icon
التغطية الحية

اللغة على مَذبح الإِديولوجيا

2024.11.01 | 10:47 دمشق

5675657
+A
حجم الخط
-A

بينما كنت أضع اللمسات الأخيرة على هذه المقالة، قرأت منشورًا على الفيسبُك للصديق الفنان والمخرج السينمائي غَطَفان غَنُّوم (بتاريخ 23/10/2024) يخاطب فيه صديقًا فلسطينيًا من غزة كُنيته أبو عمر مصطفى. وأقتبس من منشوره المقتطف التالي لما له من صلة بموضوع مقالتي، حيث يرفض غَنُّوم أيضًا أن ينصب اسم صديقه الغَزِّي العزيز تنزيهًا له عن ذلك ولأنه "اسم مرفوع دائمًا".

لا أملك إلا مشاطرتك الوجع

ومقاسمتك الهم

وأن أنطق كثيرًا باسمك

يا أبو عمر

ولن أنصب اسمك لأنه اسم مرفوع دائمًا

أيها الأخ الذي ربطتني به كل الدماء.

وبعد أن اطلَّع أستاذي محمد كمال، أطال الله في عمره ممتعًا بالصحة والعافية، على مسوَّدة المقالة أمدَّني أيضًا بالنادرة التالية: قرأ أحدُهم: ﴿في بيوتٌ أَذِنَ الله أن تُرْفَعَ﴾. فنبَّهه مَنْ بجانبه: ﴿في بيوتٍ ...﴾ فأجابه: يا أخي، رب العالمين قال: ﴿أَذِنَ الله أن تُرْفَع﴾، فكيف تمنعني من الرفع؟

***

تُنْسَب إلى عالم اللسانيات الروسي المولِد ماكس ڤاينرايخ (1894-1969) مقولةُ إن اللغة لهجةٌ يقف وراءها جيشٌ وأسطولٌ. أي أن أي لهجة عامية يمكن أن تصبح فصحى لو توفر لها من يدافع عنها ويفرضها بالعَسْف – وبالسلاح، إن دعت الحاجة. والفرق بين الفصحى والعامية هو أن العامية تخالف قواعد الفصحى، لفظًا وكتابةً ونحوًا وصَرْفًا. وهناك من يرى أن هذه المخالفة تصبح بحد ذاتها من "القواعد" الراسخة في العامية، لأنه إذا تحدث أحدُنا بالعامية لا يُخطِّئه أحدٌ إذا خرق القواعدَ الواجبَ الالتزامُ بها عند الحديث بالفصحى. بل إن هناك جهات دولية وضعت مناهج لتدريس العاميات العربية، مثل وزارة الخارجية الأمريكية التي تُدرِّس دبلوماسييها قبل توجههم إلى بلادنا قواعدَ اللهجات العراقية والخليجية والشامية والمصرية والمغربية، وكذلك يفعل معهد مونتِريه التابع لوزارة الدفاع. لكن ما يثير العَجَبَ هو أن تتحدث اليومَ في الإعلام جماعةٌ من أبناء العربية بالفصحى، ولكنها في حالات محددة ومحدودة جدًا تخرق قواعدها عمدًا لغايةٍ في نفسها، وتعبيرًا عن عقيدة – أو إديولوجيا – تؤمن بها. وهذه الجماعة تروِّج لهذا الخرق لا جهلاً بقواعد النحو العربي، بل لأسباب فوق لغوية، فيما يبدو.

فقد شدَّ انتباهي في الآونة الأخيرة أن أنصار حزب الله اللبناني، ولا سيما بعد مقتل أمينه العام حسن نصر الله (27/9/2024)، يُصِرُّون في أحاديثهم في وسائل الإعلام على قول "حزبُ الله" (هكذا بالرفع)، حتى ولو وقعت كلمة "حزب" في محل جرٍّ أو نصبٍ. وهذا الرفعُ أصبح ظاهرةً، وليس خطأً نحويًا عابرًا، لدى مناصريه. صحيحٌ أنه يجوز من الناحية النظرية تثبيت الأسماء المُعْرَبة "على الحكاية،" كقولنا "سورة المؤمنون" أو "سورة الكافرون" أو "أبوظبي" في كل الحالات الإعرابية، لكن ما الذي يدعو هؤلاء الأنصار إلى تثبيت "حزبُ الله" على الرفع دومًا من دون مُسوِّغ منطقي ظاهر؟ يبدو لي أن هذا الموقف اللغوي ينطلق من عقيدة أنصار الحزب بأن مقامَه الرفع دومًا بغض النظر عن موقعه من الإعراب. وهذا بلا شك تفسير إديولوجي وفهم مغلوط لمفاهيم الرفع والنصب والجر النحوية (وكأن في نصب "الحزب" أو جَرِّه، من الناحية الإعرابية، انتقاصًا من قيمته في الواقع). ومثل هذا العَسْف النحوي نجده أيضًا عند عَوامِّ الشيعة والعلويين الذي يقولون "الإمامُ علي" بصرف النظر عن موقع "الإمام" من الإعراب. وكذلك في الإعلام الأردني الرسمي هناك توجيهاتٌ عليا، فيما يبدو، تقضي بضرورة لفظ اسم الملك "عبدُ اللهِ" بالرفع دومًا.

وهذا يعني أن هؤلاء المتعسِّفين يتعاملون مع هذه الثُنائيات اللفظية (الإمام علي، حزب الله، عبد الله) كما لو كانت كتلةً لفظيةً واحدةً، كما يفعل أهلُ اللغة الإنجليزية، على سبيل المثال، حين يُنَقْحِرون هذه الأسماء على النحو التالي: Abdullah (عبد الله) أو Hizbullah (وإن كانت النقْحَرة الأشْيَع لاسم حزب الله في الإنجليزية هي Hezbollah ). وفي اللغة السواحِلية الشائعة في شرق إفريقيا، نجد أن كلمة "إمام" العربية الأصل احتفظت أيضًا بعلامة الرفع في نهايتها (وهو ما نجده لدى الشاعر الأمريكي لِيرُوْي جونز [1934-2014] حين تبنى اسمًا سواحليًا هو Imamu Amiri Baraka – إمامُ أميري بركة – سنة 1967). وكذلك فعل الإندونيسيون حين استعاروا كلمة "فَرْض" العربية، فاحتفظوا بعلامة الرفع في نهايتها، ونَقْحَرُوها على الشكل التالي perlu. أما كيف تحولت "فَرْض" إلى perlu، فقد شرح ذلك المستعرب والدبلوماسي الهولندي نِكولاوس ڤان دام شرحًا بارعًا ألخصه فيما يلي: وفقًا لقانون الأخوين غْرِم يمكن لحرف الفاء أن يتحول إلى باء (أو أحد مُتَعيناتها الصوتية allophones). أما تحول الضاد العربية إلى اللام الإندونيسية، فيرجِّح ڤان دام أن الإندونيسيين أخذوا الكلمة عن عربي ناطق بلهجة قبيلة هُذَيْل التي تنطق الضاد كما لو كانت لامًا مُفَخَّمة (كقولهم إلى يومنا هذا "تَوَلِّينا" بدلاً من "تَوَضِّينا").

الفاجعة – النحوية والدلالية – في كلام أنصار حزب الله والإعلام الأردني هي أنهم لا يرون بأسًا في جرِّ لفظ الجلالة؛ أما حزبُ الله في لبنان والملك عبدُ الله في الأردن فهما أجلُّ وأسمى، فيما يبدو، من أن تُطَبَّق عليهما ما ينطبق على اسم الله نفسه وسائرِ خلقه من قواعد النحو! بالمقابل نجد أن الله، جلَّ جلالُه، لم يستنكف أن يضع اسمه أو اسم نبيه محمد، صلى الله عليه وسلم، في كل الحالات الإعرابية في القرآن الكريم من غير استثناء. وهذا المتنبي يمدح سيف الدولة ولم ينزِّه "حزبَ اللهِ" عن الخضوع لقواعد الإعراب:

هَنيئًا لِأَهلِ الثَغرِ رَأيُكَ فيهِمِ ... وَأَنَّكَ حِزبَ اللَهِ صِرتَ لَهُم حِزبا

بل تكمن المفارقة الطريفة في أن حزبَ الله يأخذ اسمه وشِعارَه المكتوبَ على رايته الصفراء من قول الله تعالى في القرآن الكريم ﴿فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُون﴾ (المائدة: 56)، لكنه يخالف هذه المرجعية القرآنية بتثبيت "حزبُ" على الرفع دومًا – وما هذا التعنُّت الإديولوجي إلا نكايةً بقواعد الإعراب وإرغامًا لأنف "الأَعْراب."

***

ولو نظرنا إلى اللغة الإنجليزية اليوم، لرأينا رأيَ العين كيف أخضع جيشٌ من الناشطين والأكاديميين قواعد النحو والصرف لمقتضيات الإديولوجيا. ففي سبعينيات القرن الماضي، حاولت بعض الناشطات النسويات الأمريكيات تغيير تهجئة كلمة women (نساء) إلى womyn نكايةً بالرجال (men)، ولكيلا تحتوي كلمة women على men! فإذا كن مُسْتَغنياتٍ عن الرجال في حياتهن، أفليس الأجدر بهن أن يُحرِّفن المقطع men الذي يتطابق رسمُه مع كلمة men (رجال) بحيث لا يُشْبِهْنَ الرجال في شيء؟

لكن هذه المحاولة باءت بالفشل، بل تعرضت للسخرية في بعض المسلسلات الكوميدية، كما في إحدى حلقات مسلسل Married with Children. ففي هذه الحلقة، حين يخاطب آل بَندي، بطلُ المسلسل، الحاضرات بكلمة women (نساء)، تتصدى له إحدى النِّسْويات وتقول له إنهن يرفض هذه الكلمة، ويفضلن كلمة gyno-Americans (النساء الأمريكيات). والمُراد من هذ النحت الفكاهي المسكوك بإضافة بادئة إغريقية gyno (امرأة أو أنثى) إلى كلمة إنجليزية شائعة هو تفادي أي لفظ فيه مقطع يُذكِّرُهن بالرجال. لكن آل يقلب الطاولة عليهن حين يتظاهر بأن لسانه قد زلَّ، وبدلاً من أن يخاطبهن باللفظ المطلوب ينحِت لهن أيضًا لفظًا مضحكًا هو gynosaurs (إناث الديناصورات).

صحيحٌ أن كلمة womyn لم تلقَ رواجًا، لكن الإنجليزية اختُرقت بوسائل أخرى أشدَّ وطأةً. على سبيل المثال، نجحت الناقدة النِّسوية والأكاديمية الأمريكية غلوريا جين واتْكِنز (1952-2021) بكسر واحدة من أرسخ قواعد اللغة الإنجليزية المكتوبة. فبعد أن تبنَّت اسمًا مستعارًا هو بِل هوكس أصرت أن تكتبه bell hooks بدلاً من Bell Hooks، وهذا بخلاف المتعارف عليه في كتابة الحرف الأول من أسماء العَلَم بحرف كبير. وقد سوَّغت فعلتها هذه بأنها أرادت أن يكون تركيز قرائها على عملها الأكاديمي وأفكارها النقدية في إطار الحركة النسوية لا على اسمها أو هويتها الفردية، ذلك لأن النسويات يرين أن الاهتمام بالهوية الفردية تعبيرٌ عن بِنية المجتمعات الأبوية التي يردن تغييرها. وهذا التغيير لا يمكن إنجازه إلا من خلال الأفكار والنظريات والأنشطة التي تنسف أو على الأقل تتحدى هذه البنية الأبوية التي قد تعبر عن نفسها أحيانًا من خلال اللغة ومُواضعاتها التقليدية.

ولعل من أبرز تَجَلّيات رغبة الكُتاب الأمريكيين، ولا سيما السود، في تحدي قواعد اللغة الإنجليزية ما نجده في قصيدة مجهولة المؤلف بعنوان Coloured (مُلوَّن). في هذه القصيدة يُصِرُّ كاتبها على إسقاط فعل الكينونة بين المبتدأ والخبر في كل بيت – وهذا مخالف لقواعد اللغة الإنجليزية التي لا تخلو فيها الجملة من فعلٍ أبدًا. وإليكم مقطعًا من هذه القصيدة، وسأضع فعل الكينونة [am] بين حاصرتين لتعلموا أنه من إضافتي وليس في النص الأصلي:

When I [am] born, I [am] black. 

When I grow up, I [am] black. 

When I [am] sick, I [am] black. 

When I [am] cold, I [am] black. 

When I [am] hot, I [am] black. 

When I [am] scared, I [am] black. 

When I die, I [am] still black.

وترجمة ذلك هي:

حين أُولَدُ، أنا أسود.

حين أَكبُرُ، أنا أسود.

حين أمرضُ، أنا أسود.

حين أَشعرُ بالبرد، أنا أسود.

حين أشعرُ بالحرارة، أنا أسود.

حين أخافُ، أنا أسود.

حين أموتُ، أظلُّ أسود.

في هذا المقتطف، كسرَ المؤلف قواعد اللغة الإنجليزية 12 مرة. لا شك أن القصيدة بسيطة، بل بدائية في تراكيبها اللغوية، لكنها جاءت في غاية البلاغة. والمفارقة الطريفة هي أن الشاعر أثبت كينونته وامتيازه هو بنفيه فعلَ الكينونة من القصيدة نفيًا تامًا وبخرقه قواعدَ اللغة: فهو مع كل تقلُّب الأحوال وأطوار الحياة يظل ذا لون واحد. وفي هذا سخريةٌ من تسمية البيض له بالمُلَوَّن مع أنه يظل أسود أيًا كانت حاله منذ مولده إلى يوم مماته. أما الرجل الأبيض، الذي يتحدث عنه الشاعر في النصف الثاني من القصيدة، فهو ورديٌّ حين يولَد، وأبيض حين يكبُر، وأخضر حين يمرض، وأزرق حين يشعر بالبرد، وأحمر حين يشعر بالحرارة، وأصفر حين يخاف، وشاحب حين يموت! ومع ذلك يسمي البيضُ السودَ ملونين، وهم الأجدر بهذه التسمية.

ولكن أكبر تغيير أحدثته الإديولوجيا في اللغة الإنجليزية حدث بسبب مجتمع المِثْليين والمِثْليات وثُنائيي الجنس والمتحولين جنسيًا والشواذ في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والمملكة المتحدة. فهؤلاء يرفضون التصنيفات الثُنائية للجنس والهوية التقليدية القائمة على الجنس البيولوجي أو المظهر أو الاسم. فهم يرون أن هناك هوياتٍ أخرى عجزت اللغة التقليدية عن الإحاطة بها. وهذه الهويات التقليدية كانت تُعَبِّر عنها عبر تاريخ اللغة الإنجليزية الطويل مفرداتٌ ثُنائيةٌ تقليديةٌ أيضًا مثل ذكر، أنثى، هو، هي. لكنها اليوم باتت في نظر هؤلاء قاصرةً عن التعبير عن الهويات غير الثُنائية. لذلك سعى هؤلاء إلى ابتكار مفردات جديدة للتعبير عن هوياتهم الجديدة والترويج لها في كتاباتهم وأحاديثهم. بل صار لزامًا على المجتمع المحيط بهم أن يخاطبهم باللغة التي "تحترم" هوياتهم غير الثُنائية، ومن يرفض ذلك قد يُفصَل من عمله، كما حدث مع عدد من أساتذة المدارس والجامعات. وصار هؤلاء يشيرون في توقيع إيميلاتهم إلى أنهم يُفَضِّلون ضمير الجمع الغائب they (هم، هنَّ) بدلاً من he (هو) أو she (هي) عند الحديث عنهم.

بل ذهب هؤلاء القوم إلى ما هو أبعد من ذلك، فابتكروا ضمائر شخصية جديدة مثل ze/hir بدلاً من he/him (هو/ ـه) أو she/her (هي/ ـها). بمعنى آخر، إذا أردتَ أن تقول إن فلانًا أو فلانةً (وكلاهما ممن يفضلون اللغة غير الثُنائية) يقرأ كتابًا أو أنك تحدثت إليه يوم أمس، فَلَكَ أن تقول:

Ze is reading a book.

I talked to hir yesterday.

بدلاً من الجملة التقليدية:

He/ She is reading a book.

I talked to him/ her yesterday.

وللإشارة إلى هوياتهم غير الثُنائية أحدث هؤلاء القومُ المسكوكاتِ اللفظيةَ التاليةَ في اللغة الإنجليزية:

1)     Non-binary (لاثُنائي)، أي أن هوية الشخص المعني لا تلائمها التعريفات التقليدية الثُنائية للذكورة والأنوثة، ولذلك فهي تقع في خارج تعريفات الجِنْدَر التقليدية.

2)     Genderqueer (شاذُّ الجِنْدَر)، وهو شبيه بالمصطلح السابق، وغالبًا ما يستخدمه الذين يرفضون تعريفات الجِنْدَر التقليدية أو الذين يتبنَّون هويةً جِنْدَريةً أكثر ميوعةً أو التباسًا.

3)     Genderfluid (مائعُ الجِنْدَر)، وهذا المصطلح يشير إلى الأفراد الذين تتبدل هويتهم الجِندرية بتبدل الأوقات أو الأيام. ففي يوم ما أو ظرف ما، قد يشعر مائعُ الجِنْدَر بأنه ذكر أو أنثى أو لا هذا ولا ذاك.

4)     Agender (لاجِنْدَري)، وهذا يشير إلى فرد يشعر بأنه محايد الجنس أو بلا جنس محدد.

5)     Bigender (ثُنائي الجِنْدَر)، وهذا يستخدمه أفراد (ذكور وإناث) يشعرون بأن لديهم هويتين جِنْدَرَيَتَين متمايزتين، إما في آنٍ واحدٍ وإما بالتناوب.

6)     Demiboy (نصف ولد)، وهذا المصطلح يشير إلى ذكر يتماهى جزئيًا – لا كليًا – مع الذكور.

7)     Demigirl (نصف فتاة)، وهذا المصطلح يشير إلى أنثى تتماهى جزئيًا – لا كليًا – مع الإناث.

8)     Neutrois (محايد الجِنْدَر)، أي أن صاحب هذه الهوية يرى نفسه إما محايد الجنس وإما أن هويته الجِنْدَرية غائبة.

9)     Two-Spirit (ثُنائي الروح)، وهذا المصطلح يستخدمه أبناء البلاد الأصليين ("الهنود الحمر") في أمريكا الشمالية، ويشير إلى دور جِنْدَري يشمل روحَيْ الذكورة والأنوثة أو إلى هوية جِنْدَرية تتجاوز المسميات التقليدية للذكورة والأنوثة.

***

يتبيَّن لنا من خلال الأمثلة المنتقاة أعلاه من العربية والإنجليزية أنه متى توفَّر جيشٌ مسلحٌ بالإديولوجيا – أو مأمورٌ من جهة عليا، كما في حال الإعلام الأردني – يمكن للغة أن تُطَوَّع لمقتضيات الإديولوجيا التي قد تشطُّ بها بعيدًا عما تَواضَعَ عليه أهلُ اللغة في النحو أو الأخلاق عبر تاريخهم الطويل. بل يمكن أن يتعرض من يُعرّي هذه الإديولوجيا لفقدان وظيفته (كما قد حدث بالفعل في الغرب) أو للاتهام بالطائفية وانتهاك المحاذير المجتمعية (وهو أمر متوقع في عالمنا العربي).