سيطرةُ ميليشيات النظام والميليشيات "الرديفة" على الأحياء التي عاد إليها بعض الأهالي جنوبي دمشق، إلى جانب انعدام مقومات الحياة من كهرباء ومواصلات تجعل من حياة الأهالي أشبه بالحياة في غابة، إن نجوت بما تملكه من قوت يومك قد لا تنجو من هجمات المفترسات!.
عودة الأهالي إلى جنوبي دمشق اختيار أم خيار إجباري؟
تشمل المناطق التي تسمى شعبيا "المحررة" في جنوب دمشق: مخيم اليرموك، شارع دعبول، التضامن، شارع فلسطين، شارع 30، القدم، وبعض الأحياء المجاورة لهذه المناطق.
يطلق الأهالي عليها "المناطق المحررة" كذلك يسميها عناصر ميليشيات النظام المنتشرون على حواجز رئيسية في هذه المناطق وعند مداخلها، وهو اسم للتفريق بينها وبين المناطق التي لم تستطع فصائل المعارضة السيطرة عليها؛ فالمناطق "المحررة" هي المناطق التي كانت تحت سيطرة الفصائل المسلحة ودُمِّرت بالكامل أو بصورة شبه كاملة خلال سنوات الحرب.
(حميدة.ع) ـ"طلبت عدم ذكر اسمها كاملا"ـ من سكان التضامن في إحدى الحارات القريبة من فرن "أبو ترابي"، تقول لموقع تلفزيون سوريا إنها كانت تستأجر سابقاً في منطقة الزاهرة الجديدة قبل أن يرتفع الإيجار من 300 ألف ليرة سورية إلى 800 ألف ليرة خلال 4 شهور فقط! وقد عادت إلى بيتها المدمر بصورة جزئية بعد أصبحت غير قادرة على دفع الإيجار، تقول "فكرنا أنا وزوجي في ترميم البيت وبناء الجزء المدمر من السطح بدلاً من الاستمرار في دفع الإيجار الذي يزداد إلى الضعف أحياناً بين شهر وآخر، لدينا مصروف أطفال ومرتّباتنا من الوظيفة غير كافية".
أما عن وضع البيوت في هذه المناطق، فهي تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
- أبنية مدمرة بشكل كامل، لا سبيل للعودة إليها.
- أبنية مدمرة بصورة جزئية قابلة للترميم لكن كلفة ترميمها ليست في استطاعة معظم الأهالي.
- أبنية تعرضت للضرر من ناحية البنية ومن ناحية الإكساء؛ فإن سلمت من الدمار الكامل لم تسلم عصابات "التعفيش" التي لم توفّر البورسلان والبلاط والزجاج والحديد وعصابات "التنحيس" التي سرقت أكبال وتمديدات الكهرباء النحاسية.
تتابع خولة "كلّفتنا العودة إلى المنزل وترميمه ما يقارب الـ 8 ملايين ليرة سورية، وهو مبلغ ساعدنا فيه أخي المسافر في ألمانيا".
ولا تبدو عودة الأهالي إلى بيوتهم نصراً أو أمراً يفرحون به؛ نظراً لكون جميع البنى التحتية مدمّرة والشوارع تمتلئ بالركام والقمامة، فضلاً عن أنها ما تزال "مهجورة" وهو ما ينعكس سلباً على أمان الأهالي وصحتهم النفسية، لذا فهو خيار أجبروا عليه لغلاء الإيجارات.
انعدام مقومات الحياة الأساسية واستخدام البدائل القديمة
وعلى عكس "التضامن المحرر" الذي توفرت الكهرباء في معظم أحيائه وشوارعه، فإن مخيم اليرموك لم تصل إليه التمديدات الكهربائية حتى الآن، بل يعتمد الأهالي الذين عادوا إلى بيوتهم على الطاقة الشمسية أو على الحطب.
ونظراً لكون منظومات الطاقة الشمسية باهظة الثمن؛ يحاول بعض الأهالي تركيب منظومة مكونة من لوح واحد فقط أو لوحين على الأكثر، وبذلك يكون خيارهم العودة إلى منازلهم وتحمل كلفة الترميم وكلفة منظومة الطاقة بدلاً من الاستمرار في التنقل من بيت إلى آخر ودفع غلاء الإيجارات الفاحش.
وفي لقاء لموقع تلفزيون سوريا مع الشاب (أحمد.ب) وهو من سكان مخيم اليرموك، أخبرنا أنّ قرار عائلته بالعودة كان بعد حسابات أجراها والده واضطر بها إلى استدانة مبلغ 20 مليوناً من زوج ابنته إلى جانب 12 مليوناً كان يدخرها، يقول "استطعنا تركيب منظومة لشحن الموبايلات واللابتوبات وتشغيل البراد والمروحة فقط، أما الغسالة فتحتاج إلى منظومة أكبر من التي ساعدتنا إمكانياتنا المادية في تركيبها، أما بخصوص الاستحمام فنستخدم الحطب لتسخين المياه".
ويتابع "علماً أننا استطعنا تقصّي الأمر، ومعرفة أنّ تمديدات الكهرباء وصلت فقط إلى بعض أحياء التضامن المحرر، وشارع فلسطين، وما يزال المخيم خارج خدمة الكهرباء".
إزالة الركام وعودة المواصلات جنوبي دمشق
بدأت عمليات إزالة الركام التي تقوم بها "محافظة دمشق" منذ العام الماضي في المناطق الجنوبية وذكر مصدر خاص في محافظة دمشق لموقع تلفزيون سوريا أن العمل كان قائماً على إزالة الركام وتم تنفيذ 75 في المئة منه في العام الماضي في مناطق: سوق الثلاثاء، الجادة 13-14-15-16، إلى جانب العمل على تنظيف وترميم شبكات الصرف الصحي، أما في العام الحالي لم ينفذ أي عمل مع العلم أنّ عدّة طلبات توجهت للمحافظة دون رد، وكانت الحجج دائماً تتعلق بعدم وجود جرارات وكسارات وآليات عمل، وعدم توفر المازوت لها.
كما ذكر لنا المصدر (الذي فضل عدم ذكر اسمه) أن المشكلات في محافظة دمشق تتعلق بالمناقصات من جهة، وبإهمال المحافظ الجديد لدمشق (محمد طارق كريشاتي) للمنطقة الجنوبية بأكملها، فقد تمّ الطلب من المحافظة إزالة الساتر الترابي بين مخيم اليرموك والتضامن منذ قرابة 7 أشهر ولا استجابة حتى الآن.
الجدير بالذكر، أن الأهالي الذين عادوا إلى بيوتهم اقتنعوا -بعد يأسهم- بفكرة "الاعتماد الذاتي"، فكل صاحب بيت يحضر سيارة وبعض العمال لإزالة الركام حول بيته وفي شارعه وإزالة القمامة؛ وهذه كلفة إضافية إلى تكاليف "العودة" على حساب الأهالي.
أما عن وسائل المواصلات، فقد أصدرت محافظة دمشق منذ أسبوع، قراراً نشرته على صفحتها الرسمية على فيس بوك، بعودة تفعيل خطوط النقل (بداية الخط ونهايته) التي شملت مناطق: مخيم اليرموك، التضامن "المحرر"، شارع فلسطين, مع أن الأهالي كانوا قبل هذا القرار يضطرون إلى المشي من بيوتهم حتى أقرب منطقة تصل إليها الحافلة خارج مناطقهم المحررة، وهنا نتحدث عن مشي لمسافة قد تستغرق 5 – 8 دقائق مشياً على الأقدام. ويشتكي الأهالي من قلة مرور المواصلات وتأخرها، فقد ينتظرون ما يقارب الربع ساعة إلى نصف ساعة قبل أن تمرّ حافلة واحدة.
انتشار الكلاب في المنطقة وتراكم للقمامة والنفايات
تحولت المناطق "المحررة" ولا سيما في المناطق التي يتراكم فيها الرّدم على هيئة تلال، إلى حاضنة مناسبة للكلاب والجرذان، ولا سيما بعد انتشار "مدافن عشوائية" داخل هذه المناطق، فالقتلى الذين تخلصت منهم ميليشيات النظام دُفنوا في الحدائق وفي حُفر كبيرة رُدمَت لاحقاً بركام الأبنية والنفايات.
اقرأ أيضا: سكان مخيم اليرموك بدمشق يبيعون عقاراتهم بأسعار "بخسة" وناشطون يحذرون
يشتكي المواطنون في هذه المناطق من الروائح، ولا سيّما روائح الجثث "التي لا تخبئ نفسها" بحسب وصفهم بمجرد دخولك إليها، إلى جانب روائح الصرف الصحي المتعطّل وروائح النفايات المتجمعة على هيئة تلال، وهو ما يتيح انتشار الأمراض والأوبئة ولا سيما بين الأطفال الذين يلعبون في الشارع خلال النهار. أما الكلاب والجرذان فقد صنعت "رعباً" حقيقياً لهم ولا سيّما للذين لديهم أطفال، يخبرنا (سليم.ع) بأنّه يضطر إلى النزول مع أبنائه صباحاً لتوصيلهم إلى المدرسة خوفاً من الكلاب التي تبدأ جولاتها بحثاً عن الطعام بدءاً من ساعات المساء وحتى ساعات الصباح الباكر وعادةً ما تتجمع بالعشرات عند مكبّات النفايات في المناطق المذكورة، إلى جانب أن العشرات منها تنبح دُفعة واحدة خلال ساعات الليل لتخلق حالة من الرعب لدى الأهالي الذين يمتنعون عن الخروج ليلاً إلا لحالة طارئة أو بوجود سيارة تُقلّهم.
حواجز لميليشيات النظام في مدخل كل منطقة
تنتشر حواجز لفرع المنطقة، في الأحياء الجنوبية، كما تشهد المناطق هذه انتشار عناصر ميليشيا "الدفاع الوطني" سابقاً وغيرها من الميليشيات وقال الأهالي لموقع تلفزيون سوريا، إنّهم لا يتعرضون عادةً للسكان هناك لكنّهم يستجوبون الوجوه "غير المألوفة" ويفرضون "موافقات أمنية" في حالة عودة أحدهم إلى بيته أو شرائه أو استئجاره، ويمنعون التصوير داخل هذه المناطق خوفاً من "الإعلام المُغرِض".
يعاني الأهالي من تدني نوعية الحياة على المستوى الصحي والنفسي في المناطق آنفة الذكر، لكن وبحسب تعبير (جميلة.ي) وهي طالبة في كلية الهندسة المعلوماتية: "شو جابرك على المرّ غير الأكثر مرارة؟ ارتحنا من الإيجار الغالي بس تدّمرت نفسيتنا من مشاهد الدمار والزبالة".