البث المباشر
توضح حالة تفشي الكوليرا في سوريا ولبنان وهاييتي كيف يمكن للتغير المناخي أن يزيد من خطر انتشار الكوليرا في مختلف بقاع العالم.
وعادت الكوليرا للظهور من جديد، حيث تفشت في سوريا ولبنان وهاييتي حالياً، فأصبح ملايين الناس مهددين بالإصابة بهذا المرض.
أكثر من 13 ألف حالة إصابة بالكوليرا ظهرت في سوريا خلال الشهر الماضي، إلى جانب ما لا يقل عن 60 حالة وفاة، وانتقل المرض إلى لبنان اليوم، حيث ظهرت أكثر من 50 حالة يعتقد بأنها إصابة بالكوليرا، وهكذا بات ملايين الناس عرضة للعدوى بهذا المرض.
وفي الجهة الأخرى من العالم، وتحديداً في هاييتي، توفي شخص بالمرض، مع ظهور 50 حالة إصابة مؤكدة في العاصمة، ما دفع الجهات الصحية في مختلف بقاع العالم لأن تعلن بأن أكثر من مليون طفل، إلى جانب ملايين البالغين، أصبحوا عرضة للإصابة بهذا المرض.
تفشى المرض في المناطق التي لم يعد يظهر فيها منذ سنين (ثلاث سنوات في هاييتي، وأكثر من عقدين في سوريا، وثلاثين سنة تقريباً في لبنان)، فزادت تلك الحالات من حالات الإصابة بالكوليرا على مستوى العالم، في المناطق التي يعتبر فيها هذا المرض منتشراً بنسبة أكبر، إلا أن ما زاد من حدته هو التغير المناخي. وهكذا، فإن تفشي هذا المرض ما هو إلا لمحة وبداية لما يمكن أن يترتب على التغير المناخي من نتائج مستقبلاً على صحة الإنسان.
حالات الكوليرا في ازدياد
أعلن الأمين العام لمنظمة الصحة العالمية في مؤتمر صحفي خلال الأسبوع الماضي بأننا: "لم نعد نشهد فقط المزيد من حالات التفشي، بل إنه تفش أشد فتكاً وحدة". إذ تكشف تقديرات منظمة الصحة العالمية بأن أعداد الإصابات بالكوليرا خلال هذا العالم أتت أعلى بثلاثة أضعاف من متوسط المعدل السنوي للإصابات خلال السنوات الخمس الماضية.
بيد أن مرض الكوليرا الذي ينتقل عبر المياه الملوثة يمكن معالجته والوقاية منه بشكل كبير، كما أن هنالك لقاحات فعالة ومضادات حيوية وتدخلات بسيطة في معظمها مثل الإماهة الفموية كلها تكفي ليبقى ضحايا هذا المرض على قيد الحياة، إلا أن المرض بوسعه أن يفتك بالمريض في غضون ساعات في حال عدم حصوله على تلك الإجراءات التي تنقذ حياته، وعلى رأسها المياه النظيفة.
لدى منظمة الصحة العالمية مخزون يشتمل على 27 مليون لقاح مضاد للكوليرا، بيد أنها لا تكفي لمواكبة الأعداد المتزايدة من الحالات وللمناطق التي باتت عرضة للمرض. إذ يشير ارتفاع عدد الحالات والوفيات إلى وجود جملة معقدة من عوامل الخطر التي يرتبط كل منها بالآخر، وعلى رأسها الفقر وعدم القدرة على الوصول إلى مصادر مياه نظيفة أو رعاية صحية، ويزداد كل ذلك سوءاً في حال وجود نزاع. إذ إن التوترات العنيفة التي ظهرت في هاييتي عقب اغتيال الرئيس في العام المنصرم أدت إلى انهيار الخدمات الأساسية وعلى رأسها خدمة التخلص من النفايات والمشكلات التي تتصل بالأمور الصحية. وفي سوريا ولبنان، زاد النزاع من صعوبة الحصول على مياه نظيفة.
التغير المناخي وراء تفشي الكوليرا
ثمة عامل آخر يقلق الجهات المسؤولة عن الصحة العامة، ألا وهو التغير المناخي، إذ ذكر الأمين العام لمنظمة الصحة العالمية بأن: "الكوليرا تزدهر عند وجود فقر ونزاع، إلا أن من حرض على ظهورها اليوم هو التغير المناخي.. وذلك لأن حوادث مناخية عظيمة مثل الفيضانات والأعاصير والجفاف كلها أضعفت القدرة على الوصول إلى مياه نظيفة، وخلقت البيئة الأمثل لتفشي الكوليرا".
هذا ويمكن لأي حدث يدفع السكان للانتقال والنزوح ويحد من قدرتهم على الوصول إلى مياه نظيفة من أن يفاقم هذا الخطر، إذ مثلاً عقب الفيضانات الكارثية التي وقعت في باكستان وتضرر بسببها 33 مليون نسمة، وقتل ما لا يقل عن 1200 شخص، اضطر الناس لشرب مياه الفيضان في ظل عدم توفر مياه نظيفة، وهذا ما يعرضهم بنسبة أكبر لخطر الإصابة بالأمراض التي تنتقل عبر الماء، ومن بينها مرض الكوليرا.
يزيد التغير المناخي في تفشي ذلك المرض حتى في المناطق التي يعتبر هذا المرض أكثر شيوعاً فيها، وذلك لأن 15 منطقة تفشى فيها المرض من بين 27 منطقة تقع في دول جنوب شرق أفريقيا، أي الدول الأشد تضرراً من تغير نمط هطول المطر ومن الأعاصير والجفاف. وبحسب ما أوردته منظمة الصحة العالمية، فإن نسبة الوفاة بالكوليرا في أفريقيا بلغت اليوم 3%، ولكن عند توفر العلاج المناسب لابد وأن تهبط النسبة إلى ما دون 1%. بيد أن مشكلات المناخ لابد وأن تصعب من الناحية اللوجستية تأمين الرعاية الصحية والوضع الصحي اللازم لضبط حالات تفشي المرض ومنعه من الانتشار.
المصدر: Quartz
