"منمنماتٌ فكرية وحوارية: في الفلسفة والحياة اليومية والقضية الفلسطينية"، كتاب صدر حديثًا للباحث والأكاديمي السوري حسام الدين درويش، عن مؤسسة ميسلون للثقافة والترجمة والنشر.
تمثّل نصوص الكتاب الذي جاء في 428 صفحة، إجابة عن السؤال: كيف يمكن للفكر عمومًا، وللفلسفة خصوصًا، الانخراط في مناقشة الراهن والمباشر والمحسوس والمعيش، من دون أن يفقد الفكر شموليته النظرية، ومن دون أن تفقد الفلسفة فلسفيتها؟
ووفق ما ورد في مقدمة الكتاب، فإن نصوصه لا تزعم أنها (كلها) فلسفيةٌ، ولم يكن صاحبها يسعى إلى ذلك، أو يهتم به، "أصلًا"، لكنها تتناول بعض المسائل التي تخص الفلسفة، وتستثمر (جزءًا من) الخلفية المعرفية الفلسفية التي يمتلكها صاحبها، في تناول مسائل متنوعةٍ من الحياة (اليومية) والقضية الفلسطينية.
وفي الأشهر الأخيرة، ومنذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول عام 2023، تحديدًا، لم يعد سهلًا الفصل بين الحياة اليومية والقضية الفلسطينية، حيث أصبحت تلك القضية جزءًا من "حياتنا اليومية"، كما لم يعد سهلًا الفصل بين الفلسفة والقضية الفلسطينية، بعد أن اندفع فلاسفة كثر، من قارات العالم كلها، ومن جميع مناطقه وبلاده، في التعبير عن أفكارهم وقيمهم ومواقفهم في هذا الخصوص. كما ازدادت الانقسامات، الفعلية و/ أو المزعومة، بين الشرق والغرب، بين الاستشراق والاستغراب، وظهر ذلك، على سبيل المثال، في الحديث عن أن "حرب غزة قد كشفت الإفلاس الأخلاقي للفلسفة الغربية"!
في المقابل، رأى كثيرون أن الأحداث الأخيرة بينت أنه على الرغم من الانقسام السياسي، الفعلي و/ أو الموهوم، بين غربٍ داعمٍ لإسرائيل وجرائمها، دعمًا قويًّا ووقحًا، وشرقٍ عربيٍّ/ فلسطيني ينزف نتيجةً للدعم المذكور، فإن الأمور على الصعيد الثقافي والفلسفي والمعرفي أكثر تعقيدًا، وأقل قابليةً للتبسيط أو التصنيف، وفقًا للانقسامات المثنوية المذكورة. ويبدو حضور الفلسفة، في سياق وجود تلك الانقسامات المثنوية، ضروريًّا؛ لا للتموقع في أحد طرفي أقطابها المتنافرين، أو اتخاذ مواقف أيديولوجيةٍ أحاديةٍ نصرةً لطرفٍ ضد طرفٍ آخر، وإنما لتفكيك تلك المثنوية، أي أشكلتها وزحزحتها وتجاوزها، أيضًا، في جدلٍ إيجابيٍّ، عندما يكون ذلك ممكنًا.
وهكذا، تحضر الفلسفة، في نصوص هذا الكتاب، من خلال بعض المفهومات والمضامين والإحالات المعرفية وبعض الأدوات والمقاربات المنهجية. وهي تحضر لتغيب، ولتكون وسيلةً لتحقيق غايةٍ أهم. وفي مثل هذه السياقات، الفلسفة، مثل فن التمثيل، "تنجح" عندما لا تثير الضوضاء، ولا تلفت الانتباه إلى كونها فلسفة. فالممثل (للفلسفة) يكون أو يبقى ممثلًا بائسًا عندما يستمر في تذكير الناس، بقصدٍ أو من دونه، أو عندما يظل الناس يتذكرون، في أثناء التمثيل، أنه ممثلٌ.
حسام الدين درويش
كاتب وباحث ومحاضر في عددٍ من الجامعات الألمانية. حاصل على الدكتوراه في الفلسفة، اختصاص الهيرمينوطيقا، بدرجة مشرٍّف جدًّا مع تهنئة من لجنة التحكيم (أعلى درجةٍ ممكنةٍ)، من جامعة بوردو 3 في فرنسا.
تتناول كتاباته مواضيع تتعلق بالفلسفة والفكر العربي والدراسات الإسلامية والدراسات الثقافية. صدر له العديد من الكتب – سبعة كتبٍ باللغة العربية، وثلاثة باللغة الفرنسية – بالإضافة إلى عشرات الدراسات المحكّمة والترجمات، باللغات العربية والإنجليزية.
من كتبه (باللغة العربية): "درويش بين القدر والمصير: في الفلسفة والثورة" (2024)، "في فلسفة الاعتراف وسياسات الهوية: نقد المقاربة الثقافوية للثقافة العربية الإسلامية" (2023)؛ و"في المفاهيم المعيارية الكثيفة: العلمانية، الإسلام (السياسي)، تجديد الخطاب الديني" (2022)؛ "المعرفة والأيديولوجيا في الفكر السوري المعاصر" (2022)؛ "نصوصٌ نقديةٌ في الفكر السياسي العربي والثورة السورية واللجوء" (2017)؛ "إشكالية المنهج في هيرمينوطيقا بول ريكور وعلاقتها بالعلوم الإنسانية والاجتماعية: نحو تأسيس هيرمينوطيقا للحوار" (2016).