icon
التغطية الحية

اللاجئون السوريون في لبنان.. البحر أمامهم

2023.01.16 | 17:29 دمشق

لاجئون سوريون في بلدة السماقية اللبنانية يحتشدون حول النار طلباً للدفء
لاجئون سوريون في بلدة السماقية اللبنانية يحتشدون حول النار طلباً للدفء
Who What Why - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

يقيم دانييل برفقة أسرته في بيت مؤلف من غرفة نوم واحدة بشمالي لبنان، وهذه الشقة تفتقر للكهرباء والماء. ويعيل 13 من أفراد أسرته بوساطة أموال المعونات والمدخول الإضافي الذي يحققه عبر أعمال غريبة عجيبة، ومن خلال ما يجود به الآخرون عليه.

بعد مرور عشر سنوات على النزوح من سوريا هرباً من الحرب الهمجية الدائرة فيها بحثاً عن ملاذ آمن في لبنان، ألفى دانييل نفسه في وضع ليس بأفضل من الوضع الذي هرب منه، وعن ذلك يقول: "إني ميت، فلم أعد أحس بشيء، بل أعيش فقط في خوف دائم".

في خضم الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعصف بلبنان، وتنامي المشاعر المعادية للاجئين، والخوف الدائم من الترحيل إلى سوريا، يعيش دانييل كغيره من اللاجئين السوريين في لبنان، وهو يحلم بالسفر إلى أي مكان آخر.

منذ عام 2019، زاد الانهيار الاقتصادي التدريجي من صعوبة الحياة اليومية في لبنان، فقد ارتفعت نسبة التضخم إلى حد كبير، وفقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90% من قيمتها. وخلال الفترة ما بين 2017-2021، هاجر نحو 216 ألفاً من لبنان، بحسب شركة بحثية واستشارية مقرها في بيروت وتعرف باسم Information International.

تضرر اللبنانيون وغير اللبنانيين من مصائب الاقتصاد على حد سواء، والتي جعلت من كل شيء بدءاً من الغذاء وحتى الكهرباء سلعة لا يمكن لأحد أن يؤمنها.

وحول ذلك يخبرنا مصطفى علوش وهو عضو سابق في البرلمان عن مدينته طرابلس الواقعة في الشمال اللبناني الفقير، فيقول: "الوضع سيئ على الجميع تقريباً، باستنثاء قلة قليلة جمعت مبالغ طائلة من المال فصار بوسعها أن تعيش اليوم".

Mushapha Alloush, Syrian, Lebanon

النائب اللبناني السابق مصطفى علوش

أصبحت الحوالات النقدية التي يرسلها المهاجرون إلى الوطن والتي لعبت دوراً مهماً في لبنان، تشكل 54% تقريباً من ناتج الدخل القومي في لبنان، وذلك اعتباراً من العام الفائت، بحسب منظمة Mercy غير الحكومية الدولية.

ويعلق النائب علوش على ذلك بقوله: "باتت نسبة كبيرة اليوم من السكان تعيش على ما يقدمه الأبناء والبنات والأزواج والإخوة الذين هاجروا، بما أن نسبة كبيرة من الشعب قد هاجرت".

ومع ارتفاع أسعار الغذاء بنسبة 700% خلال الفترة الواقعة ما بين عامي 2019 إلى 2021، أصبحت تلك الحوالات شيئاً لا غنى عنه، إذ اعتباراً من شهر تشرين الأول الماضي، سجلت أسعار الغذاء في لبنان أعلى معدل لها في الشرق الأوسط، وحققت المرتبة الثانية على مستوى العالم، وذلك بحسب البنك الدولي. إلا أن 2% فقط من الأسر السورية في لبنان ذكرت بأنها تتلقى حوالات من الخارج في عام 2021.

men fishING, Tripoli, Lebanon

صيادون يمارسون عملهم على شواطئ طرابلس اللبنانية 13 شباط 2022

تؤوي لبنان نحو مليون ونصف مليون لاجئ سوري، معظمهم يعيش في فقر مدقع بسبب الأزمة الاجتماعية-الاقتصادية التي تعصف بلبنان.

بما أن دانييل لم يعد بوسعه شراء الغذاء، لذلك بات اهتمامه منصباً على شراء أغذية انتهت مدة صلاحيتها، حيث تحمل زوجته كيساً ويقوم هو باختيار الأطعمة التي انتهت مدتها، ويعلق على ذلك بقوله: "لا أريد أن يجوع أطفالي".

توقف دانييل عن العمل في لبنان قبل سنوات بسبب أمور تتصل بأمانه، إذ بعدما تعرض لتجربة السجن والتعذيب على يد سوريين قبل هربه إلى لبنان لئلا يتم تجنيده في الجيش، صار يعيش في خوف دائم من الترحيل إلى سوريا.

خلال الفترة التي أمضاها في السجن، بقي دانييل في زنزانة صغيرة بلا نوافذ برفقة سجناء آخرين طوال ثلاثة أشهر، ونظراً لوجود أشخاص كثر في تلك الزنزانة، لذا بات الجميع ينامون ويتغوطون وهم وقوف.

ويعلق دانييل على تلك التجربة بقوله: "لا أتقبل ما جرى حتى اليوم".

إلا أن الرهاب يبقيه دوماً في حالة تحفز وشك بالآخرين، إذ قبل أن يلتقي به الصحفيون ليجروا معه هذا اللقاء، حلق شعر رأسه ووضع قبعة وقناعاً ليخفي هويته. يخبرنا دانييل أنه يتحدث تسع لغات، تعلم معظمها في لبنان، نظراً لحاجته لإخفاء جنسيته بصورة أكبر هناك.

Syrian children, ruins

الخراب في سوريا

تعرض المئات من السوريين لتجربة الاعتقال العشوائي والاحتجاز والسجن بتهم تتصل بالإرهاب في لبنان، وذلك بحسب تقرير صدر في عام 2021 عن منظمة العفو الدولية، حيث تعرض هؤلاء المعتقلين للتعذيب ولمحاكمات غير عادلة، كما أشارت منظمة العفو الدولية إلى أن المسؤولين اللبنانيين قاموا بترحيل ما لا يقل عن ستة آلاف سوري منذ شهر أيار 2019، في خرق واضح لمبادئ القانون الدولي التي تكفل عدم الإعادة بشكل قسري، حيث يحظر هذا القانون على الدول أن تعيد اللاجئين إلى المكان الذي يمكن لهم أن يتعرضوا فيه لخطر بالغ يتصل بخروقات لحقوق الإنسان.

على الرغم من أن الحرب في سوريا لم تعد بالغة الشدة كما كانت من قبل، إلا أن النزاع مستمر فيها في مناطق معينة، ولذلك أعلنت منظمات حقوقية بأن سوريا ماتزال دولة غير آمنة، وبأن من يعود من السوريين إلى البلد يتعرض لخطر الانتهاكات التي تتراوح من الاحتجاز العشوائي إلى العنف الجنسي والقتل.

طوال تلك الفترة، أعاق الجمود السياسي في لبنان قيام إصلاحات لازمة لتأمين مليارات الدولارات التي تأتي على شكل مساعدات تنقذ البلد من المزيد من التدهور نحو الهاوية.

ولذلك يعلق النائب علوش على ذلك بقوله: "الطبقة الغالبة هنا هي الطبقة الوسطى وهذا ما يزيد من حالة العجز واليأس".

مع انعدام أي أمل بتحسن الظروف قريباً، أصبح اللاجئون السوريون أمام خيار صعب، وهو ترك هذه البلد أيضاً، أو البقاء فيها ومواصلة التأقلم مع الظروف التي أصبحت أقسى كقساوة العودة إلى سوريا.

vegetable market, Tripoli, Lebanon

رجل يشتري خضراوات من أحد أسواق طرابلس التاريخ 13 شباط 2022

الخروج من هذا النفق

عصر أحد أيام الشتاء الدافئة في طرابلس، استوقف عبد الرؤوف سليمان ثلة من الصحفيين وأخذ يتجول معهم في المدينة، ثم سألهم هذا الرجل البالغ من العمر 45 عاماً: "هل أنتم صحفيون"، وعندما ردوا عليه بالإيجاب، أخبرهم بأنه فقد ابناً له في أواخر شهر أيلول الماضي بعدما رفضت إحدى المشافي إسعافه عند إصابته بطلق ناري طائش قبل أن تحصل على حسابها مسبقاً.

كانت الكلفة أكبر مما بوسع سليمان تحمله، بما أنه أب لستة أولاد، ولذلك لم تحرك المشفى أي ساكن بالنسبة لابنه سوى أن استبقته في غرفة الإسعاف.

ترك سليمان سوريا قبل عقدين من الزمان، وقبل سنوات على بدء الحرب هناك، وقبل فترة طويلة من انهيار لبنان من جراء الفساد المستشري فيه وسوء الإدارة على المستوى المالي. في البداية عثر سليمان على فرص أفضل له ولعائلته في لبنان، لكنه اليوم، بعد وفاة ابنه ناصيف، بات يخطط للعودة مع أسرته إلى سوريا.

إذ على الرغم من المخاطر الذي ذكرتها المنظمات الحقوقية، لم يكن سليمان السوري الوحيد الذي اختار العودة لبلده، فمنذ عام 2016 عاد نحو 79 ألف لاجئ سوري إلى سوريا بحسب ما أوردته المفوضية العليا للاجئين. وفي شهر تشرين الأول الماضي، واصلت الحكومة اللبنانية برنامج إعادة اللاجئين إلى سوريا، ولهذا وثقت المفوضية عودة 8793 لاجئاً سورياً حتى تاريخ اليوم، وتشمل تلك الأعداد العائدين بإرادتهم ومن سهلت لهم الحكومة اللبنانية أمور عودتهم.

يعلق سليمان على ذلك بقوله: "باتت الظروف في سوريا اليوم أكثر أماناً"، وأضاف بأن الخدمات في بلده أفضل منها في لبنان.

ولكن بالنسبة لبقية السوريين، خاصة الشبان في سن التجنيد الإلزامي، فإن العودة إلى سوريا أمر غير وارد.

النزوح الخطير

خلال شهر تشرين الأول الماضي، وبعد دفع مبلغ خمسة آلاف دولار لأحد المهربين، تجمع رجل اسمه محمد برفقة عشرة غيره عند الشاطئ بالقرب من طرابلس على أمل الهجرة إلى أوروبا.

فر محمد الذي طلب عدم الكشف عن اسم عائلته، من سوريا بعد فترة قصيرة من عيد ميلاده الثامن عشر، هرباً من الخدمة العسكرية، حيث دخل لبنان بطريقة غير شرعية، عبر الجبال الفاصلة بين البلدين. ثم توجه إلى طرابلس بما أن أقربائه يقيمون هناك.

Mohammed, Tripoli, Lebanon, shore

محمد، 22 عاماً، أب لولدين وهو يقف عند الشاطئ بمدينة طرابلس اللبنانية

بدأ محمد العمل ببيع القهوة، فكان يحصل 30 دولاراً على الأقل باليوم الواحد، أما اليوم فيعتبر هذا الشاب البالغ من العمر 22 عاماً، نفسه محظوظاً إن كسب باليوم عشرة دولارات.

إذ بوجود زوجة وولدين، لم يعد دخله يكفيه، كما أنه يقيم برفقة والديه وشقيقه، وجميعهم يعملون ليؤمنوا للعائلة قوتها. ولكن بما أنه لا يحمل إقامة قانونية، لذا فإن الخوف والقلق لا يبارحانه حيال فكرة الترحيل إلى سوريا، حيث يخشى من العقاب كونه تخلف عن الخدمة العسكرية.

أقل من 20% من السوريين المقيمين في لبنان يحملون إقامة قانونية بحسب إحصائيات مفوضية اللاجئين لعام 2021، إذ تقدر الحكومة اللبنانية عدد اللاجئين السوريين المقيمين في لبنان بنحو مليون ونصف، بينهم 831053 لاجئاً مسجلاً لدى المفوضية.

نظراً لزيادة التحديات التي بات المرء يعيشها بصورة يومية في لبنان، انضم محمد لذلك العدد المتزايد من الناس الذين يحاولون الهروب من لبنان بحراً.

وهكذا، وتحت جنح الظلام، نقلت ثلاثة قوارب صغيرة محمداً وغيره من المسافرين إلى جزيرة قريبة، وبعد نحو 45 دقيقة، وصل مركب أكبر لينقل أكثر من 50 مسافراً إلى إيطاليا.

كان محمد يخطط للسفر إلى ألمانيا بمجرد الوصول إلى أوروبا، بما أن أقرباء وأصدقاء له يعيشون هناك، ثم صار يفكر بطريقة ليأتي من خلالها بأسرته إليه، عبر تأشيرة لم شمل.

يحدثنا محمد عن لبنان فيقول: "بات الوضع سيئاً للغاية هنا، إذ لم يعد هنالك أي مستقبل".

نظراً للمخاطر التي تحيق بالرحلة، قرر محمد أن يخوضها بمفرده، وذلك لأن العديد من الرحلات التي أبحرت انتهت بكوارث وغرقى خلال العام الماضي، كان أبشعها تلك الحادثة التي غرق فيها ما لا يقل عن 89 شخصاً.

يخبرنا محمد بأنه بعد مرور ساعة على بداية الرحلة، تعطل محرك المركب، فساد الذعر بين الركاب، إلا أن أياً منهم لم يصب بأي أذى، ومع ذلك ألغيت تلك الرحلة، حيث أتى قارب آخر ونقل الجميع إلى لبنان.

Abdulkarim, Syria, Lebanon

اللاجئ السوري عبد الكريم

بحجة أن المحرك لم يتعطل بسببه، رفض المهرب إعادة الأموال للمسافرين، وبينهم عبد الكريم صديق محمد الذي رافقه في تلك الرحلة، والذي يعتقد بأن تعطل المحرك أمر مدبر، لكنه ذكر أيضاً بأن وقود المركب لم يكن يكفي للوصول إلى إيطاليا.

ويعلق هذا الشاب البالغ من العمر 36 عاماً بالقول: "بعد فترة اكتشفنا الخدعة لأنهم هم من عطلوا المحرك".

وعدهم المهرب برحلة أخرى، ولكن بعد مرور أكثر من عام على ذلك، مايزال الركاب بانتظار تلك الرحلة.

قبل بضعة أشهر، حاول عبد الكريم السفر في رحلة أخرى برفقة مهرب آخر، إلا أن الجيش اللبناني أوقف المركب وطاقم تلك الرحلة قبل أن يتمكن الركاب من الصعود على متنه.

ابتداء من شهر تشرين الثاني الماضي، رحل 4334 شخصاً عن لبنان أو حاول الرحيل عبر البحر، ما جعل عدد المسافرين يرتفع عن سابقه خلال الفترة نفسها من عام 2021 بنسبة وصلت إلى 176%، بحسب ما أوردته مفوضية اللاجئين، ومن بين جنسيات هؤلاء الركاب، مثل السوريون نسبة 62%.

ومعظم تلك الرحلات أو المحاولات سعت للوصول إلى إيطاليا.

ولقد علقت على ذلك باولا باراتشينا إستيبان الناطقة الرسمية باسم المفوضية العليا للاجئين فقالت: "ثمة رحلات يائسة يقطعها أشخاص فقدوا الأمل بالعيش في لبنان بسبب تدهور الوضع الاجتماعي الاقتصادي في ذلك البلد".

على الرغم من وعود المهرب بقيام رحلة أخرى مستقبلاً، إلا أن محمداً بقي يسعى للسفر إلى أوروبا بشتى الطرق والوسائل الأخرى.

Mural, Al Aqsa Mosque, Tripoli

جدارية للمسجد الأقصى في وسط بيروت 13 شباط 2022

البحث عن طرقات أكثر أمناً

يعلق محمد على ذلك بقوله: "لن أسافر بالبحر، لأنه خطير"، إذ في الوقت الذي لم يكترث فيه لذلك انتاب الذعر أمه وزوجته، ولهذا تعهد أمامهما بعدم السفر عبر البحر مجدداً.

لذا، وبدلاً من ذلك صار محمد يحلم بأن يجد طريقاً عبر مفوضية اللاجئين، من خلال برامج إعادة التوطين في دولة أخرى، ولذلك تعلق استيبان بالقول: "إن حل إعادة التوطين من لبنان إلى دولة أخرى محدود، لكنه مفتاح لكثير من اللاجئين الذين لا يمكنهم العودة إلى بلدهم، ولمن لديهم احتياجات خاصة لا يمكن تلبيتها في لبنان".

في عام 2021 أتى ثاني أكبر عدد لحالات إعادة التوطين في العالم من لبنان، وذلك عندما تقدم 8034 لاجئاً لخطة إعادة التوطين بحسب ما ذكرته إستيبان، واعتباراً من مطلع شهر كانون الأول خلال العام المنصرم، غادر سبعة آلاف لاجئ الأراضي اللبنانية.

وتضيف إستيبان على ذلك بقولها: "إن حصص إعادة التوطين تعمل على حفظ الأرواح وتقدم فرصة لبداية جديدة، وتلك مسألة حساسة للغاية بالنسبة للكثير من الأسر التي أصبحت تقلق حيال أمنها وحمايتها، سواء بالنسبة لما يتصل بالوضع الطبي، أو بالنسبة للأمور ذات الطبيعة الأمنية أو غيرها".

إلا أن عدد اللاجئين الذين يمكن أن يشملهم برنامج إعادة التوطين محدود، مقارنة بالحصص التي تقدمها الدول التي تقبل بحالات إعادة التوطين، ووسط تلك التحديات التي يعيشها لبنان، صارت مفوضية اللاجئين تحث الدول على زيادة تلك الحصص، ولهذا تقول إستيبان: "مانزال نطالب بمزيد من فرص إعادة التوطين للاجئين في لبنان، لا سيما خلال هذه الفترة الحرجة التي يعيشها هذا البلد".

مع محدودية الأمل بإعادة التوطين، بقي محمد يحلم بالحصول على تأشيرة إنسانية أو منحة دراسية، أو أي شيء آخر بوسعه أن يخرجه من لبنان، ولهذا يقول: "إني على استعداد للسفر إلى أي بلد".

بيئة عدائية

يتحرق عبد الكريم هو الآخر شوقاً للرحيل ونظراً لعلاقاته الاجتماعية الكثيرة، يخبرنا عبد الكريم بأنه يعرف المئات من السوريين الذين يجب أن يغادروا لبنان، لا سيما بعد بدء الانهيار الاقتصادي في ذلك البلد عام 2019.

إذ بالإضافة إلى الصعوبات المالية، يرى عبد الكريم في التمييز الذي يعاني منه اللاجئون سبباً آخر يدفع السوريين لمغادرة لبنان، ولهذا يقول: "أي شيء يحدث في هذا البلد بالعموم، مثل ارتفاع الأسعار، يعزوه الناس فوراً لوجود السوريين، إذ إن عدم توفر الدولار سببه السوريون برأيهم، والبطالة سببها السوريون، وكل هذا الكلام عنصري، لأن السوريين لا علاقة لهم بكل ذلك، لأنها أزمة، والأزمة سببها هم أي الحكومة".

يذكر أن منظمة العفو الدولية أعلنت بأن الحكومة اللبنانية قد سنت سياسات تحد من فرص العمل أمام اللاجئين السوريين وتمنع حصولهم على الخدمات التي تتصل بالتعليم والصحة.

Mural, Ghiath al Robih, Tripoli

جدارية للفنان الفلسطيني غياث الربيح في طرابلس

التاريخ 12 تشرين الثاني 2022

يستشهد السوريون من أمثال عبد الكريم بأمثلة متنوعة للتمييز الذي عانوا منه، ومنها الفصل بين السوريين واللبنانيين على طوابير الخبز.

ولهذا يتابع عبد الكريم بالقول: "كل ما يحدث لهم من مشكلات يتهموننا به، فهم يرون بأننا نحن من تسبب بكل هذا، على الرغم من أننا لا يد لنا فيه، إلا أن هذا ما نسمعه منهم كل يوم".

على الرغم من أنه لا يؤيد المشاعر المعادية للاجئين، إلا أن النائب السابق علوش يرى بأن سبب العنصرية هو ندرة الفرص في البلد وسط الأزمة الاقتصادية وازدياد أعداد اللاجئين، إذ يقول: "إن كنت تتنافس مع شخص آخر، وقبل ذلك الشخص بأجر أدنى وبظروف معاشية أقل وما إلى هنالك، عندها قد تعتبره كمن يسرق حقوقك في بلدك، وهذا لا يحدث في لبنان فقط، بل أيضاً في فرنسا وألمانيا وإيطاليا وأي مكان في العالم".

بما أن لبنان يتعرض لتحديات جسيمة، لذا يخبرنا علوش عن مدى السخط الذي ينتاب بعض اللبنانيين حيال الملايين التي تصرف كمساعدات على اللاجئين من قبل الأمم المتحدة، بيد أن هذا الدعم الذي يوزع على شكل حصص نقدية في أغلب الأحيان من المقرر أن ينكمش خلال هذا العام، إذ بسبب القيود المفروضة على الميزانية، ستهبط نسبة اللاجئين السوريين الذين يحصلون على دعم نقدي من قبل برنامج الغذاء العالمي والمفوضية العليا للاجئين من 89% إلى 78 بالمئة.

بالرغم من الغبن الذي يحس به بعض اللبنانيين، إلا أن علوش يرى بأن المشكلات السياسية في المنطقة التي بدأت في عام 2011 ماتزال تسهم بتراجع لبنان اقتصادياً، وقد حدث ذلك بعد مرور شهرين على بداية الثورة السورية، ولهذا يقول: "كثيرون يرون بأن وجود السوريين لن يزيد من المحنة التي نعيشها، لأن المحنة موجودة ووقعت بالفعل بصرف النظر عن عدد السوريين الموجودين في لبنان".

ابتلاءات الحياة

وضع دانييل نصب عينيه هدف الوصول إلى أوروبا التي يعيش فيها عدد من إخوته، ولهذا يأمل أن يلتم شمله بهم، حتى لا يشعر أي منهم بأنه وحيد، ويخبرنا بأن المفوضية العليا للاجئين تواصلت معه عدة مرات، لكنه ليس متأكداً إن كانوا سيختارونه ضمن برنامج إعادة التوطين.

وفي حال وصوله إلى أوروبا، يعتقد دانييل أن بوسعه أن يحيا حياة طبيعية في نهاية المطاف، خالية من ذلك الإحساس الدائم بالخوف من الاعتقال، بعيدة عن الرهاب الذي يجتاحه في لبنان، ولهذا يقول: "تدمرت بعد الحرب السورية أنا وعائلتي، إذ في البداية تفرقنا، ثم لم أعد أعرف شيئاً عن بقية أفراد عائلتي، ولكننا صرنا نتحدث مع بعضنا بين الفينة والأخرى".

اتصلت شقيقة دانييل به منذ فترة قريبة وهي تبكي وتقول: "كل ما أريده هو أن أعانقك ولو لمرة واحدة قبل أن أموت".

مع بدء الشتاء، صار القلق ينتاب دانييل على أسرته، حيث تحدث عن الجوع وعن الأغذية التي انتهت صلاحيتها، وعن عدم توفر ملابس لهم، وعن مشكلات صحية تعرض لها هو وزوجته، وعن الظروف التي جعلته يعيش فقط دون أن يحيا حقاً، أي تلك الظروف التي لم يتخيل أن يعيشها بحياته عندما غادر سوريا قبل 11 عاماً، ولهذا يقول: "لو بقيت لما كنت هنا، ولكن الله قادر على كل شيء، وكل ما يأتي منه خير".

يخبرنا دانييل أن الحياة تجرحه في بعض الأحيان، لكنه يؤمن بأن الظروف ستتحسن في نهاية المطاف، وذلك عندما يخرج من لبنان، حيث يقول: "سيأتي ذلك اليوم الذي لن تؤذيك الحياة فيه، لدرجة لابد وأن تنسى كل ما عشته قبل ذلك عندما يأتي ذلك اليوم".

المصدر: Who What Why