في هذا المناخ الصعب، حيث يلف الدخان الأسود كامل المشهد السوري، ويلقي بظلال الاستحالة على أي سعيٍ جادٍ، يهدف لتخليص سوريا من هذا النظام الوالغ في دم شعبه، فقد مضت ثماني سنواتٍ عجافٍ، ذاق فيها السوريون شتى صنوف التعذيب والقهر، والتقتيل والمجازر المروعة والاعتقالات، التي لم تترك بيتاً سورياً إلّا ونالت منه.
ثماني سنواتٍ وعتاة المجرمين مطلقة أيديهم، في جسد السوريين قتلاً وتشويهاً، والمجتمع الدولي يأخذنا من محفلٍ الى آخر، تاركاً للنظام المجرم مهمة تصفية من يستطيع من معارضيه، وتهديم ما تبقى من مدنٍ ثائرةٍ، دون أن يضع يده على موطن الفساد، ومنبع الجريمة المستمرة.
خلا موقفٍ أميركيٍّ حازمٍ، حين استخدم الأسد سلاحه الكيمياوي، ضد أطفال ونساء وكهول الغوطة، وأعادها مراراً، يومها وقفت بوجهه الإدارة الأميركية بحزم، حاصرةً إجازتها له بقتل السوريين فقط بالأسلحة المتوسطة والثقيلة، دون الأسلحة الكيمياوية.
في هذه الأجواء القاتمة، حيث يتملك السواد الأعظم من السوريين إحساساً عارماً بالخيبة والخذلان، من الأصدقاء قبل الفرقاء، ومن دعاة الديموقراطية وحرية الانسان، قبل غيرهم، يخرج كتاب القائمة السوداء كوثيقةٍ تاريخيةٍ أولاً، تقول بنسختها الإنكليزية للمجتمع الأوروبي عموماً، بمؤسساته ومنظماته الأهلية والحقوقية والسياسية، هؤلاء هم المجرمون الذين تقطر أيديهم وأرواحهم من دم ضحاياهم، ومعظمهم يملك جنسياتٍ أوروبية، ويملك أرصدةً وشراكاتٍ مع شركاتٍ عالميةٍ، شأنهم شأن جميع المجرمين الذين لا يأمنون على أموالهم ببلادهم، التي قد تنقلب عليهم في كل حين.
هذه الوثيقة هي حصيلة جهد دام سنوات، في جمع الروايات وتدقيقها ومقارنتها، الأمر الذي يجعل منها مستنداً معززاً لأي مقاربةٍ قانونيةٍ.
هذه الوثيقة هي حصيلة جهد دام سنوات، في جمع الروايات وتدقيقها ومقارنتها، الأمر الذي يجعل منها مستنداً معززاً لأي مقاربةٍ قانونيةٍ، لا سيما أن مجرمي هذا الزمن، وفي مقدمتهم القادة في نظام الأسد، لا يتركون وراءهم مستنداً قانونياً يدين جرائمهم، وبالتالي لا بد للقضاء الدولي أخذ هذه الوثيقة بما حوت، كمستند يساهم في إدانة المجرمين المذكورين، ويحيلهم لعدالة طالما حلم بها الضحايا السوريون.
وربما يكون هذا الهدف من أهم الأهداف التي تسعى منظمة مع العدالة لتحقيقه، من خلال جهدها الكبير في توثيق المنتهكين القادة، في مسرح الجريمة السورية.
يقع الكتاب في ثلاثة فصول، يوثق الفصل الأول لحجم التضحيات والنضال السلمي، الذي بدأ به السوريون ثورتهم، ومؤكدا على أهمية السبل القانونية في نيل الحق ومقاضاة الجناة، وإن كان هذا السبيل طويلاً وشاقاً، ولا يستطيعه إلا ذو بأسٍ عظيم.
ويتحدث الفصل الثاني، عن أبرز الانتهاكات والجرائم، التي عانى منها السوريون وما يزالون، أمام صمتٍ دولي مريب، حيث لم يبق ضربٌ من ضروب التنكيل والإجرام والانتهاكات، إلّا وتم تنفيذه بأقسى الصور، وبتكرار لا يخفى على مطلع، فكل يومٍ وعلى مدى سنواتٍ ثماني، تطالعنا الفضائيات بالصورة الحية، أخباراً عن مجازر وقصفٍ بالبراميل على الأحياء السكنية، وتدمير المدارس والمستشفيات، وقصف الأسواق والمخابز وقنص الصحفيين، والاعتقالات التعسفية والاختفاء القسري، بأعدادٍ يصعب تصديقها، وعن التهجير والتعذيب، وقائمةٍ طويلةٍ من صنوف التنكيل والإجرام، أنى للشعب السوري أن ينساها؟
هذا التراكم الفظيع من الإرهاب الممنهج، ليس له نهاية، وليس أمام نظام الاجرام إلّا الاستمرار فيه، طالما أنه مصر على البقاء في السلطة.
وهو متيقن أنه في الساعة التي سترتخي فيها قبضته الأمنية أو تضعف، سيعاود السوريون الانقضاض عليه ومحاسبته، على جميع جرائمه دفعة واحدة.
لا سلام ولا حل في سوريا، إن أريد لها ذلك حقاً، إلّا بإنصاف الضحايا، والضرب على يد الجناة، وإيقاف نهر الدم الذي يجري هباء، وتقديم ما أمكن من مجرمي هذه الحرب، لعدالة تطفئ أوار الصدور الجريحة.
من هذه النقطة وحسب، يمكننا التأكيد أن لا سلام ولا حل في سوريا، إن أريد لها ذلك حقاً، إلّا بإنصاف الضحايا، والضرب على يد الجناة، وإيقاف نهر الدم الذي يجري هباء، وتقديم ما أمكن من مجرمي هذه الحرب، لعدالة تطفئ أوار الصدور الجريحة، وتعيد الاعتبار لضحايا ما تزال أرواحهم تنزف وهي تنظر لعربدة قاتليها، وتسهم في شفاء مجتمع ممزق، هو في أمس الحاجة للشفاء.
ولن يكون هذا طالما أن نظام القتل والإجرام متسيداً للمشهد في سوريا اليوم، ويعاد إنتاجه لسوريا الغد، هذا الغد سيكون أشبه بالتنزه على حسك البركان، وعند أي اهتزاز سيعود المجتمع السوري للسقوط في أتون حرب وانتقام، لا ندري الى أين تودي به.
في فصله الثالث، والذي يضم الشطر الأوسع من صفحات الكتاب، يعرض لقائمةٍ سوداء مكونةٍ من اثنين وتسعين مجرماً، تصبَّغت أفعالهم وأيديهم بدماء السوريين ومقدراتهم، بدءاً من رأس الهرم المجرم "بشار الأسد"، وانتهاء "بمصيب سلامة" قائد شبيحة السلمية، وشقيق اللواء أديب سلامة.
هذا المشروع المهم سيمضي في خطواته التالية، إلى مزيدٍ من التوثيق لعددٍ أوسع ممن قتَل وانتَهك وساهم في توسيع مساحة الإجرام، التي وقعت على السوريين عامةً، بدءاً من المؤسسات الأمنية، وصولا إلى الميليشيات والمجموعات الإرهابية والطائفية.
هذه الوثيقة المهمة مع كثيرٍ غيرها، مما عملت عليه (منظمات حقوقية وبحثية واستقصائية) سورية، ستكون يوماً من دون أدنى شك، جسراً يعبر من خلاله الضحايا والناجون، إلى نيل حقوقهم أو رد اعتبارهم.
وما دام المجرم بعيدا عن العدالة، والحق غائب ومعتقل في أرضنا، فالخوف كل الخوف قائم على حاضرنا ومستقبلنا ومصير بلادنا.