دعا مجلس الأمن الدولي لتمديد الهدنات الإنسانية في غزة بشكل فوري وذلك لتمرير مزيد من المساعدات إلى القطاع، في حين أعلنت الولايات المتحدة التي تعتبر خيرة أصدقاء إسرائيل، عن رغبتها في انتقال حليفتها من مرحلة الغارات الجوية التي تسوي الأبنية بالأرض إلى مرحلة العمليات التي تستهدف قادة حماس بشكل أدق.
ولكن خلال الأيام القليلة الماضية، ارتأى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو برفقة لفيف من القادة العسكريين الإسرائيليين بأنهم سيواصلون أو سيكثفون مستوى العنف الذي يخوضون به الحرب، والذي بلغ أشد مراحل التدمير خلال هذا القرن، وأصبح مصدراً لزعزعة الاستقرار في المنطقة.
المعركة ما تزال طويلة
منذ عشية عيد الميلاد، أصابت الغارات الإسرائيلية المئات من الفلسطينيين بين قتيل وجريح، معظمهم كانوا في مخيمات للاجئين وذلك بحسب ما أورده مسؤولون فلسطينيون وأجانب يعملون في قطاع الصحة. في حين قتل تسعة عشر جندياً إسرائيلياً باشتباك مع مقاتلي حماس خلال الأيام الأربعة الماضية، ويعد هذا الاشتباك من أشد العمليات القتالية دموية منذ أن بدأت إسرائيل حربها في 7 تشرين الأول والتي سعت من خلالها للقضاء على حماس.
ومن جانبهم، أعلن المسؤولون عن قطاع المساعدات بأن المشافي القليلة التي واصلت العمل في غزة أصبحت تعج بمصابين فاق عددهم قدرتها على الاستيعاب.
بيد أن الحرب لم تشارف على نهايتها بحسب ما ذكره نتنياهو خلال زيارة لغزة قام بها يوم الإثنين الماضي، وأضاف في تصريح نشره حزب الليكود الذي يتبع له: "سنوسع القتال في الأيام المقبلة، أي أن المعركة ستكون طويلة".
الجبهات السبع
في حين ذكر وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، يوم الثلاثاء الماضي، بأن إسرائيل تتعرض لهجوم على سبع جبهات مختلفة، ويقصد بذلك غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا والعراق واليمن وإيران، ومنذ بدء الحرب ردت إسرائيل على ست جبهات فاعلة منها.
وأضاف غالانت أمام لجنة الكنيست المعنية بالشؤون الخارجية والأمن: "كل من يستهدفنا يصبح هدفاً لنا، فلا أحد محصن من ذلك".
يذكر أن مجلس الأمن مرر قراراً يدعو لهدنة إنسانية ثانية بهدف إغاثة المدنيين في غزة، إذ قتل نحو 21 ألف إنسان في القطاع منذ السابع من تشرين الأول الماضي، كما أصبحت خدمات الماء والغذاء والمأوى والرعاية الصحية محدودة جداً.
ولتجنب الفيتو الأميركي، لم يعد أعضاء المجلس يطالبون بوقف إطلاق النار، إذ خلال الأيام التي تلت ذلك، ألمحت إسرائيل إلى تصعيد هجومها، حيث قصفت وسط غزة بغارات جوية وطالبت الأهالي بإخلاء المكان والتوجه إلى مناطق أخرى ضمن القطاع.
تناقض أميركي
غير أن العنف الذي لم يعرف أي هوادة عرّى حالة التناقض بين ما التزمت به إدارة بايدن بشكل صريح، أي وقف معاناة المدنيين، وبين دعمها الراسخ لإسرائيل في حملتها ضد حماس، بما أن الأخيرة تعتبر عدواً مشتركاً للطرفين. وذلك لأن واشنطن تمد إسرائيل بالسلاح في ساحة المعركة كما تمدها بغطاء سياسي أمام الأمم المتحدة، وهذا ما أتاح للحملة العسكرية الإسرائيلية فرصة الاستمرارية.
تعنت إسرائيلي
ولكن في كل يوم تمد فيه واشنطن إسرائيل بالسلاح، يقتل المئات من الفلسطينيين، بحسب ما أوردته السلطات في غزة.
في مقالة نشرتها صحيفة وول ستريت جورنال يوم الإثنين الماضي، ذكر نتنياهو بأن الحرب على غزة لن تنتهي قبل أن تنتصر إسرائيل، وأضاف في تلك الافتتاحية: "لا مفر من تدمير حماس، كما يجب نزع السلاح من غزة، والقضاء على التطرف في المجتمع الفلسطيني".
من جانبها، ضغطت إدارة بايدن على السلطة الفلسطينية التي تسيطر على الضفة الغربية المحتلة، وذلك لتلعب دوراً محورياً في غزة عقب الحرب، بيد أن نتنياهو رفض تلك الفكرة بكل فظاظة، عندما كتب ليقول: "إن التوقعات التي تعتبر أن السلطة الفلسطينية قادرة على نزع السلاح من غزة ما هي إلا محض خيال".
في حين صرح رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، اللواء هرتسي هاليفي، يوم الثلاثاء الماضي بأنه: "لا توجد حلول سحرية أو مختصرة لتفكيك أي تنظيم إرهابي بشكل كامل، سوى مواصلة القتال بحزم وتصميم، ونحن في غاية التصميم، وسنصل إلى قيادات حماس، سواء أستغرق الأمر أسابيع أم شهوراً".
مشاورات وجاهية
وسط تصاعد التوتر بين إدارة بايدن وحكومة نتنياهو، سافر أحد أرفع المسؤولين الإسرائيليين برفقة مستشار مقرب من رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى واشنطن لحضور اجتماعات عقدت يوم الثلاثاء بحضور وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان.
في حين خطط رون ديرمر، وهو وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، وسفير إسرائيل السابق إلى الولايات المتحدة، لعقد مشاورات وجاهية حول أمور عديدة تتصل بالنزاع القائم في غزة إلى جانب مناقشة مسألة استعادة الرهائن المحتجزين لدى حماس، وفي تصريح لها، أعلنت أدريان واتسون الناطقة الرسمية باسم مجلس الأمن القومي الأميركي بأن مسؤولين أميركيين ذكروا بأنهم دعوا القادة العسكريين الإسرائيليين لدخول مرحلة جديدة من الحرب يقل خلالها عدد المدنيين الذين يتعرضون للخطر.
وعشية يوم الثلاثاء، أعلن مسؤول في البيت الأبيض رفض الكشف عن هويته في أثناء مناقشته لحوارات مغلقة، بأن المسؤولين تطرقوا للحديث عن الانتقال إلى مرحلة مختلفة من الحرب، وذلك للتركيز بشكل أكبر على أهداف مهمة لدى حماس، مع اتخاذ خطوات عملية لتحسين الوضع الإنساني، وبذل جهود لإعادة من تبقى من الرهائن، إلى جانب التخطيط لما سيحدث فور انتهاء الحرب في غزة.
مجازر إسرائيلية بالجملة
أعلنت وزارة الصحة في غزة يوم الثلاثاء بأن الجيش الإسرائيلي قتل منذ السابع من تشرين الأول 20915 فلسطينياً، بينهم مئتان وأربعون قتلوا خلال الفترة الممتدة ما بين يومي الإثنين والثلاثاء من هذا الأسبوع، وذلك لأن الجيش الإسرائيلي قصف يومي السبت والأحد ما لا يقل عن ثلاث مناطق وسط غزة، كان من بينها مخيما البريج والمغازي للاجئين إلى جانب قصفه لمدينة دير البلح بعدما طلبت إسرائيل من أهالي غزة اللجوء إليها يوم الجمعة الماضي. وهكذا قتل القصف الإسرائيلي ما لا يقل عن ثمانين شخصاً تجمعوا في مبنى سكني بمخيم المغازي في ساعة متأخرة من ليل يوم الأحد، وذلك بحسب ما ذكره إياد أبو زاهر، مدير مشفى شهداء الأقصى يوم الإثنين الماضي.
تخبرنا الفلسطينية عبير دواس، 31 عاماً، بأنها كانت تعد وجبة خفيفة لأولادها في مخيم المغازي مساء يوم الأحد عندما ضربت غارات كبيرة وعنيفة عدداً من البيوت المحيطة ببيتها، وقالت: "بسبب الخوف الشديد، شعرت بدنو الأجل، فاحتضنت أولادي وهربت بهم إلى الطابق الأرضي، ومن هناك سمعنا أصوات جيراننا وهم يستغيثون ويصرخون طلباً للنجدة.. سبق أن أُخطرنا بضرورة الإخلاء، إلا أن الجيش لم يخبرنا بأن المنطقة ستتحول إلى منطقة قتالية ولهذا علينا أن نهرب منها".
أما سيف ماغانغو، وهو المتحدث باسم مكتب المفوض الأممي السامي المعني بحقوق الإنسان، فقد ذكر بأن الأمم المتحدة تعرب عن قلقها الشديد حيال استمرار قصف القوات الإسرائيلية لوسط غزة، وذلك لأن الطرق المؤدية إلى مخيمات اللاجئين في المنطقة قد دمرت بشكل يمنع وصول المساعدات الإغاثية إلى من يحتاجها. وأضاف في تصريح له بأن: "مراكز الإيواء والمشافي التي ما تزال تعمل بالحد الأدنى أضحت مزدحمة إلى أقصى الحدود فضلاً عن قلة الموارد فيها".
خلال الأيام القليلة الماضية، أعلن الجيش الإسرائيلي عن تكثيفه للعمليات القتالية البرية والقصف الجوي على غزة وقد شمل ذلك القتال على مسافة قريبة في خان يونس الواقعة جنوبي غزة وكذلك في محيط مدينة غزة من الناحية الشمالية. وفي خضم ذلك، قتل أربعة عشر جندياً إسرائيلياً في القطاع خلال عطلة نهاية الأسبوع، وتم الإعلان عن مقتل خمسة جنود آخرين يوم الإثنين والثلاثاء، ما رفع حصيلة القتلى بين صفوف الجيش الإسرائيلي إلى 161 قتيلاً.
إسرائيل تسرق الجثث والأعضاء
وأعلن مسؤولون فلسطينيون يوم الثلاثاء عن إعادة إسرائيل لثمانين جثة احتجزتها خلال الحرب وذلك عبر معبر كرم أبو سالم الحدودي، في حين ذكر المكتب الإعلامي التابع للحكومة التي تديرها حماس بأن إسرائيل لم تحدد هويات الجثث كما لم تذكر من أين أتت بها، بيد أن الجثث وصلت مشوهة بحسب ما ذكره المكتب الإعلامي التابع لحماس في بيان له، وثمة أدلة واضحة تشير إلى سرقة أعضاء من تلك الجثث.
غير أنه لم يتم التحقق من مدى صحة تلك المزاعم من قبل جهة مستقلة، في حين أحال الجيش الإسرائيلي تلك الأسئلة المتعلقة بالجثث إلى وكالة إسرائيلية معنية بالتنسيق المدني مع الجانب الفلسطيني، وهذه الوكالة لم ترد على تلك الأسئلة. وقد دفنت تلك الجثث التي وصلت ملفوفة بأكياس زرقاء، في مقبرة جماعية يوم الثلاثاء.
انقطاع متكرر للإنترنت في غزة
في سياق متصل، أعلنت شركة بالتيل التي تعد المزود الرئيسي لخدمة الاتصالات والإنترنت في فلسطين، عن حدوث انقطاع آخر في شبكة الإنترنت وشبكات الهواتف الخلوية في عموم قطاع غزة، في حين ذكر ليث دراغمة، وهو الرئيس التنفيذي لهيئة تنظيم الاتصالات في الضفة الغربية، بأن الانقطاع أتى نتيجة لنقص الوقود وتدمير البنية التحتية الأساسية في خان يونس بسبب القصف الإسرائيلي.
هذا وتتعرض غزة لانقطاع متكرر في الاتصالات، إذ في كثير من الأحيان يصعب إجراء أي مكالمة أو تنقطع في أثناء الحديث، ويعيق القصف الإسرائيلي أي جهود تسعى لإصلاح البنية التحتية المدمرة كما ذكر دراغمة، ولهذا طالب بتدخل المجتمع الدولي بشكل فوري.
المصدر: The Washington Post