كانت هنالك إشارات خطر منذ البداية صارت ريما تفكر بها اليوم، فقد كانت ريما (وطبعاً هذا ليس اسمها الحقيقي) فتاة في الثامنة عشرة من عمرها تدرس في جامعة دمشق عندما قرر أهلها تزويجها لرجل يكبرها بسنوات عديدة.
وعن تلك التجربة تقول ريما: "منذ أن تزوجنا صار يتحكم بي، على الرغم من أني في الحقيقة وافقت على الزواج منه لأني كنت أريد أن أهرب من العنف الذي يمارسه أبي علي، وقد قال لي أخي بعد ذلك: لقد هربتِ من عنف أبيك لعنف أسوأ بكثير، ولو كنت أكثر نضجاً لتريثت قليلاً قبل أن أقدم على الزواج، ولكني كنت في الثامنة عشرة من عمري". هذا ما قالته ريما بعدما جلست وتربعت على أرضية بيت بارد وهي تحتضن طفليها الصغيرين، وحديثها يمتزج بالضحك والبكاء.
تحكم وعنف
لم تمض فترة طويلة على الزواج عندما اندلعت الحرب في سوريا، ولهذا فرت ريما وأهلها كما فعل الآلاف غيرها إلى لبنان، وبعد وصولهم بفترة قصيرة، اشتدت الخلافات بينها وبين زوجها وامتدت لسنوات، إلى أن وصلت ذروتها خلال العام الفائت، وذلك عندما شارف زوج ريما على قتلها بعدما تهجم عليها بصورة وحشية أمام أولادهما، وعن ذلك تقول: "تهجم علي وحاول خنقي، فلم أعد أرى سوى السواد، إذ كان يضربني على ظهري وعلى كتفي، ثم خنقني لدرجة سال معها الدم على رقبتي وشعرت بأني أموت بحق".
ريما تحمل تقريراً لطبيب فحصها عقب تهجم زوجها عليها
كان سبب هذا الهجوم هو تهديد ريما برفع شكوى ضد زوجها أمام مسؤولي الأمم المتحدة حول قيامه بالاحتفاظ ببطاقات الدعم المالي المخصصة لعدد من الأسر اللاجئة التي تعتمد على المساعدات الغذائية الأساسية، إلى جانب مطالبته لابنه بتسليم كامل دخله له.
كما أن زوجها توقف عن البحث عن عمل حسبما ذكرت، حيث تعلل بالأزمة الاقتصادية التي عصفت بلبنان في عام 2019، وأدت إلى خلق شرخ واسع ما بين تكاليف معيشة الناس ومداخيلهم. ولذلك صار يعتمد على الأموال التي يجنيها ابنه وزوجته على الرغم من أنه بقي يصب جام غضبه عليهما، حتى بعدما بدأت ريما تعمل هي أيضاً، وعن ذلك تقول: "لم يكن يعمل، إذ كان يقول لي: مهما فعلت فلن يكفينا المال".
بعد ذلك صار يفقد أعصابه حسبما ذكرت ريما، وهكذا وقع الهجوم على مرآى من جميع أولادهما، حتى الصغير بينهم، الذي لم يتجاوز عمره ثلاثة أعوام. ولو لم يقم ابنها الكبير لنجدتها وطلب المساعدة من الجيران، لكانت ريما قد توفيت بلا شك. وعلى الرغم من شدة الهجوم، خافت ريما من فكرة تبليغ الشرطة، إذ تقول: "لأني لاجئة سورية لم أكن أدري ما الذي سيحدث، فقد كنت أعيش في عالمي الخاص".
بعد ذلك الهجوم، بقي زوجها حاقداً عليها، وعنه تقول: "اتصل بإحدى جاراتي اللواتي أقمت عندهن وقال لها: أخبري ريما أن تعود وإن لم تعد هي والأولاد فسأقتلها، أجل سآتي إلى بيتكم وأقتلها".
وعندما أدرك بأن علاقته بها انقطعت، عاد إلى سوريا، بعد أن أخذ من بيتهما كل ما يريده.
واقع مأساوي ممزوج بالخوف
تعيش ريما اليوم في شقة تفتقر إلى التدفئة الجيدة تقع على أطراف إحدى البلدات اللبنانية الصغيرة، وبما أنها تعيش برفقة أولادها لذا فإن القلق يأكلها عليهم، وعلى فرصهم في الحياة بسبب ما خلفه عنف أبيهم من آثار عليهم، ولهذا تقول: "أشعر بأني أتيت بهم إلى هذه الحياة حتى يعيشوا في معاناة وحسب".
ريما تعيش في خوف دائم من عودة زوجها
ما تزال ريما تعيش في خوف، لأن زوجها ترك البلد بعد مدة قصيرة من الاعتداء عليها، فلم تتمكن من أن تطلب الطلاق منه، كما أنه أخبر الجيران بأنها لن تحصل على طلاقها، حيث قال: "سأتركها لا معلقة ولا مطلقة ولن أعطيها حريتها".
تحلم ريما باليوم الذي يمكنها فيه مغادرة لبنان والسفر إلى الخارج لتبني حياة لها ولأولادها بعيداً عن كل ما عاشوه، إلا أن ذلك الاحتمال يبدو بعيداً، ولذلك ما تزال ريما تعيش حياتها في خوف من أن يأتي ذلك اليوم الذي سيعود فيه زوجها ليقتلها أو ليأخذ منها أولادها، أو ليقوم بالأمرين معاً، وعن ذلك تقول: "أخاف أن أسمع طرقة على الباب وعندما أفتحه يظهر لي زوجي أمامي".
المصدر: The Guardian