اختُتمت في "دار ملهم للأيتام" بمدينة اعزاز شمال حلب أمس الثلاثاء، فعاليات معرض الفنون التشكيلية "المستقبل لنا"، والذي استمر على مدار يومين، وتضمن لوحاتٍ وأشغالاً يدوية شارك برسمها وتصميمها مجموعة من الأيتام والأرامل، تجسّد معاناتهم وطموحاتهم وانتماءهم لوطنهم.
حمل المعرض شعار "فنحن نحب الحياة اذا ما استطعنا إليها سبيلاً وعلى هذه الأرض ما يستحق الحياة"، واستمر يوميّ الإثنين والثلاثاء، ورُسمت اللوحات بأيدي الأطفال المقيمين في "دار ملهم للأيتام"، والذين تتراوح أعمارهم بين 3-13 سنة، إضافةً إلى رسوماتٍ شاركت فيها بعض الأرامل بإشراف معلمة في مجال الرسم.
أشرف على تنظيم المعرض "فريق ملهم التطوعي" و"مركز رعاية الشباب في اعزاز"، وحضرته شخصياتٌ رسمية، أبرزها رئيس "الحكومة السورية المؤقتة" السابق، أحمد طعمة، ورئيس المجلس المحلي في اعزاز.
وقال منسق فريق ملهم في اعزاز، محمود حسانو، إنه "خلال وجود الأيتام في دار ملهم، تعلّموا على الرسم بشكلٍ جيد، لذا جاءت فكرة المعرض لزيادة ثقة الطفل اليتيم بنفسه، من خلال إظهار إنجاز خاص به يُعلّقه على الحائط والكل يُشاهده ويُصفق له، وبذلك يشعر الطفل بمكانته ودوره في الحياة أكثر، وينمو لديه الإحساس بالمسؤولية، وهذا سيُشجّعه ليكون له دور أكبر بالمجتمع".
وأضاف حسانو لموقع "تلفزيون سوريا" أن "من أهداف معرض المستقبل لنا، التفريغ النفسي لمعاناة الأمهات الأرامل من خلال الرسم، أي محاولة الأرملة تحويل معاناتها من كلماتٍ إلى لوحاتٍ معبّرة، الأمر الذي سيُساعدها على إخراج معاناتها من عقلها الباطن والتخلص منها ومشاركة المجتمع بها، ليكون عوناً لها ويدعمها لتحقيق طموحاتها، التي عبّرت عنها أيضاً بلوحاتٍ أخرى".
80 لوحة تحكي عن المعاناة والطموح
تضمن المعرض حوالي 80 لوحةً، منها 40 لوحة رسمها الأيتام بحريةٍ وبراءة، وقاموا بتلوينها لتعبّر عن حبهم للحياة وبأنهم موجودون، وأن مستقبلهم ملّون بألوانٍ زاهية.
كذلك شاركت الأرامل بـ 30 لوحةً عبّرنّ من خلال بعضها عن معاناتهنّ، بينما أظهرن في لوحات أخرى طموحاتهن بمستقبلٍ أفضل، وبأن الحياة تستحق أن يعيشن من أجلها مهما كانت الظروف قاسية، وبذلك يكنّ قدوة لأطفالهنّ الذين حُرموا من بهجة الحياة.
أغلب لوحات الأرامل رُسمت بطريقةٍ عشوائية وبدائية، كونهن لا يُجدن الرسم، لذا بعد أن ينتهين من اللوحة، تقوم فنانة تشكيلية بتحويلها الى لوحةٍ متقنة، تعكس معاناة الأرملة أو طموحها.
حين تتجول في المعرض وتتأمل لوحاته، ستشاهد لوحةً رُسم عليها قلبٌ مكسور، وتقوم امرأةٌ بخياطته، تلك اللوحة كانت تجسّد قصة حنان أرملة لديها خمسة أيتام، فقدت زوجها وعانت الكثير من الظروف القاسية.
تقول حنان "لا أجيد الرسم لكني حاولت التعبير عن حالتي عبر لوحةٍ صغيرة، فوجدت أن رسم قلبٍ مكسور، هو أكثر شيء يعكس معاناتي. نظرَت الرسامة إلى لوحتي المتواضعة، فشعرت بحجم الألم والحرقة فيها، فحاولت بلمساتها زرع جزءٍ من الأمل فيها، حيث أضافت الى اللوحة صورة يد تمسك إبرةً وتقوم بخياطة قلبها".
وتضيف "حين شاهدت اللوحة بعد تعديلها، شعرت بثقةٍ أكبر رغم كل آلامي، فقلت للرسامة أنت محقةٌ. أنا فعلاً قمت بخياطة جرحي بنفسي، وسأكون قوية وأتحدى كل مصاعب الحياة، لأكون قدوةً لأطفالي الأيتام، كي يستمدوا القوة مني".
كما تضمن المعرض ثماني لوحات، عبّرت عن دور "فريق ملهم التطوعي" في مساندة ودعم الأمهات الأرامل وأطفالهنّ الأيتام، كما كان هناك لوحة تعبّر عن فكرة إنشاء "دار ملهم للأيتام"، وتحويله من (مكب للقمامة) إلى مكانٍ جميل ينضب بالحياة والأمل ويؤوي 14 عائلة.
"سنعود يوماً إلى بيتنا"
أجمل اللوحات التي تضمنها معرض "المستقبل لنا"، كانت لوحةً بعنوان "سنعود يوماً إلى بيتنا"، وشارك برسمها جميع الأطفال في "دار ملهم للأيتام"، حيث قام كل طفل بصنع بيته الذي كان يؤويه ولايزال بذاكرته، من خلال الاستعانة بالكرتون ومن ثم تلوينه وتعليقه على رقبته كأنه موجود معه أينما ذهب.
تقول المشرفة في "دار ملهم للأيتام"، الدكتورة رشا هلال لموقع "تلفزيون سوريا"، إنه "في نهاية المعرض قام كل طفل بلصق بيته الخاص الذي صنعه، على خريطة سوريا ضمن مكانٍ اختاره بحرية، بمعنى أننا سنعود يوماً إلى بيتنا الذي هو معنا في كل مكان، وبأن الوطن كلّه لنا، وسنضع بيتنا في أي بقعة منه، وهذا يُعزّز انتماء الأطفال لوطنهم".
تحفٌ وأشغالٌ يدوية بلمساتٍ إبداعية
لم يقتصر المعرض على الرسومات، بل تضمن أيضاً تحفاً ومجسمات وأشغالاً يدوية، صنعها الأطفال والأرامل.
تشير رشا هلال إلى أنه "حرصنا في دار الأيتام على استخدام أسلوب التعلّم باللعب، والذي يعتبر من أفضل الأساليب في تثبيت المعلومة بذهن الطالب، فكل حرف تعلّمه الأطفال كانوا يصنعون شيئاً يدل على هذا الحرف لتثبيت خبراتهم، فمثلاً عبّروا عن حرف الألف بصناعة أسد من الصوف، ولحرف القاف رسموا قطة وغطوها بالقطن الأبيض".
كذلك صنع الأطفال مجسماتٍ تعكس خبراتهم في مجال العلوم، حيث صنعوا جهاز تنفس، وجهاز دوران يُعبّر عن تعاقب الفصول الأربعة، إضافةً إلى مجسمات أخرى من الفلين أو الكرتون، تدلّ على وسائل النقل والأعداد العربية والإنكليزية والأشكال الهندسية، وكل تلك الأعمال اليدوية كانت حاضرةً ضمن المعرض لإبراز ابداعات الأطفال وزيادة ثقتهم بنفسهم.
أشغالٌ يدوية للأمهات الأرامل أدخلت جماليةً أيضاً على معرض "المستقبل لنا"، حيث قدمنَ أفكاراً مميزة بالاعتماد على التطريز والمخرز والصوف وإعادة تدوير الأشياء القديمة والتالفة، كما قمنَ بتصفيف شعر دميتين لإظهار مهاراتهنّ في الحلاقة النسائية، بعد خضوعهنّ لدوراتٍ تدريبية.
وأضافت هلال أن "دار ملهم للأيتام يحتضن 50 يتيماً و14 أرملة، ويسعى القائمون على الدار إلى تمكين الأم لتكون بنجاحها القدوة الأولى لطفلها اليتيم"، مشيرةً إلى أن "الأرامل ضمن الدار تحدينَ ظروفهنّ وأكملنَ تعليمهنّ، فهناك سبع أمهات دخلنَ الجامعة، ضمن كليات الطب والهندسة وعلم النفس والأدب الإنكليزي، وأخريات قدمنَ هذا العام على امتحان الشهادة الثانوية".
تكريم الأرامل والأيتام
وشهد معرض "المستقبل لنا" تنظيم مسابقة في ألعاب الذكاء والعقل للأطفال الأذكياء، الذين اجتازوا عدة مراحل، حيث تأهل ثمانية أطفال إلى المرحلة الأخيرة، وتم توزيع جوائز على الفائزين، لتشجيعهم على الاهتمام بتلك الأنشطة.
وقال منسق فريق ملهم في اعزاز، محمود حسانو "يضع فريق ملهم التطوعي كل ثلاثة أشهر خطة عمل لدار الأيتام، وتَظهر نتائجها من خلال حفلة أو معرض، لذا ما شاهدناه في معرض المستقبل لنا، كان ثمرة خطةٍ وُضعت من بداية الشهر الثالث لنهاية الشهر السادس، تضمنت مجموعةً من الدورات التي كانت تقام بعد الدوام المدرسي، حيث تم تدريب الأيتام على الرسم وألعاب الذكاء والعقل ومجموعة من المهارات اليدوية".
وأضاف حسانو أن "الهدف من تدريب الأيتام على ألعاب الذكاء والعقل، تنمية مهارات التفكير لدى الطفل، خاصةً مهارة التفكير الإبداعي، ومهارات التحليل والتركيب، وحتى تدريبه على مهارات حل المشكلات".
كذلك كان من ضمن الخطة التي وضعها "فريق ملهم التطوعي" على مدار ثلاثة أشهر، تعليم الأمهات اللغتين الإنكليزية والتركية، إلى جانب مهنة الحلاقة النسائية، والمهارات اليدوية والفنية والدعم النفسي، عبر سلسلة من الدورات التي خضعنَ لها بعد الدوام الجامعي.
في نهاية المعرض تم توزيع شهادات تقدير للأرامل، على اجتيازهنّ مستوى معين من اللغتين الإنكليزية والتركية، وألقت إحدى الأمهات كلمة شكرٍ باللغة الإنكليزية، وأخرى باللغة التركية.