تقول وقائع التجربة الشهيرة التي أجرتها ثلة من العلماء اللامعين في معاهد التنمية البشرية، إنهم حصروا خمسة قرود في قفص حديدي، وكانوا قد رفعوا لهم عثكول موز على سلّم في مركز القفص، فأسرع قرد جائع إلى العثكول وتسلق السلّم، فقذفه العلماء القرود بوابل من المياه الباردة، كما في المظاهرات ضد غلاء الخبز أو قتل الفقمة. أدبيات التجربة لا تذكر الوقت، وكانت التجربة في الشتاء القارس، فلو كانت في الصيف، لسرت القردة بالماء البارد، فتقهقرت القرود وانكسر القرد الشجاع، وعلمت القرود أنَّ الموز ممنوع، وأنه يضعف الشعور القومي ويوهن نفسية الأمة، وأنه مثل الدستور، للعرض فقط، وأن عقوبة الماء البارد في الشتاء القارس ليست بهيّنة، وأنَّ العلماء الفاضلين – لله درهم وماؤهم ــ لم يستخدموا النار أو الرصاص المطاطي في ردع القرد الباسل.
كان العلماء يجرّبون عقاقيرهم وأدويتهم دومًا على الحيوانات لاختبار صلاحيتها، ثم يطلبون متطوعين من البشر، قبل تسويق الأدوية وتعميمها، وهذه تجربة على النفوس لا على الأبدان.
أخرج العلماء الموقرون ذلك القرد الشجاع النياندرتال، وكان اسمه زيكو، وأطلقوه، وغيّبوه وراء الشمس، وجاؤوا بقرد جديد، متفائل يحبُّ الوطن والحياة، من المناطق النائية، من قرود النياندرتال التقدمية اسمه جيكو، وأدخل القفص، فوجد القرود الأربعة مذعورة في ركن القفص، والسلّم، وفي أعلاه الموز، فتعجّب من حالهم وصومهم عن الموز الذهبي اللذيذ، فأسرع إلى السلّم ليتسلقه، فانقضت عليه القرود الأربعة، وهي تعوي، وتبعق، وأمسكوا به وأوقفوه وأوسعوه عضّا ولكمًا، فانكسر القرد جيكو المسكين وانطوى مثخنًا بالجراح، وبكى بعبرة وتحمحم، وأخذ علمًا أنّ الموز طعام مقدس، وليس للأكل، وجثم في زاوية القفص يكفكف جراحه وينفخ عليها ويستخلص العبر من الواقع الجديد.
استبدل العلماء الموقرون مرة بعد مرة قرود المناطق الريفية النائية بجميع قرود الحرس القديم حتى صار المجتمع القردي متجانسًا وخاليًا من القرود الرجعية
استبدل العلماء الموقرون قردا من قرود النياندرتال أطلقوا عليه اسم هيكو، بقردٍ من رعيل القرود الثلاثة القديم، مجلوبًا من المناطق النائية والغابات العذراء، فأدخل إلى القفص، فوجد القرود مجتمعة في اجتماع حزبي في ركن القفص، ويتداولون شؤون المنطقة والعالم، زاهدين في أكل الموز، فتعجب من أمرهم، وهرع إلى السلّم، لكن القرود الأربعة من الحرس القديم والقرد الجديد جيكو، هبّوا هبة وطنية، وضربوا هيكو ضربًا مبرحًا، وأذاقوه الويل والثبور وعظائم الأمور، من غير وابل للماء البارد، وهيكو مذهول من أمرين، أنهم لا يأكلون الموز، ويغارون عليه أشد الغيرة، فانكسر وجثم في ركن القفص يلملم جراحه ويلعقها، وأخذ علمًا أن الموز طعام ممنوع وأنه مقدس وأنه للعرض فقط.
وكان العلماء ينظرون باسمين إلى حصائل التجربة.
استبدل العلماء الموقرون مرة بعد مرة قرود المناطق الريفية النائية بجميع قرود الحرس القديم حتى صار المجتمع القردي متجانسًا وخاليًا من القرود الرجعية، القرود كلها تقدمية، وعلى قلب قرد واحد، من غير وابل الماء البارد أو الماء الفاتر أو الساخن، ثم أدخلوا قردًا جديدًا خامسًا من الغابات العذراء، فدخل واثق الخطوة يمشي مشية الملوك في المراسيم، فوجد الموز وأسرع إليه، فالموز فاكهة طيبة؛ سريع التقشير، وكثير الفائدة، فهو يقي جهاز المناعة وغني بالمعادن وفيه نسبة من السيللوز أيضًا، ويحفظ سلامة الصحة النفسية ومرتفع السعرات الحرارية، فأمسكت به القرود الأربعة، وكلها من الحرس الجديد، وطحنته طحنًا، فأخذ علمًا أن الموز طعام مقدس، وقد يكون مسمومًا، وربما يريدون مصلحته وإنقاذه من الموت، ربما تكون ثمرة وطنية ويجب الحفاظ عليها للأجيال القادمة، أو قد تكون للتصدير من أجل العملة الصعبة وشراء الأسلحة والسلالم.
تقول وقائع التجربة إن القرود الوافدة عاشت في القفص السعيد تأكل قشور الموز التي يقدمها لها العلماء في أمان واستقرار وتتفرج على المسلسلات التلفزيونية.
هذه أهم فوائد التجربة والعبر والعظات المستخلصة منها:
نلاحظ حرص العلماء الموقرين على حفظ الماء وعدم هدره.
ونجد حرص العلماء على الثروات الزراعية وخاصة الموز المستورد من الصومال والمناطق الاستوائية.
وحرص العلماء على السلّم الحكومي والسلم الأهلي والأمن الاستقرار.
إنَّ القرود الشجاعة التي أخرجت من القفص تحولت إلى قادة للغابات ومحافظين وولاة ونواب برلمان، يأكلون كل الثمار بما فيها الموز
ونجد استغناء العلماء عن المراقبة بكاميرات المراقبة، فلا يجوز التجسس على الإنسان والحيوان، واستبدالها بالمراقبة الذاتية والمراقبة القردية، وجعل المجتمع يقوم بعضه بأمر بعض، وهو ما أطلق عليه إداريًا "بالتسيير الذاتي".
تقول نظريات التنمية البشرية المستخلصة من نظرية دارون للتطور الجنسي والسلالي والسلوكي: إنَّ القرود الشجاعة التي أخرجت من القفص تحولت إلى قادة للغابات ومحافظين وولاة ونواب برلمان، يأكلون كل الثمار بما فيها الموز.
وإن العلماء وجدوا أنَّ الساسة استفادوا من تجربة الموز والقرود، وأسسوا علمًا اسمه علم إدارة الحروب الأهلية برمي قشور الموز تحت أقدام المجتمعات الجائعة، ووضع البصل فوق السلم، لأن الموز ثمين، ولتوفير العملة الصعبة، واستُبدل البطاطا بالبصل حتى قلّت وندرت أيضًا، ثم وجدوا أن يضعوا محل الموز والبصل والبطاطا دستور البلاد، ثم إنّ بعض الرؤساء، وهم قرود من سلالة جيكو أو هيكو أو بيكو، بدؤوا يحرسون السلّم من غير موز أو بصل.