icon
التغطية الحية

الطيران السوري تحت هيمنة الأسد: المستثمر واجهة القصر والطائرات من روسيا

2024.08.13 | 03:59 دمشق

34
الشركات التي تتولى استثمارات في قطاع الطيران، مثل شركة "إيلوما"، يشتبه بأنها واجهة للقصر الجمهوري، وتخدم مصالح الأسد
إسطنبول - خاص
+A
حجم الخط
-A

ملخص:

  • نظام الأسد يتجه نحو خصخصة قطاع الطيران تحت مسمى "التشاركية"، لكن الشركات المستثمرة مرتبطة بشخصيات مقربة من القصر الجمهوري.

  • الشركات التي تتولى استثمارات في قطاع الطيران، مثل شركة "إيلوما"، يشتبه بأنها واجهة للقصر الجمهوري، وتخدم مصالح الأسد عبر التحايل على العقوبات الاقتصادية وغسيل الأموال.


تحت مسمى "التشاركية" وفي خطوة توحي بانفتاح اقتصادي، تتجه حكومة الأسد نحو خصخصة بعض القطاعات العامة، لاسيما قطاع الطيران، ورغم أن هذه الخطوة قد تبدو إيجابية من منظور اقتصادي، فإن الشركات التي تتولى هذه الاستثمارات مرتبطة بشكل وثيق بأفراد محسوبين على القصر الجمهوري، مما يثير تساؤلات حول الفوائد الحقيقية لهذه التحركات وأهدافها الفعلية.

جاء التوجه نحو الخصخصة بعد إصدار مجموعة من القوانين خلال العامين الماضيين، بجانب سلسلة من التصريحات التمهيدية من قبل نظام الأسد. وبدلاً من جذب مستثمرين من الخارج، تصب جميع عقود الاستثمار في جيوب المتنفذين وتجار الحرب الذين يعملون لصالح العائلة الحاكمة.

 وبعد توقيع عقود بين إحدى هذه الشركات وحكومة الأسد للاستثمار في قطاع الكهرباء، حان الدور الآن على المؤسسة العامة للطيران، حيث أُعلن عن استثمارها من قبل شركة خاصة، فمن هي هذه الشركة؟ وما علاقتها بالأسد؟ 

استثمار لعشرين عاما

في 24 من تموز الماضي صرح المدير العام للخطوط الجوية السورية حاتم كباس أن "الشركة الخاصة التي تم توقيع العقد معها لإدارة تطوير واستثمار الخطوط الجوية السورية ستبدأ عملها خلال شهر".

 وأضاف كباس لصحيفة "الوطن" المقربة من النظام أن الشركة الخاصة "ستدير التخطيط والتنظيم فيما يتعلق بالطيران، من خلال العمل على زيادة عدد أسطول الطائرات وتحسين الراتب للموظفين وبناء هنكارات ومعدات أرضية جديدة، إضافة إلى تطوير الخدمات التي تقدم داخل الطائرة وغيرها من البنود".

 وفي تصريح لوكالة "سبوتنيك" الروسية في 6 من الشهر الحالي، أوضح كباس تفاصيل العقد، وأكد أن مدة الاستثمار 20 عاماً، ويتضمن "زيادة عدد طائرات الأسطول الجوي السوري إلى 20 طائرة بنهاية مدة الاستثمار إضافةً لإنشاء مطبخ جديد بطاقة إنتاجية تصل إلى 10 آلاف وجبة يومياً، وتجهيز مركز تدريب وفق المعايير الدولية".

 كما "سيتم إنشاء مركز صيانة طائرات وفق المعايير الدولية، وتحديث المعدات الأرضية بكلفة تقديرية تصل إلى 10 مليون دولار"، مؤكداً أن حصة حكومة الأسد من العقد المبرم 25% من الإيرادات الكلية وليس الأرباح، على أن تزيد في النصف الثاني من فترة الاستثمار إلى 37.5% من الإيرادات، بمعنى أن الحكومة ستحصل على نسبة من كل ما تكسبه الشركة من المشروع، بغض النظر عما إذا كانت الشركة تحقق أرباحًا أم لا.

 وفي تصريح آخر أكد كباس أن المؤسسة تسعى إلى اقتناء طائرات ركاب روسية حديثة من طراز "أم إس"، وفي حين تعتبر المؤسسة العامة للطيران هي المشغل الجوي الحكومي في البلاد، إلا أنها تعمل بطائرتين فقط في مطار دمشق الدولي، الأولى طائرة 340 حمولة 291 راكباً، و320 حمولة 155 راكباً.

 وعلى الرغم من عدم ذكر كباس اسم الشركة المستثمرة، إلا أن مسألة الاستثمار تعود إلى تموز العام الماضي، عندما نشرت صحيفة "البعث" التابعة للنظام تقريراً قالت فيه إن وزارة النقل في حكومة الأسد، تدرس منح إدارة وتشغيل مطار دمشق الدولي لـ"شريك خاص" لم تحدده، بنسبة 51% للمؤسسة العامة للطيران، و49% للمستثمر الشريك.

 لكن الصحيفة نشرت مقالاً آخر، بعد أيام، نفت فيه أن تكون صفقة الاستثمار خاصة بأرض المطار "لما تمثله من سيادة للدولة السورية"، وأكدت أن الصفقة خاصة بشركة الخطوط السورية.

وكشفت الصحيفة آنذاك أن الشركة المستثمرة التي يجري التفاوض معها هي "إيلوما" للاستثمار المساهمة المغفلة الخاصة التي صدّقت وزارة الداخلية وحماية المستهلك في حكومة النظام على تأسيسها في 24 نوفمبر 2022.

 وبعد أقل من شهر من تأسيسها وجهت كتاباً إلى وزارة النقل في حكومة الأسد أبدت فيه رغبتها باستثمار وإدارة مؤسسة الطيران وطرحت خطتها للاستثمار وتضمنت ضخ استثمارات قدرها 300 مليون دولار خلال 20 عاماً.

ويشير الفاصل الزمني بين تاريخ تأسيس الشركة وتقديم العرض، إلى أن الشركة تم تأسيسها خصيصاً من أجل استثمار مؤسسة الطيران السورية.

وستقوم الشركة بـ "إدارة واستثمار المنشآت التي تعمل في مجال السياحة وخدمات المطارات ودخول المناقصات والمزايدات مع القطاع العام وشراء الأسهم والحصص في جميع أنواع الشركات".

إضافة إلى "شراء وصيانة الطائرات والمحركات وقطع التبديل والوصول بالأسطول إلى 20 طائرة، ورفع قدرة العمليات الأرضية لتخديم أكثر من 25000 رحلة سنوياً لكل النواقل الوطنية والأجنبية ورفع عدد الركاب إلى أكثر من 3 ملايين راكب سنوياً".

 وحسب الكتاب الذي نشرته وسائل إعلام النظام فإن الشركة ستحصل على "نسبة 20% من الإيرادات الصافية في أول 10 سنوات من الاستثمار، وسيتمّ رفعها لتصبح 25% من الإيرادات الصافية في السنوات الـ 10 التالية من الاستثمار".

وبالمقارنة بين نسبة حكومة النظام والشركة، تشير بنود العقد المبرم بين الطرفين إلى توزيع الإيرادات بشكل قد يكون متحيزًا لصالح الشركة، حيث تحصل الحكومة على نسبة ثابتة من الإيرادات الكلية، بينما تحصل الشركة على نسبة من الإيرادات الصافية بعد خصم جميع المصاريف التشغيلية.

ويُمكن للشركة التحكم في التكاليف التشغيلية، مما قد يؤثر على صافي الأرباح وبالتالي على الحصة المخصصة للحكومة. 

واجهة القصر

حسب قرار تأسيس شركة "إيلوما" المنشور في الجريدة الرسمية، فإن ملكية الشركة تعود لثلاثة أشخاص هم علي محمد ديب (34 عاماً) ورزان نزار حميره (32 عاماً) وكل منهما يملك 330 ألف سهم بنسبة 33%، أما المؤسس الثالث فهي راميا حمدان ديب (42 عاماً)، وتملك 340 ألف سهم بنسبة 34%.

وخلال بحث أجراه "تلفزيون سوريا" تبين أن الأسماء الثلاثة السابقة أسست مجموعة من الشركات مع شخصيتين أساسيتين لهما علاقة بالقصر الجمهوري وعائلة الأسد، هما علي نجيب إبراهيم وأحمد خليل خليل، اللذان يشكلان إمبراطورية شركات مختلفة الاختصاصات تتبع ليسار الإبراهيم الذي يعتبر الذراع الاقتصادية لعائلة الأسد.

وبتقصي معلومات المؤسسين الثلاثة لشركة "إيلوما"، يتبين أن علي محمد ديب هو شريك مؤسس مع أحمد خليل خليل في عدة شركات منها "مفردات" و"سامبل" ويمتلك 3 حصص في كلا الشركتين بنسبة 0.002%. بقيمة 300 ليرة سورية فقط.

أما راميا حمدان ديب فقد شاركت في تأسيس 8 شركات مختلفة الاختصاصات وهي شركة "إنفينيتي سكاي لايت" و"سول للتجارة والاستثمار" و"فيلم" و"روز ماونتن" و"لوما" و"كريستال الوطنية" و"ثلج" و"أثر".

 وأسست حمدان ديب هذه الشركات مع شريك واحد فقط وهو علي نجيب إبراهيم، وحصلت على حصة 50% من رأسمال كل شركة، باستثناء شركة "إنفينيتي سكاي لايت" التي يدخل فيها مؤسس ثالث وهو رزان حميرة.

 في حين شاركت رزان حميرة في تأسيس عدة شركات مع علي نجيب إبراهيم وريتا أحمد خليل وهي ابنة أحمد خليل خليل، والشركات هي شركة "البنان" و"فريدوم" بنسبة 0.002% بمعدل 3 حصص من الشركة فقط، إضافة إلى شركتي "ستورم لايت" بنسبة 34%، وشركة "لايف لايت" بنسبة 34%.

ما الهدف؟ 

وتثير المعطيات السابقة تساؤلات حول نيات وأهداف الشركات الجديدة التي تقف وراء الاستثمار، خاصة أن الشخصيات التي تديرها مرتبطة بالدوائر المقربة من النظام، ما يعزز الشكوك حول مصداقية هذا الاستثمار وفعاليته الحقيقية في تلبية احتياجات الشعب السوري.

 وحسب مدير البرنامج السوري في مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية كرم شعار، فإن هذه الخطوات موجهة من قبل بشار الأسد للتدخل في القطاع الاقتصادي في سوريا بشكل مباشر.

ويقول شعار لموقع "تلفزيون سوريا" إن التدخل سيكون من خلال عدة شركات تخدم عدة أدوار من ضمنها إجبار القطاع العام على التعامل مع القطاع الخاص بطريقة تنفع الأسد بشكل مباشر.

وأضاف شعار أن ما حصل في عقد الشراكة بين شركة "إيلوما" وبين المؤسسة السورية للطيران، تكرر في قطاعات أخرى، وخاصة قطاع الكهرباء، مؤكدًا أن هذه الشركات هي واجهة للقصر الجمهوري.

وكانت وزارة الكهرباء في حكومة الأسد وقعت، الشهر الماضي، عقداً مع شركة "إنفينيتي سكاي لايت" لصيانة وتأهيل المجموعتين البخاريتين الأولى والثانية في محطة توليد بانياس الحرارية، إضافة لتوقيع مذكرة تفاهم لإنشاء محطة شمسية باستطاعة 300 ميغا وات بريف دمشق.

 وتعود ملكية شركة "إنفينيتي سكاي لايت"، التي تأسست في 2021، إلى كل من رزان نزار حميرة وراميا حمدان ديب وعلي نجيب إبراهيم.

 من جانبه، أوضح المستشار والخبير الاقتصادي أسامة القاضي أن دخول شخصيات مقربة من القصر الجمهوري في استثمار مؤسسة الطيران يعود لسببين رئيسيين، الأول هو التحايل على العقوبات الاقتصادية، حيث لا تتبع ملكية هذه الشركة لحكومة النظام السوري، مما يسمح بتسيير رحلات إلى دول أخرى مثل شركة أجنحة الشام.

 أما السبب الثاني، وفقا لما ذكره القاضي لموقع "تلفزيون سوريا"، فيتعلق بـ "غسيل الأموال الداخلي"، موضحًا أن شركة خاصة حديثة العهد برأسمال ضئيل يبلغ حوالي 7 آلاف دولار فقط قد تكون دليلاً على عملية غسيل أموال.

 ويؤكد القاضي أن "هذه الواجهات الاقتصادية للقصر اعتدنا عليها في سوريا منذ عقدين من الزمن فدائما هناك شخصيات مغمورة تتصدر المشهد الاقتصادي والكل يعرف ولاءها لمن يكون".

وأشار القاضي إلى أن المؤسسة العامة للطيران كانت واحدة من أبرز أبواب الفساد في القطاع الحكومي في سوريا، حيث كانت تمثل مصدراً للارتزاق المجاني دون عمل حقيقي، فقد كان عدد العاملين في الشركة يزيد بأكثر من عشرة أضعاف عن الحاجة الفعلية، بينما لا يتجاوز عدد الطائرات المتاحة طائرتين.

 ويرى القاضي أن التخلص من المؤسسة ليس خسارة، حيث كانت تشكل غطاءً للمسؤولين لتوظيف أقاربهم وأبنائهم، بحيث يتم إدراجهم في قوائم الرواتب الشهرية من دون أن يقوموا بأي عمل. بل إن بعضهم لم يكن يعرف موقع الشركة، وكان يحصل على راتبه دون أي جهد، حسب كلامه.