"قارب الشهر على الانتهاء وإلى الآن لم أحصل على وجبة إغاثة أو مبلغ مالي، ما زلت أمنّي أطفالي بأنهم سيحصلون على وجبة جيدة أو ثياب جديدة يفرحون بها في العيد و لكن لا أعلم إذا كان ذلك سيحدث أم لا.. لن ينسانا الله"
ختمت قولها إيمان بتنهيدة كبيرة تنم عن حرقة قلبها وحسرتها على صغارها الذين توفي عنهم أبوهم منذ خمسة أعوام أثناء إحدى غارات طائرات نظام الأسد على مدينة دوما بريف دمشق.
إيمان سيدة في 35 من عمرها ولديها أربعة أطفال أكبرهم عمره أربعة عشر عاماً وأصغرهم في الخامسة من عمره تعمل ممرضة في إحدى المستشفيات لتعيل أطفالها حيث قالت في حديث لـ موقع تلفزيون سوريا: "بعدما استشهد زوجي تكفلت أطفالي إحدى جمعيات الأيتام التي كانت تعمل في المدينة وكنت أحصل على مبلغ شهري كفالة لكل طفل إضافة للوجبات الغذائية والألبسة وتعلمت مهنة التمريض لأوفر لأطفالي كل ما يحتاجونه لا أستطيع أن أستعين بأحد من أسرتي أو أسرة زوجي فالجميع ظروفهم المادية سيئة ولا يستطيعون إعالتي ولكن بعد سيطرة النظام على المدينة وتوقف عمل الجمعيات الخيرية التي كانت موجودة وخروجها للشمال السوري انقطع عني هذا المورد المالي وبدأت العمل في إحدى المستشفيات، لدي منزل ملك لزوجي رحمه الله ومع أنه متضرر بالقصف ولكن سكنت به لأوفر أجرة المنزل ولم أتمكن من إصلاحه ولا توجد جهة خيرية في المدينة ساعدتني بترميمه في البداية كان الوضع مقبولاً مادياً ولكن مع انهيار الليرة السورية لم يعد راتبي يكفي سعر الخبز لعائلتي لنصف شهر.
تقول إيمان: "ذهبت للجمعية الخيرية في دوما وحصلت على مساعدة صغيرة من مدة زمنية بعيدة ولكن هذه المساعدة لا تكفي شيئا ومن ثم سمعت أن الهلال الأحمر يقوم بتوزيع مساعدات للعائلات التي ليس لديها معيل ذهبت منذ أكثر من عامين للهلال وقمت بتسجيل استمارة عن وضعي ولكن ليس لدي واسطة أو أحد أعرفه والفساد في الهلال منتشر أكثر من الحرب في سوريا فلم أحصل على وجبة إغاثة، علما أن هناك عائلات لا تشملها مساعدات الهلال، وتحصل عليها، وذلك بسبب معرفتها بأحد الموظفين المسؤولين في شعبة هلال دوما".
أجواء رمضان قبل سيطرة النظام
بدوره، أضاف السيد محمد وهو مدرس لغة إنكليزية (45عاما) في مدينة دوما "أثناء الحصار على الغوطة الشرقية تشكلت العديد من الجمعيات الإغاثية الخيرية في الغوطة، والتي كانت تعتمد على تمويل خارجي، ومساعدات أفراد، وتوزع إغاثة لأبناء الشهداء والمعتقلين والأشد فقراً، ومن ليس لهم معيل، وكان شهر رمضان شهر الخير، حيث تكثر التبرعات وتنشط حركة السوق، والجميع يتنافس لفعل الخير، وحتى إنه كانت هناك عائلات في المغترب شكلت مجلس عائلة، وتجمع التبرعات وترسلها لأقاربها في المدينة، ولكن بعد دخول النظام خرجت كل هذه الجمعيات للشمال السوري، وانحصرت الإغاثة بالجمعية الخيرية لدوما وشعبة الهلال الأحمر، الجمعية الخيرية مواردها قليلة، والهلال الأحمر قائم على المحسوبيات والأصدقاء والمعارف، وكما يقال بالمثل العامي تنفيعة لا أكثر وهناك بعض الأشخاص المستحقين يحصلون على مساعدات منه".
ويشير "محمد" إلى أنه هناك بعض المبادرات الفردية السرية غير المعلنة من قبل بعض أبناء المدينة فاعلي الخير الذين يعرفون العائلات في المدينة، فيرسلون لهم وجبات أو مبالغ مادية بشكل سري، كي لا يتعرض أحد للمساءلة القانونية، حيث يتم تحويل الأموال عن طريق الصرافين، وبالإضافة لمشروعات جديدة ظهرت من فترة وهي إرسال الهدايا من المغتربين لعائلاتهم وأصحابهم في الداخل السوري، حيث يقوم شخص بدفع مبلغ في أوروبا أو تركيا مقابل إرسال وجبة غداء أو سلة غذائية لشخص يهمه في الداخل، هناك أكثر من عشرة أشخاص أعرفهم يقومون بهذا العمل ويحصلون على مبلغ مادي مقابل أتعابهم، أثناء حصار الغوطة كنا ننتقد عمل الجمعيات ونتهمها بالفساد، ونستطيع أن ننتقدها بصوت عالٍ، أما الآن فنحن نشاهد السرقة بأعيننا والمساعدات التي تصل على اسمنا ونسكت كي لا نتعرض للاعتقال".
تبرعات لأهالي القابون من الشمال السوري
وليس بعيداً عن دوما في القابون، تحدث "أبو عمر" عن ازدياد تدهور الوضع الاقتصادي يوم عن يوم وعن قلة التبرعات للأهالي ولكن في بداية شهر رمضان قام المجلس المحلي للقابون المهجر للشمال السوري والموجود في عفرين بتشكيل مبادرة منه بجمع تبرعات مالية وإرسالها لبعض الأهالي الأشد فقرا في القابون لمساعدتهم، حيث تبرع أبناء القابون لهذه العائلات لإعالتهم في شهر رمضان، ولكن تبقى هذه المبالغ قليلة، ولا تفي الاحتياج الكبير لأبناء الحي الدمشقي المرهق خلال العشر سنوات".
أحياء كانت تعج بالحياة وأصوات الباعة المتجولين.. البسطات التي تفرد على الأرصفة وتعيق الحركة.. أصوات أصحابها التي تتعالى وهي تنادي الزبائن.. كلها اختفت ولم تبقَ إلا الجدران المتهالكة التي بقيت واقفة.
"وفي حرستا حيث عاد رمضان على أهاليها وقد ملأ قلوبهم الحزن والكدر، الفقر هو السمة السائدة لأهالي حرستا الذين يعيشون فيها، فضلاً عن أنه هناك أقسام كبيرة من حرستا لم يعد أهلها لها، مثل حي العجمي ومنطقة الكوع المعروفة، لا توجد مشاريع خيرية أو حتى مساعدات إغاثية، فقط نشاط صغير تقوم به الجمعية الخيرية في حرستا، ولا أعلم إذا كانت شعبة الهلال توزع إغاثة، وقد اقتصرت مساعدات الهلال على بعض الأدوية الطبية البسيطة والمتداولة، مثل الحبوب المسكنة وأدوية الالتهاب"، هذا ما قاله أبو أحمد وهو أحد سكان مدينة حرستا متحدثا لـ موقع تلفزيون سوريا عن وضع المدينة خلال شهر رمضان.
الاعتماد على إعانات المغتربين
بدورها أضافت السيدة مها من سقبا "مع بداية الثورة خرج شقيق زوجي من البلد مع زوجته وأولاده إلى ألمانيا، وحصل على اللجوء، وكان يرسل لزوجي تقريبا كل شهر 100 يورو، وذلك لأن والدة زوجي تسكن معنا في المنزل، كان هذا المبلغ يشكل جزءا أساسيا من مصروفنا خلال هذه السنوات الصعبة، وفي الوقت نفسه بدأت المشكلة بين شقيق زوجي مع زوجته، والتي اعترضت على إرسال هذا المبلغ لنا، بحجة أنهم منذ 9 سنوات وهم يرسلون لنا، ومنذ عدة أشهر توفيت حماتي ولم يعد شقيق زوجي يرسل لنا مساعدة مالية، إنهم لا يعلمون حقيقة الوضع الذي نعيشه، أو بالأحرى لا يريدون أن يعلموا ليبرئوا أنفسهم من أي إحساس بالمسؤولية تجاه أهاليهم الذين لولا وضعهم الصعب والحرب التي يعيشونها لما حصلوا على اللجوء في أوروبا".
هذا ما أكدته السيدة تغريد من كفربطنا، حيث أضافت "تشكل الإعانات القادمة من المغتربين الجزء الأساسي الذي يعتمد عليه من تبقى في البلد في حياته، حيث يرسل المغتربون أموالا للداخل السوري، إما بشكل حوالات نظامية، أو عن طريق وسطاء أو مساعدات عينية، مثل سلال غذائية، أو وجبات طعام، أو حتى تعبئة رصيد للهاتف، حيث كثرت المشاريع من هذا النوع .. ما عليك إلا أن تفتح صفحات الفيس لتعلم كمية هذه المشاريع، التي تكبر يوما بعد يوم.. وهناك عروض كبيرة قامت بها هذه المشاريع مع حلول شهر رمضان ومعظم المغتربين يدفعون زكاة هذا الشهر الفضيل في مناطقهم التي تركوها".
ويضيف عدد من الأهالي لـ موقع تلفزيون سوريا أن الأضواء وحبال الزينة التي كانت تزين شوارع الغوطة الشرقية بحلول شهر رمضان اختفت، فتقنين الكهرباء وانعدامها أحيانا لم يساعدها لإخفاء الحال التي وصلت إليه بعد سنوات من سيطرة قوات النظام عليها، وطاولة المأكولات الكبيرة التي كانت تزين بيوت أهالي الغوطة أصبحت عبارة عن أطباق صغيرة وأحيانا طبق واحد إن وجد.