نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تقريراً تحدثت فيه عن القائد الجديد لـ "فيلق القدس" الإيراني، إسماعيل قاآني، مشيرة إلى أنه لم يظهر قوة وحزماً أمام تزايد سلطة الميليشيات العراقية المدعومة من إيران، وأنه يفتقر إلى الصلاحية لوقف هجمات هذه الميليشيات على الأهداف الأميركية.
وأوضح التقرير أن قاآني الذي حل محل قاسم سليماني، الذي قتلته غارة أميركية في كانون الثاني من العام 2020، يواجه مشكلات تتعلق بالتواصل مع قادة الجماعات المسلحة، وإقناعها على التهدئة في هجماتها ضد القوات الأميركية.
وقالت الصحيفة إن رجل إيران في العراق جلس في يوم حار بمدينة بغداد مع مجموعة من قادة الميليشيات، في محاولة منه لتهدئة شوارع العاصمة المخيفة، وجلس في الغرفة قادة ميليشيات تنشر الخوف في البلاد، رجال كانت لديهم أيام قبل أن يسيطروا على نقاط التفتيش التي تقود إلى مركز السلطة في البلاد، وكانوا يخططون لاستعراض عسكري في العاصمة، وجلس بينهم قاآني، الذي كان حضوره بمنزلة ملء مكان ضخم فرغ باغتيال سليماني العام الماضي، وهو الذي حكم في فترة من الفترات سماء كل من العراق وسوريا ولبنان.
ورأى الحاضرون للقاء، الذي عُقد في حزيران الماضي، ومن راقبوه عن بعد، أنه بمنزلة تعميد بالنار لقاآني، وكوسيلة لتأكيد نفسه، تماماً كما فعل الرجل الذي كان يطلق عليه الحاضرون الحاج قاسم في منعطفات حرجة كهذه.
وبحسب شخصين شاركا في الاجتماع، وآخر اطلع على ما جرى فيه، فقد ضيّع قاآني الفرصة، وكان دوره إقناع قادة الميليشيات أنه ليس من مصلحتهم مواصلة إطلاق الصواريخ على المنطقة الخضراء ومطار أربيل في شمال العراق، حيث تتمركز القوات الأميركية المتبقية.
فقد ظهرت التصرفات التخريبية للجماعات المسلحة بشكل واضح خلال الأشهر الستة منذ تولي جو بايدن الرئاسة الأميركية، وتحدّوا الحكومة والجيش الوطني الذي لديهما مصلحة في الحد من نشاطاتهم.
قاآني ليس حاج قاسم جديد
ورغم الموقف المتشدد الذي أبداه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي منذ توليه الحكومة قبل 18 شهراً، إلا أن الرد الحكومي على نشاطات الميليشيات لا يزال خطابياً، والتردد في المواجهة مع الميليشيات هو شهادة على القوة التي راكمتها من خلال مخازن السلاح التي لا تنضب واختراقها لمؤسسات الدولة.
ومن هنا جاءت أهمية اللقاء باعتباره يوم الحساب ولتركيعها، وقال أحد الحاضرين "كانت كل العيون مركزة عليه، وبدؤوا بالنظر بعيداً عنه عند نهاية اللقاء، فقد اكتشفوا وزنه، وهو ليس جيدا للعراق، وهو بالتأكيد ليس حاج قاسم جديد".
فمنذ مقتل سليماني قبل 18 شهراً، كان محاوروه وأعداؤه يزنون حجمه، فهل كان قرار دونالد ترامب اغتيال أقوى رجل في العراق جعل البلد مكاناً يمكن إدارته بسهولة؟
ونقلت الصحيفة عن مسؤول عراقي بارز قوله "أعتقد أن الجواب على هذا السؤال هو لا"، مشيراً إلى أن "العراق ليس آمنا، ولن يحصل الأميركيون على نتائج جيدة، لأن قدرته على تقديمها أقل، ومع سليماني كنت تعرف ماذا عندك، وكان يستطيع السيطرة على الميليشيات لو أراد ذلك".
ووفق الصحيفة، فإن مهمة قاآني كانت ضخمة، فهو مسؤول مخضرم في "فيلق القدس"، وقائد عملياته في أفغانستان لمدة 12 عاماً، ولا خبرة لديه في كل من العراق أو سوريا، كما لا يتحدث العربية، وأكثر من هذا، وبحسب مصادر عدة ممن قابلوا القائد الجديد وهم مطلعون على موقعه في إيران، فلا علاقة مودة له مع المرشد الأعلى للجمهورية، آية الله علي خامنئي، أو مكتبه، فدوره على الورق هو مزيج من عمليات القوات الخاصة ومسؤول للعمليات الاستخباراتية وكمبعوث رئاسي، لكن من قابلوه وتعاملوا معه يرون أنه يفتقد للعنصر الأخير، والمهم في الدور الثلاثي.
وأضاف المصدر العراقي "عندما جلست مع الحاج قاسم كنت أتحدث مع التاريخ، وكان عند كلمته، فعندما يقول لك شيئاً فهو ينفذه، والرجل الجديد ليس مثله، ولا أعتقد أنه سيكون مثله"، فيما قال مصدر آخر "قابلته وهو لا يصل إلى مرتبة ظل سليماني، وهو مخلص لكنه يتعلم في الوظيفة".
دبلوماسية الكلاشينكوف
وقال البرفسور في مدرسة لندن للاقتصاد، توبي دودج، إنه "لدينا أمران منفصلان ولكنهما متداخلان، الأول، تعمل الميليشيات بانسجام مع إيران، لمساعدتها في الضغط على الولايات المتحدة والحصول على صفقة نووية أفضل.
الثاني، وهو مهم لمستقبل العراق، وهو أن الميليشيات مندمجة بشكل عميق في الدولة وتنتفع منها بشكل كبير، والمعركة مع الكاظمي وحملة العنف ضد الناشطين الديمقراطيين هي من أجل الدفاع عن وتوسيع دورها في مركز النظام، ويأملون بتأمين موقعهم من خلال زيادة أعدادهم في البرلمان بعد الانتخابات المقبلة، وهي دبلوماسية الكلاشينكوف وصندوق الاقتراع للسيطرة على الدولة والمجتمع في العراق".
وفي وقت يحاول فيه إسماعيل قاآني تأكيد سلطته في العراق، برز شخص له علاقات طويلة مع إيران من الظل، وهو محمد الهاشمي، المعروف باسم أبو جهاد، وهو شخص يعتقد المسؤولون العراقيون وفي المنطقة أنه قادر على تسيير الأمور، وشغل في السابق منصب مساعد لرئيس الوزراء العراقي السابق، عادل عبد المهدي، ويحتفظ بعلاقات قوية مع الجماعات المدعومة من إيران والمعارضة السابقة لصدام حسين، ولعب دوراً مهماً في التفاوض مع الميليشيات للتهدئة في حزيران الماضي.
كما أدى بروزه لاعتقاد بعض المراقبين العراقيين بأنه يتقدم على سليماني أو أي مسؤول إيراني يصدر الأوامر، ومع ذلك ظل تفكيك التأثير الإيراني أو أية قوة أجنبية تلعب دوراً في مرجل السياسة العراقية أمراً بعيد المنال، وأدى لنتائج عكسية في بعض الأحيان.
الامتحان في محاكمة قاتل الهاشمي
ويقول مسؤول أميركي مقرّب من إدارة بايدن "الحقيقة إن إيران لديها حضور قوي في الشأن العراقي، ولو ظللنا نتجنب الموضوع فلن نتقدم للأمام وسيتفكك العراق، وحان الوقت للتعايش، وحان الوقت للبحث عن الرجل المناسب كي يساعدنا، ويجب عدم السماح للميليشيات بإدارة الأمور.
وكان رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، والذي قد لا يرشح نفسه مرة ثانية في انتخابات تشرين الأول المقبل، أعلن عن اعتقال عنصر بارز في مليشيا "كتائب حزب الله" الأسبوع الماضي، وهو تحرك نادر يعد به منذ عدة أشهر.
ويُتهم العنصر، واسمه أحمد الكناني، بقتل الباحث العراقي هشام الهاشمي في تموز من العام 2020، وجاء الاعتقال بعد التحقيق في عملية القتل التي صدمت المجتمع العراقي، وبعد أشهر من تحديد هوية القاتل.
ويرى المحللون أن الامتحان الحقيقي هو في تقديمه للمحاكمة وإدانته، مما قد يحرف ميزان القوة لصالح الحكومة.
وختمت الصحيفة تقريرها بشهادة لأحد المقيمين في شرقي بغداد قال فيها "لو حدثت محاكمة الكناني، فسنتحرك للأمام، في الوقت الحالي صور سليماني وأبو مهدي المهندس في كل المنطقة الخضراء وتم إطلاق اسميهما على شارع المطار، وتم وضع السيارة التي كانت تقلهما كنصب يرحب بالزوار حالة وصولهم إلى المطار، فمن هو القوي؟ وكل هذه الأمور تعطيك الجواب".