كانت بداية هذا العام ساخنة جداً فبالإضافة لما يحدث في فلسطين المحتلة بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والضفة الغربية، شهد العالم سخونة متصاعدة في الكثير من البقع الجغرافية إضافة لتلك المشتعلة منذ سنوات، ويتصدر البحر الأحمر ومضيق باب المندب تلك البقع الساخنة، حيث شكلت أميركا في 18 من شهر كانون الأول الماضي تحالفاً عسكرياً لحماية السفن التجارية من أعمال القرصنة والتخريب التي تقوم بها ميليشيا الحوثي المدعومة إيرانياً، وصحيح أن بداية التحالف كانت مرتبكة وترددت بعض الدول بالانضمام إليه لكنه بات أمراً واقعاً وباشر مهماته، ولأن الوضع ازداد تعقيداً وتعطلت حركة مرور البضائع مما قد يتسبب بأزمة اقتصادية سارع الاتحاد الأوروبي بدوره إلى تشكيل قوة عسكرية خاصة به لأجل حماية القوافل التجارية، وبحسب صحيفة اللوموند التي أوردت خبر تشكيل القوة الأوروبية يوم 23/01/2024. فإن ثلاث سفن عسكرية تحمل علم الاتحاد الأوروبي ستذهب إلى البحر الأحمر لتباشر مهامها هي الأخرى.
وحدها "سوريا الأسد" صامتة ولم يصدر عنها أي تصريح رسمي ولا حتى شبه رسمي رداً على قصف محافظة إدلب بالباليستي الإيراني.
وشهدت بداية هذا العام استهداف مركز لقيادات ميليشيا الحرس الثوري الإيراني في سوريا ولأذرعها في كل من العراق وسوريا، قبل نهاية العام الماضي بخمسة أيام استفاقت إيران على نبأ مقتل قائد قواتها في دمشق رضي موسوي ثم تبعه بداية هذا العام استهداف كبير أدى لقتل مجموعة من أهم ضباط وعناصر استخبارات الحرس الثوري في قلب دمشق، بعد أن سوي المبنى الذي كانوا فيه بالأرض نتيجة غارة جوية استهدفت حي المزة. هذه الاستهدافات فتحت الكثير من الأسئلة عمن أعطى إحداثيات مواقع إقامة هؤلاء، هل الروس أم نظام الأسد، وبغض النظر عن الفاعل لكنها ضربات أوجعت إيران كثيراً وأربكتها إرباكاً كان واضحاً من خلال ردة الفعل التي قام بها الحرس الثوري بعد الانفجارين قرب قبر قاسم سليماني وأودى بحياة عشرات الإيرانيين، حيث قصف الحرس الثوري العراق وسوريا بالصواريخ الباليستية وأيضاً نفذ هجوماً داخل الأراضي الباكستانية؛ هذا الهجوم استدعى رداً عنيفاً من قبل الجيش الباكستاني ورداً سياسياً من قبل الخارجية الباكستانية التي سحبت سفيرها من طهران وأبلغت السفير الإيراني أنه غير مرحب بعودته لباكستان، سارعت الخارجية الإيرانية لتدارك الأمر ومنعاً لأي تصعيد ميداني مع الجارة النووية وتنصلت من الهجوم وقالت إنها لا علم لها به وسيجري وزير الخارجية الإيراني زيارة لباكستان في الأيام المقبلة لاحتواء الأزمة. عراقياً كان الرد سريعاً وحاسماً من قبل حكومة بغداد التي دانت العدوان الإيراني على إقليم كردستان وتقدمت بشكوى رسمية لمجلس الأمن والأمم المتحدة، وحدها "سوريا الأسد" صامتة ولم يصدر عنها أي تصريح رسمي ولا حتى شبه رسمي رداً على قصف محافظة إدلب بالباليستي الإيراني.
وليس بعيداً عن باكستان هناك تايوان البقعة الساخنة منذ سنوات والتي تتحين الصين الفرصة المناسبة لأجل إعادة ضمها لها بشكل رسمي، وإذا ابتعدنا قليلاً سنجد أن كوريا الشمالية تعد العدة لعمل شيء ما، كيم جونغ أون سيستقبل بوتين قريباً في زيارة غير مسبوقة منذ سنوات، ولهذه الزيارة وتوقيتها دلالات كثيرة ويريد كل من بوتين وكيم جونغ تحقيق مكاسب من خلالها، بوتين الذي تقول تقارير غربية إنه حصل على أسلحة وذخائر لاستخدامها في الحرب على أوكرانيا يريد المزيد من التعاون مع كوريا لأجل تعزيز نفوذه في المنطقة الساخنة ولأجل ضمان تدفق الأسلحة من كوريا لجبهات أوكرانيا. في المقابل يريد كيم جونغ الاستفادة من تكنولوجيا الفضاء الروسية لتعزيز طموحاته الفضائية. مؤخراً زادت استعراضات الرئيس الكوري الشمالي العسكرية وقصف جيشه بداية هذا العام محيط جزيرة يونبيونج في تحد صارخ للغرب الذي يقف بصف كوريا الجنوبية، وفي تطور لافت بمسار الصراع بين الكوريتين عدل دستور كوريا الشمالية لينص التعديل الجديد على أن كوريا الجنوبية الدولة المعادية رقم واحد.
في القارة الإفريقية أيضاً هناك بقع ساخنة كثيرة وحروب وصراعات وآخر فصول هذا الصراعات جاء بعد أن وقعت إثيوبيا بداية هذا العام مذكرة تفاهم مع إقليم أرض الصومال غير المعترف به، ينص الاتفاق على بناء قاعدة عسكرية إثيوبية ومنح ميناء لها على البحر الأحمر، إثيوبيا أيضاً تريد التمدد خارج حدودها بعد أن كان الرد المصري - السوداني على سرقتها لمياه النيل غير كاف لردعها.
هذا العالم الحالي يعاني من خلل في موازين القوى وأي تغيير في خرائط رسمت بعد حروب كبرى لا يمكن أن يحدث إلا بحروب كبرى جديدة
وإذا عدنا لما يجري في فلسطين بعد العدوان الهمجي على الأراضي المحتلة نجد أن كل محاولات إبقاء الصراع داخل فلسطين باءت بالفشل مهما حاول الجميع إنكار ذلك، كل ما يجري الآن في المنطقة يؤكد أن تبعات العدوان على غزة خرجت عن السيطرة وإن بخطى متثاقلة وأن البقع الساخنة في العالم صارت أكبر من أن يحملها أي تفاهم أو محاولة احتواء. وإن دققنا أكثر في خريطة العالم فسنجد أن الصواريخ متأهبة من شبه الجزيرة الكورية وصولاً إلى إفريقيا مروراً بالصين وتايوان-الهند وباكستان -إيران وأذربيجان- روسيا وأوكرانيا، ونضيف إليها صراعاً محتدماً في البحر الأحمر وسوريا التي باتت ممزقة وفيها جيوش لدول عدة وسماؤها مستباحة أمام الجميع، ونضيف صراعاً آخر في ليبيا ومثله في العراق الجريح سنجد أن عشرات الدول ضاقت بها خرائطها التي رسمها المنتصرون في الحرب العالمية الثانية، والتي تعتبرها كثير من الدول حدوداً ظالمة مثل تركيا المتأهبة هي الأخرى لجولة تمدد قريبة مع اقتراب الصيف الساخن.
هذا العالم الحالي يعاني من خلل في موازين القوى وأي تغيير في خرائط رسمت بعد حروب كبرى لا يمكن أن يحدث إلا بحروب كبرى جديدة ينتج عنها تغيير في موازين القوى المختلة حالياً.. ومن السخريات أن يصبح أمر حدوث حرب عالمية جديدة مطلباً أساسياً ليكون العالم أكثر عدلاً.