أعلنت وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة خلال الأسابيع الماضية عن اجتماعات دورية لـ "المجلس العسكري الاستشاري"، المؤلف من وزير الدفاع وقادة فيالق الجيش الوطني السوري، لمناقشة ما أسمتها "الخطوات الإصلاحية" التي من شأنها أن تنحو بالجيش الوطني "إلى مزيد من التنظيم والانضباط".
ويبدو أن هذه الاجتماعات تسعى لترجمة ما نصّت عليه مخرجات اللقاء الذي جمع بين الجانب التركي وقادة الجيش الوطني في مدينة غازي عنتاب التركية بشهر تشرين الثاني الماضي، والذي أعقب هجوم هيئة تحرير الشام وفرقتي الحمزة والسلطان سليمان شاه ومجموعات أخرى من الجيش الوطني، على الفيلق الثالث في منطقة عفرين وغربي مدينة اعزاز، وريف حلب الشرقي.
وتتمثل المخرجات بتشكيل مجلس عسكري تحت سقف وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، وتسليم الحواجز للشرطة العسكرية، وتسليم جميع المعابر الداخلية إلى جهة يتم تحديدها لاحقاً، وإعادة هيكلة الشرطة العسكرية، وحل كل أمنيات الفصائل وإفراغ سجونها، وعدم التنسيق مع جهات أجنبية إلا من خلال الحكومة المؤقتة، وكف يد المجلس الإسلامي السوري ولجان الصلح عن الفصائل، وإخلاء المدن والمناطق السكنية من القطع العسكرية، وتشكيل مجموعة استشارية من الضباط في وزارة الدفاع.
جملة من الخطوات المرتقبة
قبل أيام ترأس وزير الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة العميد الطيار حسن الحمادة اجتماعاً دورياً للمجلس العسكري الاستشاري، وبحسب الوزارة، أشاد "الحمادة" بالخطوات التي تمَّ تنفيذها من قبل قادة الفيالق في الجيش والتي من شأنها أن "تنحو به إلى مزيد من التنظيم والانضباط ليصبح جيشاً تحكمه أنظمة الخدمة ويراعي القوانين العسكرية".
وقالت وزارة الدفاع، إن الخطوات تتمثل بدعم إدارة الشرطة العسكرية بالقوى البشرية اللازمة لتأخذ دورها الفعال في حفظ الأمن والاستقرار من خلال الحواجز الأمنية التي ستعلو ساريتها راية الثورة فقط وتكون تحت قيادة واحدة، إضافة إلى تشكيل إدارة مالية موحدة للجيش الوطني السوري تتوحد فيها جميع الموارد والعائدات الاقتصادية.
ومن جملة الخطوات، إصلاح عمل الإعلام وتوحيده للخروج بخطاب إعلامي موحد عن طريق الناطق الرسمي للجيش الوطني السوري، والعمل على تحسين الحالة المعيشية للمقاتلين من خلال العمل على رفع قيمة المنحة الشهرية لهم، والالتزام بالمسميات العسكرية للفيالق والفرق بعيداً عن المسميات والرايات الأحادية.
وسبق ذلك إعلان الوزارة، أنه سيتم رفع قيمة المنحة المالية المقدّمة لجميع المقاتلين والعاملين في الجيش الوطني والقوات الأمنية التابعة له، وتسليم المنحة بشكل شهري ومنتظم، من دون تحديد قيمة المنحة، كما وعدت ببدء صرف رواتب شهداء الجيش الوطني وتسليمها لعائلاتهم وذويهم بوساطة بطاقة الصراف الآلي (PTT).
ما المنتظر من المجلس العسكري الاستشاري؟
في تعريفه للمجلس العسكري الاستشاري، قال المتحدث باسم الجيش الوطني السوري، العميد أيمن شرارة، إن المجلس عبارة عن لجنة عسكرية تضم قادة الفيالق برئاسة وزير الدفاع، مهامه تنظيم المؤسسة العسكرية من جميع الجوانب.
وأضاف "شرارة" في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن الخطط المقبلة التي تعمل عليها وزارة الدفاع، تنص على تنظيم عمل المؤسسة العسكرية من الناحية التنظيمية والمالية والإعلامية.
وذكر أن إدارة الشرطة العسكرية ستُكلّف بإدارة جميع الحواجز والملفات الأمنية في مناطق سيطرة الجيش الوطني، بالتعاون مع إدارة القضاء العسكري، مضيفاً أن الشرطة العسكرية هي الجهة الأمنية المخولة بالإشراف على هذه الملفات.
وبحسب المتحدث، يتم العمل على تشكيل لجنة موحدة لإدارة المعابر الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني، وإنشاء صندوق مالي موحد لتوزيع واردات المعابر على فيالق الجيش، كما سيتم دعم الشرطة العسكرية من قبل الجيش الوطني بجميع الكوادر المؤهلة.
وأردف "شرارة": "يتم العمل على توحيد المكاتب الإعلامية التابعة لفصائل الجيش الوطني بجسم إعلامي واحد، وتطوير العمل الإعلامي بشكل مهني ليتمكن من خدمة الثورة السورية المباركة وإظهار تضحيات أبنائها الأبطال الذين قدموا الغالي والنفيس، وستتم زيادة المنحة المقدمة للمقاتلين على مراحل، وستكون بشكل شهري".
عقوبات مالية
قال قيادي في الجيش الوطني - فضل عدم ذكر اسمه - في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، إن الجانب التركي طلب استبعاد 4 قادة من الفيلق الثالث على خلفية الأحداث والمواجهات الأخيرة في منطقة عفرين، وإزالة أسمائهم من لائحة العبور من الشمال السوري إلى تركيا، والعكس.
ووفقاً للقيادي، فرض الجانب التركي عقوبات مالية على الفيلق الثالث، تمثلت بتخفيض 900 اسم من الكتلة المالية للفيلق، التي يتسلمها من تركيا، بالمقابل، تم تخفيض الكتلة المالية لـ "فرقة السلطان سليمان شاه" (العمشات) بمعدل 1000 اسم، وفرقة الحمزة، بمعدل 1000 اسم أيضاً.
وتعمل بعض الفصائل الآن على تطبيق سياسة الفاعلية ضمن مكاتبها الإدارية، ومن الممكن أن يطرأ على هذه السياسة تخفيض الأعداد من خلال استبعاد العناصر غير الفاعلين، وإزالة الترهل ضمن الفصيل، وجاء ذلك نتيجة الضغوط المادية، بحسب القيادي.
ورأى القيادي أن من أبرز أهداف المجلس العسكري الاستشاري، عدم عودة الأمور لما كانت عليه قبل هجوم هيئة تحرير الشام على المنطقة، بمعنى ألا يكون للفيلق الثالث الثقل العسكري أو الكلمة الفصل، ووضع كامل الصلاحيات في يد المجلس الذي يعمل بإشراف الجانب التركي، وتحت مظلة وزارة الدفاع.
تغريد خارج السرب
وأضاف القيادي أن "هيئة تحرير الشام" ما زالت موجودة في عفرين وريفها شمالي حلب، ولا توجد أي بوادر لإخراجها منها، خاصة أنها عززت وجودها بشكل كبير تحت غطاء فصائل أخرى تحالفت معها، لا سيما "فرقة السلطان سليمان شاه".
وهناك فصائل أخرى باتت تغرد خارج السرب من منظور الجانب التركي، بحسب القيادي، إذ قال إن تركيا طلبت من "أحرار الشام - القطاع الشرقي" العمل ضمن صفوف الفيلق الثاني بقيادة فهيم عيسى، إلا أن الفصيل يضع ضمن أولوياته تعزيز قوته بشكل مستقل، بالتنسيق بشكل رئيسي مع هيئة تحرير الشام.
وعلى إثر ذلك، هناك تهديد بوقف الكتلة المالية المخصصة لـ "أحرار الشام - القطاع الشرقي" وتوجه لإخراجهم من معبر الحمران بريف حلب الشرقي، وتسليمه للشرطة العسكرية، ويؤكد القيادي أنه تم قبل أيام إخراج أفراد من "تحرير الشام" من المعبر، كانوا يعملون داخله كإدرايين.
ويُجمع أفراد في الجيش الوطني السوري - استطلع موقع تلفزيون سوريا آراءهم - أن نجاح المجلس العسكري الاستشاري في مهامه يتوقف على صدق النوايا في إخراج الجيش من الحالة العشوائية التي عانى منها خلال السنوات الماضية، ووقوف الجانب التركي ووزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة على مسافة واحدة من جميع الفيالق، والأهم من ذلك - بحسب وصفهم - تفكيك التحالف بين هيئة تحرير الشام وبعض فصائل الجيش الوطني، وتشكيل إدارة وطنية سواء عسكرية وأمنية أو مدنية، بما يمنع هجمات جديدة للهيئة على ريف حلب الشمالي، بدعوى ضبط الأمن ونقل تجربتها الإدارية من إدلب إلى ريف حلب.