اللاجئون السوريون ورقة تجرفها رياح المصالح

2024.05.15 | 06:07 دمشق

5555555555555555587578
+A
حجم الخط
-A

بشكل عام، لا يمكن للحديث في السياسة أن يمشي على الألسن وفي العقول، دون فكرة تبادل المصالح، إنها مركز كل اتفاق، كما أن تعارضها هو أساس كل خلاف! وقضية المصالح هنا ليست مجرد نقاش أو جولة جدل، بل هي انعكاس لما هو مفيد لفئات مجتمعية أو للمجتمع عموماً أو ما هو ضار بالاثنين، في سياق العلاقة مع جماعات أخرى محلياً، أو الآخرين خارج الحدود، إن كنا نحكي عن العلاقات بين الدول.

استدعاء التفكير بالمصالح وتقاطعها وتنافرها، أمر ضروري عند نقاش كل القضايا التي تخص السوريين، ومنها الأزمات المتكاثفة التي تحيق بهم في كل البلاد التي وصلوها بوصفهم لاجئين.

لا سيما وأن النقاش حول تكاليف وجودهم، وتأثيره على المجتمعات المستضيفة، لم يعد مجرد انعكاس لنزعات فئات عنصرية، تنشط في كل زمان ومكان، وضد أي غرباء، بل صار شأناً حاضراً على المستوى السياسي الداخلي، ومادة صراع بين الفئات المتنافسة.

وجود القوى العاملة السورية، وكذلك فئات رجال الأعمال، وأصحاب رؤوس الأموال، في كافة البيئات، انعكس بشكل إيجابي على اقتصاديات الدول التي استقروا فيها، وبمعنى ما، يمكن اعتبار هذا النشاط غير المؤذي للاقتصادات المحلية، إضافة مهمة أتت بفوائد كثيرة، حصلت عليها هذه المجتمعات، دون أن تبذل في سبيلها جهداً يذكر.

الاستنتاجات المتداولة وفق ما سبق، تؤكد بأن توسع الحملات التي تهدف إلى إعادة اللاجئين إلى بلدهم، يبدو مرتبطاً بأسباب لا علاقة لها بالبلدان المستضيفة لهم فقط، بل يتصل بنهج غير معلن، لكنه حقيقي.

طبعاً لا يمكن مقارنة النتائج الحاصلة في ألمانيا كمثال، مع النتائج التي تخرج في الأردن كمثال أيضاً، فلكل بقعة اعتباراتها المحلية، لكن يمكن الجزم أنه وحتى في أسوأ البقاع التي يعيش فيها السوريون كلاجئين، ثمة جانب مضيء، يجب عدم تجاهله.

وإذا كنا نقصد لبنان على وجه الدقة، حيث تستعر الحملات المعادية لهم حالياً، فإن الأرقام التي يقدمها لبنانيون منصفون، عما جاءت به استضافة اللاجئين ودورهم في القطاعات الاقتصادية كالزراعة وقطاع البناء، تكفي للرد على الكارهين ممن يستغلون أحداثاً جنائية، للتحريض على مئات الآلاف من الباحثين عن الملاذ الآمن، بقرب مدنهم وقراهم التي هجروا منها على يد ميليشيات لبنانية، قاتلت لدعم بقاء النظام الأسدي.

التفاصيل هذه، تؤكد أن ثمة مصلحة للحكومات في وجود اللاجئين، ويكمن الجزم بأن الاستفادة من الأزمة، هو مبدأ تم تطبيقه، من قبل كل الدول المحيطة بسوريا، لكنها في الوقت نفسه، سمحت ولأسباب سياسية أن يتم استخدام السوريين كمادة مستخدمة في الصراعات الداخلية. وكعادة القوى السياسية في البحث عن مشاجب تعلق عليها نجاحها أو فشلها، فإن اللاجئين تحولوا مع مرور الوقت إلى مكسر عصا، بعد تجاهل مستمر لمصالحهم كجماعات بشرية، لها حقوق موصوفة بحسب القوانين والشرائع الدولية.

إذا قيض لنا ألا نبالغ في وقائع الأزمات التي يعيشها اللاجئون في تركيا ولبنان، وبنسب أقل في بلدان أخرى، وأن نرى في المقابل وجود قبول لأولئك الذين استقروا، وصارت حيواتهم مرتبطة بالمكان الجديد، الذي نشأ فيه أطفالهم ودرسوا، فإن الحملات السياسية الموسمية المرتبطة بالانتخابات في البلد الأول، أو تلك المتعلقة بالصراعات البينية الداخلية في البلد الثاني، لا تبنى على أزمة كبيرة مستدامة، بقدر اندلاعها بناء على أسباب مؤقتة. ما يعني أن ترسيخاً للمصالح قد حصل طوال السنوات الماضية.

الاستنتاجات المتداولة وفق ما سبق، تؤكد بأن توسع الحملات التي تهدف إلى إعادة اللاجئين إلى بلدهم، يبدو مرتبطاً بأسباب لا علاقة لها بالبلدان المستضيفة لهم فقط، بل يتصل بنهج غير معلن، لكنه حقيقي، يهدف إلى إنهاء الأزمة السورية على الأرض، من خلال إجبار اللاجئين على العودة والقبول بما قسمته لهم تسويات، تعقد في الخفاء بين الدول المساهمة في الصراع.

هل الأسد هو الوحيد في الحلبة الذي يجعل من اللاجئين أداة تستخدم في الصراع؟ بالتأكيد لا، فهذا الأسلوب يتم اتباعه منذ عشرات السنين، وخاصة حين تحدث الحروب فيهرب البشر المتضررون منها إلى البقاع الآمنة.

فعلياً لا يريد نظام الأسد أن يعود اللاجئون إلى وطنهم الآن، حتى وإن قبلوا بالشروط اللا إنسانية التي يعيشها من يرضخون لسلطته في مناطق سيطرته، بل يريد عوضاً عن ذلك الإبقاء على هذه الورقة فوق طاولة مفاوضاته مع القوى الدولية، ولاسيما لناحية المقايضة بينهم وبين العقوبات المفروضة عليه، وجعل عودتهم مشروطة بدوران عجلة إعادة الإعمار بناء على شروطه، فمصلحته في الوقت الحالي تبنى على استغلال كل الأزمات الناتجة عن حربه ضد السوريين الثائرين، في سياق إعادة إنتاج سيطرته، وبما يضمن استمرار النظام وحكم العائلة.

لكن هل الأسد هو الوحيد في الحلبة الذي يجعل من اللاجئين أداة تستخدم في الصراع؟ بالتأكيد لا، فهذا الأسلوب يتم اتباعه منذ عشرات السنين، وخاصة حين تحدث الحروب فيهرب البشر المتضررون منها إلى البقاع الآمنة، وتقوم دول بتسهيل موجات اللجوء، وتستفيد منها لفرض شروط على الدول التي تشعر بالتهديد منها.

لكن هنا تبدو الحالة معكوسة، فالقوى الدولية تريد من اللاجئين أن يعودوا، رغم رفعها شعار "ضرورة العودة الآمنة"، دون أن تجبر الأسد على تغيير الواقع، الذي أدى ومازال يؤدي، إلى هروب السوريين من بلدهم.

إنها تريد أن تلزمه بأزمتهم، لكنه لا يريد بدوره من القصة سوى مصلحته في البقاء، وبناء على هذه اللوحة من تناقض المصالح، يجد اللاجئون أنهم معلقون في الهواء، بلا أفق وبلا أمل، فالعالم الذي انشغل بمشكلتهم لوقت طويل، لم يعد مهتماً بها بقدر اهتمامه بأزمات مستجدة، أقرب إليه في تأثيرها ونتائجها.