقراطي الذي يجب الحفاظ عليه لأن البديل هو الاستبداد.

 

 

ونشر المفكر العربي يوم الأربعاء الفائت منشوراً آخر بشأن الأزمة الحاصلة في تونس، قال فيه:

في توقيت النقاش حول من يتحمل المسؤولية، وفي الشعبوية وما يدور في ذهن الرئيس

1. سبق أن كتبت عدة مرات محذرا من أثر ظواهر سلبية على صورة التعددية الديمقراطية لدى الجمهور التونسي، ومنها: تنقل نواب البرلمان بين الأحزاب (السياحة الحزبية وفق المصطلح النونسي) بحثا عن الفائدة الشخصية والمنصب، ونشوء أحزاب لا تمثل موقفا أو فكرا أو قضية، لا لسبب إلا لسهولة الأمر، تبدّل الصفقات الحزبية وتغيّرها بموجب تكتيكات ومن دون استراتيجية معلنة، تراشق التهم غير المثبتة لغرض المس بالخصم، أي التشهير المتبادل، المبالغة في الحديث عن الفساد والمحسوبية وغيرها لتشوية الآخرين؛ ومع أنه يوجد في بعض الحالات أساس واضح لهذه الادعاءات إلا أن كثرة تردادها وإلصاق التهمة بالجميع تنفر الجمهور وتخلق انطباعا أن جميع السياسيين فاسدون، وهذا غير صحيح؛ وأخيرا، الانطباع عن ديمقراطية بلا هيبة لا تدافع عن نفسها بوجود حزب في البرلمان التونسي يعلن على رؤوس الأشهاد أنه مؤيد للنظام السابق، وأن هدفه تقويض الديمقراطية، ويقوم فعلا بالتهريح في البرلمان وتشويه صورة التعددية الديمقراطية (بتواطؤ واع وغير واع من الإعلام المهتم بالإثارة).

2. فيما عدا الظاهرة الأخيرة، جميع هذه ظواهر قائمة في أي ديمقراطية. وفي جميع الديمقراطيات، شجع البث المباشر من البرلمان الشعبوية في خطابات النواب وفي رد الفعل في ثقافة الجمهور. وفي جميع الديمقراطيات ثعقد صفقات حزبية وائتلافات لاغراض الحكم والمعارضة. ولكن الديمقراطية حديثة العهد في تونس والجمهور ليس معتادا على هذا النمط بعد، وكان على القوى المؤيدة للنظام الديمقراطي أن تبدي مسؤولية أكبر، كما أن الانتخابات غير المقيدة وأجواء الحرية فسحت المجال ليس فقط لمؤيدي الثورة ومعارضيها بخوض غمار السياسة والمزايدات، بل أيضا للمغامرين وغريبي الأطوار، وليس فقط للصحافة، بل لشبه الصحافة في التأثير في المشهد.

3. عقّد الدستور المختلط المشهد السياسي. كان المقصود أن يكون النظام برلمانيا، ولكن في النهاية أدخلت فيه عناصر من النظام الرئاسي. المحكمة الدستورية لازمة في كل ديمقراطية، ولكن في حالة نظام مختلط معقد كهذا يصبح وجودها ضرورة ماسة، وغيابها كارثة. ففي غياب محكمة كهذه تحمي الدستور وتفسر توازناته وحدود صلاحيات الرئيس والحكومة والبرلمان قد تتحول العناصر الرئاسية في الدستور إلى حصان طروادة ضد النظام البرلماني. لم يحصل هذا بوجود رئيس مسؤول وعاقل مثل الباجي قايد السبسي (بغض النظر عن الخلاف مع مواقفه وسيرته)، ولكن، مع وصول شخض مناهض للديمقراطية إلى سدة الحكم، تحول الاحتمال إلى خطر حقيقي.

4. النظام الرئاسي في البلدان العربية هو مشروع استبداد (وفق اجتهاد البعض يلزم صلاحيات رئاسية أوسع في البلدان العربية المتعددة الإثنيات والطوائف حيث يمكن ان تمزق المحاصصة الطائفية وحدة النظام البرلماني). ولكن تونس دولة متجانسة إثنيا ودينيا، ولا أثر فيها للنزوع إلى المحاصصة الهوياتية. والنظام البرلماني هو الأصلح لها بعد عقود طويلة من حكم الفرد المستبد. ولكن الدستور أقر، وهو دستور ديمقراطي يضاهي دساتير أعرق الديمقراطيات، ويجب ان تحميه محكمة دستورية.

5. يظهر خطر النظام الرئاسي في دول اعتادت مؤسساتها على تلقي أوامر الحاكم الفرد في سلوك أجهزة الدولة التونسية الطيع لأوامر رئيس يخرق الدستور، وذلك على الرغم من أن النخب الثقافية والسياسية لا تختلف معه فقط، بل تتحدث بجرأة متفاوتة عن سوية أعماله واقواله.

6. تتحمل الأحزاب الحاكمة في تونس مسؤولية بالطبع عما آلت إليه الأمور، وكذلك أيضا المزاودون الشعبويون الذين استغلوا عدم شعبية خطوات مسؤولة وضرورية. عند حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية تتخذ الحكومات في بعض الحالات خطوات غير شعبية، وتتضح في هذه الحالات قوة النظام الديمقراطي ورسوخه، وتشكل المزايدة الشعبوية في هذه الحالات أحد أهم العوائق أمام ترسيخه.

7. في تونس لم تحكم أحزاب الأغلبية البلاد في العامين الماضيين (لا يوجد حزب أغلبية بل أحزاب)، بل دعمت حكومة تنكوقراط من دون تمثيل حزبي فيها. وبدا البرلمان مكانا للخصومة والثرثرة من دون فعل حقيقي، ما سهل العمل على تشويه صورته بتواطؤ (موضوعيا على الأقل) بين الرئيس المعادي علنا للدستور القائم وعناصر معادية للديمقراطية داخل البرلمان تحولت إلى مهرج دائم فيه. ولم تكسب حركة النهضة شيئا بل خسرت من تصدرها برلمان لا تمارس الأغلبية فيه الحكم. وبدا صراع الرئيس مع البرلمان (وهو في جوهره صراع مع البرلمان على الصلاحيات) وكأنه صراع مع حركة النهضة.

8. جميع الانقلابات في التاريخ، وأهم الإنتاجات النظرية اليمينية في تبرير الديكتاتورية الفاشية (وبعضها من إنتاح قانونيين مثل كارل شميت عشية صعو د النازية) جاءت على خلفية التحريض على البرلمان (للمفارقة استخدم شميت تعبير المؤامرات في الغرف المظلمة في حديثه عن برلمان جمهورية فايمر) وتمجيد النظام الرئاسي الذي يمثل وحدة السيادة وعدم تجزئتها، وأهم تعبيراتها وفق شميت الحق في إعلان حالة الطوارئ. وحالة الطوارئ عنده دائمة لأن البلاد دائما في خطر داهم. والنتيجة في ألمانيا معروفة.

9. حساب الذات ضروري، وكذلك تحمل المسؤولية، ينطبق هذا على الأحزاب التي أسهمت في تأجيج الشعبوية في الشارع. ويصح ذلك حتى على أحزاب فسدت وأخرى لم تفسَد ولكن أخطأت في اجتهاداتها وبالغت في تكتيكاتها. وعليها ان تسنتج النتائج. ولكن المهمة الحالية الملحة هي مواجهة مخطط لانقلاب على الدستور منذ كذبة محاولة الاغتيال وإلقاء الخطابات السياسية في الثكنات العسكرية فصاعدا... كيف يجوز لديمقراطي أن يستخف بهذه المهمة ويستغل الفرضة لتصفية الحسابات مع خصومه الحزبيين؟

10. تنتشر بين النخب التونسية حاليا عبارة " لا أحد يعلم ماذا في ذهن الرئيس"، أو "ننتظر خطواته القادمة التي لا نعرف ما هي". هذه مصطلحات نظام حكم ديكتاتوري يحكم من الغرف المظلمة (هنا يصح التعبير فعلا). فقط في تلك الأنظمة يتعلق كل شيء بأمور مجهولة تدور في ذهن الرئيس.

11. لا يمكن الدفاع عن الديمقراطية بترديد هذه العبارات، بل بعكس ذلك: أ. مطالبة الرئيس أن يفصح فورا عما يريد أن يفعل وأن يكون هذا مطروحا للنقاش في البرلمان والصحافة وغيرها، فالنظام التونسي ليس رئاسيا، فضلا عن أن يكون دستورا شكليا لنظام ديكتاتوري، ب. يفترض أن يدور شيء ما في ذهن القوى الديمقراطية (المدنية والسياسية) غير انتظار ما سوف يفعله الرئيس، أقصد ان تخطط وتعلن خطتها للمرحلة المقبلة، وليس أن تنتظر ما سوف يفعل الرئيس.

12. ثمة في تونس مجتمع مدني وسياسي حي، ومؤسسات متمرسة مساندة للديمقراطية، وشعب يعاني من مشاكل وخيبات كثيرة، ومعرض بسبب ذلك للدعاية الشعبوية، لكنه شعب ذاق طعم الحرية وحقوق المواطن، وقد تصبح هذه المزايا والكبرياء الذي يرافقها جزءا من هويته الوطنية، وهذا أساس جيد لمخاطبته.