كشف مصدر خاص لموقع تلفزيون سوريا عن آلية عمل اللجنة الدستورية التي أعلن عن تشكيلها أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الإثنين الماضي.
ولاقى الإعلان الأممي ترحيبا دوليا، إلا أن معارضين سوريين ومراقبين انتقدوا تحويل مسار جنيف السياسي واختزال أهداف الثورة السورية بإجراء تعديل أو صياغة دستور سوري، معتبرين ذلك خروجا عن قرار مجلس الأمن 2254.
وقال المصدر إن اللجنة مكونة من 50 اسما للمعارضة و50 اسما للمجتمع المدني (مناصفة بين المعارضة والنظام مع هامش توازن) و50 اسما لنظام الأسد.
وتتألف المجموعة الأساسية للجنة من 45 اسما يتم اختيارهم من قبل المكونات الثلاثة (15 من كتلة المعارضة، 15 من كتلة النظام، 15 من كتلة المجتمع المدني)، وكل مكون يختار من يمثله مع الأخذ بعين الاعتبار وجود قانونيين لديهم خبرة بكتابة الدستور. وتكون رئاسة المجموعة الأساسية للعمل مشتركة.
ومن مهام المجموعة الأساسية كتابة دستور واحد مشترك، كما أنها ستجتمع في جنيف وتكتب الدستور، أما باقي الأسماء فستكون مرجعية لهم. وفي حال الخلاف حول مواد الدستور تحسم عن طريق التصويت ضمن المجموعة الأساسية (45 عضوا).
وأضاف المصدر أنه بعد انتهاء المجموعة الأساسية من كتابة الدستور سيتم إحالته للجنة الدستورية (150 عضوا) للتصويت عليه. مشيرا إلى أن الأمم المتحدة ستشرف على العملية بشكل كامل بما فيها نقل الدستور المقترح للاستفتاء عليه وضمان شفافية عملية الاستفتاء داخل سوريا وخارجها.
اللجنة الدستورية تجاوز لـ جنيف 1 والقرار 2254
ينص القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن عام 2015، على "التنفيذ الكامل لبيان جنيف" الصادربتاريخ 30 من حزيران 2012، وهو الأساس لبدء عملية انتقال سياسي في سوريا.
وقال عبد الرحمن الحاج الباحث المتخصص في الدراسات السورية لـ موقع تلفزيون سوريا، إن "العملية السياسية التي يناط بالأمم المتحدة تيسيرها وتقييمها يجب أن تشمل حكما ذا مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية، وتحدد جدولا زمنيا وعملية لصياغة دستور جديد، تقام بموجبه انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة، بما يستجيب لمتطلبات الحوكمة وأعلى المعايير الدولية من حيث الشفافية والمساءلة، وتشمل جميع السوريين الذين تحق لهم المشاركة، بمن فيهم أولئك الذين يعيشون في المهجر".
وشدد "الحاج" على أنه وفقا للقرار فإن العملية الدستورية هي من وظيفة الحكم الانتقالي وليس الأمم المتحدة، أي هيئة الحكم الانتقالي المنصوص عليها في بيان جنيف1.
وأضاف أن ما حصل من تشكيل للجنة الدستورية مؤخرا هو تجاوز لـ بيان جنيف1 وتجاوز لعملية الحكم الانتقالي، والذي سيكون من وظيفته تمهيد الانتقال السياسي، ومن بين أعماله كما يقول بيان جنيف1 والقرار 2118 والقرارات الأممية الأخرى إعادة هيكلة الجيش وإصلاح أجهزة الأمن حتى يكون الحكم ذا مصداقية وغير طائفي بحسب نص القرار 2254.
ويلفت "الحاج" أنه كان من الواجب أن ينتج الدستور والانتخابات عن عملية الحكم الانتقالي ويتابع"باختصار ما جرى هو انقلاب على بيان جنيف 1والقرار 2254.
وبينما يسعى نظام الأسد المدعوم من روسيا عرابة اللجنة الدستورية إلى تعديل دستور عام 2012، تطالب المعارضة السورية بكتابة دستور جديد للبلاد وفق القرارات الأممية، وحول ذلك أوضح "الحاج"، "لا تملك المعارضة سوى التمسك بالقرار 2254 وبيان جنيف1 الذي ينص على الانتقال السياسي ولا شك أن هذه النقطة بالذات ستكون أولى معرقلات عمل اللجنة التي أتوقع أن تتعرقل لفترة طويلة خصوصا أن آلية اتخاذ القرار 75 بالمئة من الأصوات لا يضمنه أي من الفريقين".
وبرأي "الحاج" ستحتاج اللجنة لتعمل إلى ضغوط دولية إضافية لتجاوز عقد معينة، مؤكدا أن قدرة المعارضة في اللجنة تنبع من مرجعية القرار 2254 بمعنى مرجعية القرارات الدولية.
إلغاء عملية الانتقال السياسي
قال الباحث والكاتب السوري أحمد أبازيد لموقع تلفزيون سوريا، إن "اللجنة الدستورية في الأساس طرح روسي في مؤتمر سوتشي، وسبق أن مهّد لها المبعوث الأممي إلى سوريا السابق استيفان ديمستورا من خلال طرح السلال الأربع".
وتابع "بالنسبة إلى روسيا فقد كانت أولويتها في الملف السياسي تجاوز القرارات الدولية خاصة بيان جنيف 1 والقرار 2254، والتي تضع تشكيل هيئة حكم انتقالية كخطوة أولى لأي عملية انتقال سياسي يسبقها وقف إطلاق النار والإفراج عن المعتقلين ويليها موضوع الانتخابات والدستور وتفاصيل المرحلة الجديدة، ولذلك أتى طرح اللجنة الدستورية ليلغي فكرة الانتقال السياسي ويلغي عملياً القرارات الدولية السابقة ويعفي النظام من تقديم أي إجراءات تخص المعتقلين أو وقف الحرب، إضافة إلى تفتيت قوى الثورة والمعارضة، وقد نجحت روسيا في فرض رؤيتها للعملية السياسية على كيانات المعارضة السورية -التي أعادت تشكيلها- والمجتمع الدولي معاً".
ورجح "أبازيد" أن الخطوة التالية للجنة الدستورية لن تكون ذات أهمية بعد أن حققت هدفها الأهم، واللجنة تبدو أقرب إلى خطة لتمرير الوقت بين الدول وإظهار وجود عملية سياسية مفرغة من المضمون أو القدرة على التغيير، "عنوان الحل هو في حقيقته طريقة تجميد الحل".
كذلك أوضح معتصم السيوفي المدير التنفيذي لمؤسسة اليوم التالي أن اللجنة ستواجه معوقات لبدء عملها وهي جدية النظام بالالتزام بكامل القرار 2254 لأن مسألة الدستور جزء من كل، إذ من المفروض البدء بتشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات، إلا أن غياب قوى تدفع بهذا الاتجاه غلّب التوجه الروسي والانقلاب على بيان جنيف1 ومسألة الانتقال السياسي في سوريا وإعادة إنتاج نظام الأسد بشكل مختلف.
وتابع السيوفي" روسيا لم تكن عرابة اللجنة الدستورية الوحيدة، كما أن المسار الحالي سيتيح لبشار الأسد الترشح للانتخابات الرئاسية، وروسيا قالت سابقا إن الأسد هو المرشح الأوفر حظا، كل ذلك للالتفاف على جنيف1 والقرارات الدولية".
واعتبر أن مسألة شرعية النظام مرهونة بنتائج عمل اللجنة الدستورية ومحصلة القوى الدولية التي أنتجتها وتابع" اللجنة لم تأت بإرادة السوريين المعارضة أرادت البحث في تشكيل هيئة حكم انتقالي وفق بيان جنيف، لكن القوى الدولية فرضت ذلك، المؤشرات مخيفة النظام لا يدخل في عملية تؤدي إلى إسقاطه".
هل نسق ديمستورا مع روسيا؟
في جولة مفاوضات جنيف الرابعة وبعد ثلاث محاولات فاشلة لتشكيل هيئة حكم انتقالي بسبب موقف النظام الرافض لها، وقال فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان لموقع تلفزيون سوريا، إن المبعوث الأممي ستيفان ديمستورا جزء المفاوضات لأربع سلال بسبب عدم تحقيق أي تقدم، وهي محاربة الإرهاب والدستور والانتخابات والحكم انتقالي.
وأوضح أن المعارضة السورية رفضت طرح ديمستورا فيما يخص محاربة الإرهاب وتقديمه على باقي السلال، كما أن ملف الانتقال السياسي معلق، لذلك تم التركيز على سلة الدستور، ومن ثم الانتخابات، وتابع "عبد الغني"؛ "ربما كان دي مستورا قد نسق مع الروس، الذين أسسوا سوتشي وأستانا لهذا الموضوع، هذا هو السياق الذي تكونت اللجنة وهي عملية روسية وليست أممية".
وأضاف أن روسيا تحكمت بسوريا عبر مسار أستانا وابتعدت بنا عن مسار جنيف، وتابع قائلا "الغرب يرى أن أستانا تتقدم والنظام يتقدم عسكريا والروس والإيرانيون هم المهيمنون، أما الأتراك فلم يكونوا قوة موازية لهم، لذلك تم التركيز تم على سلة الدستور وحصر العملية السياسية بها".
ولفت "عبد الغني" إلى أن البدء بالعملية الدستورية من دون هيئة حكم انتقالي يبعد عن تسلسل قرار المجلس الأمن الذي تحدث عن هيئة حكم انتقالي ثم لجنة دستورية وحكم انتقالي، بحيث يكون القرار 2254 هو المرجعية والشرعية إضافة لبيان جنيف 1، في حين أن الانطلاق من اللجنة الدستورية وما يصدر عنها سيأتي بشرعيته من النظام ومن دستور عام 2012، وأردف قائلا" إذا اللجنة كانت تدري أو لا تدري، فإن من وافق عليها أعطى شرعية للنظام مرة ثانية بدلا من نزع الشرعية عنه، وهذه أسوأ نقطة باللجنة الدستورية".