الطاقة المتجددة في مناطق النفوذ في سوريا.. العوائق وفرص النجاح

2024.09.04 | 06:40 دمشق

1656565656565
+A
حجم الخط
-A

لم تكن سوريا قبل عام 2010 قادرة على الوصول إلى الاكتفاء الذاتي في إنتاج الكهرباء، ولم تستطع في ذلك الوقت تحقيق تنوع في مصادر إنتاج الكهرباء؛ إذ اقتصر اعتمادها على المحطات الحرارية والسدود المائية المبنية على نهر الفرات.

بعد عام 2012، شهدت سوريا انخفاضًا شديدًا في نسبة إنتاج الكهرباء، ودخلت البلاد في أزمة بعد تضرر الجزء الأكبر من البنية التحتية المخصصة لتوليد الكهرباء نتيجة العمليات العسكرية التي قادها النظام في غالبية الجغرافيا السورية.

دفع عدم توفر الكهرباء المواطنين والمؤسسات إلى إيجاد حلول تخفف من حدة الأزمة، فتم اللجوء إلى مصادر الطاقة المتجددة الشمسية كأحد الحلول البديلة لإنتاج الكهرباء، نظرًا لأنها الأرخص لإنتاج الطاقة، ولا تتطلب توفر تكنولوجيا متطورة لتشغيلها، بل تقتصر على تثبيت ألواح تتكون من الخلايا الكهروضوئية إلى جانب المحولات الكهربائية.

أما إنتاج الكهرباء عبر مصادر الطاقة المتجددة الأخرى، مثل طاقة الرياح، فيتطلب تمويلًا كبيرًا وتكنولوجيا متطورة، حيث تحتاج إلى عنفات ذات تكلفة مرتفعة من حيث عملية البناء والصيانة. وهذا ما يفسر انتشار مشاريع الطاقة الشمسية أكثر من مشاريع طاقة الرياح في سوريا وفي دول أخرى.

وتسعى سلطات مناطق نفوذ المعارضة في شمال سوريا، وكذلك حكومة النظام، إلى التوسع في إطلاق مشاريع الطاقة الشمسية لإنتاج الكهرباء. وانطلاقًا من ذلك، نناقش في هذه المقالة العوائق التي قد تواجه مناطق المعارضة السورية والنظام السوري في التوسع والاعتماد أكثر على الطاقة المتجددة الشمسية، وما هي فرص نجاح تلك المشاريع التي انتشرت بشكل واسع وعلى مستويات متعددة. ومن المهم التنويه إلى أنه لم يتم التطرق لمناطق سيطرة "قسد" لعدم توفر المعطيات اللازمة.

تطلب تأسيس مزارع الطاقة الشمسية ضمان عدم تعرضها لعمليات قصف تؤدي إلى الضرر بها نظرًا لحساسيتها البالغة.

عوامل نجاح إنتاج الطاقة المتجددة

أولاً: العوامل البيئية
يعد توفر الشمس لساعات وأيام طويلة خلال السنة العامل الأساسي لنجاح عملية إنتاج الكهرباء عبر الألواح الشمسية. وتصنف المناطق الجغرافية السورية بأنها مشمسة لفترات طويلة من السنة، قد تتجاوز ستة أشهر تقريبًا، ولساعات ليست بالقليلة خلال اليوم الواحد، حيث قد تصل إلى أكثر من 10 ساعات في فصل الصيف، وأقل من 8 ساعات في فصل الشتاء. نستنتج من ذلك أن هذه البيئة الجغرافية تغطي احتياجات إنتاج الطاقة الشمسية وتجعلها ذات جدوى اقتصادية.

ثانيًا: القدرة على تمويل مشاريع إنتاج الطاقة الشمسية
تجهيز وبناء مزارع الطاقة الشمسية على مستوى مشاريع كبيرة تتبناها الدولة لإنتاج الكهرباء للبلاد يحتاج إلى تمويل ليس بالقليل، لذلك لابد من توفر القدرة المالية للبدء في هذا النوع من المشاريع.

ثالثًا: توفر البيئة الأمنية الملائمة لتأسيس مشاريع الطاقة الشمسية
يعد توفر الاستقرار والبيئة الآمنة من المتطلبات الأساسية لتبني مشاريع الطاقة الشمسية، حيث يحتاج الاستثمار في هذا المجال إلى استقرار سياسي وأمني واقتصادي في البلاد يحقق للمستثمر المحلي أو الأجنبي القدرة على تحقيق المكاسب.

كما يتطلب تأسيس مزارع الطاقة الشمسية ضمان عدم تعرضها لعمليات قصف تؤدي إلى الضرر بها نظرًا لحساسيتها البالغة، إذ يمكن تدمير جزء كبير منها عبر طائرة مسيرة منخفضة التكلفة.

شهدت سوريا في عام 2023 إنتاج أول ميغاواط من الطاقة الشمسية في حمص بالمدينة الصناعية بحسياء.

عوائق وفرص نجاح النظام في إنتاج الطاقة الشمسية المتجددة
تعاني مناطق سيطرة النظام من أزمة كهرباء متفاقمة نتيجة تلف البنية التحتية، وعدم قدرة النظام على صيانة وإعادة إصلاحها بشكل كامل بسبب خضوعه لعقوبات دولية، وعدم توفر الوقود اللازم لتشغيل المحطات الحرارية، إضافة إلى عدم تمكّن الدولة من تمويل عمليات الصيانة والإصلاح. بناءً على ذلك، توجه النظام لإيجاد طرق بديلة أقل تكلفة لإنتاج الكهرباء، وطرح خطط لتبني مشاريع الطاقة الشمسية المتجددة.

أطلق النظام السوري في عام 2021 قانونًا لاستحداث صندوق لدعم إنتاج الطاقات المتجددة ورفع كفاءتها والتوسع في مشاريع الطاقة الشمسية لتوليد 2000 ميغاواط بحلول عام 2030، إلا أن هذا الرقم ما زال بعيدًا جدًا عن الواقع. فحتى كتابة هذه المادة، شهدت سوريا في عام 2023 إنتاج أول ميغاواط من الطاقة الشمسية في حمص بالمدينة الصناعية بحسياء، وهو مشروع يستهدف إنتاج 10 ميغاواط. كما كشف مدير المدينة الصناعية عن تقدّم شركات جديدة بطلب لتخصيص 130 هكتارًا لإنتاج 130 ميغاواط من الكهرباء الشمسية.

وأعلن النظام عن تنفيذ مشروع في مدينة الشيخ نجار بحلب بقدرة 45 ميغاواط بعد أن كان 30 ميغاواط، بالإضافة إلى مشروع بالمدينة الصناعية في عدرا بقدرة 100 ميغاواط يجري العمل عليه. كما وقع النظام في بداية العام الجاري 2024 اتفاقية مع شركة صينية لتنفيذ مشروع طاقة شمسية لإنتاج 36 ميغاواط من الكهرباء.

لكن بالنظر إلى عوامل نجاح إنتاج الطاقة الشمسية المستدامة التي ناقشناها، يعاني النظام من عدم القدرة على إيجاد تمويل لبناء مزارع الألواح الشمسية وربطها بالشبكة العامة التي تحتاج إلى إعادة تأهيل. إضافة إلى ذلك، فإن العقوبات الدولية المفروضة على النظام السوري تعرقل جذب الشركات العالمية للاستثمار في مناطق سيطرته. ففي عام 2021، وقعت شركة إماراتية عقدًا مع النظام لتنفيذ مشروع الطاقة الشمسية، إلا أنها انسحبت منه، وربما كان السبب وراء ذلك الخوف من التعرض لعقوبات دولية. كما أن عدم توفر البيئة الآمنة يمنع الشركات الدولية من الاستثمار في سوريا، نظرًا لأن أي استثمار يحتاج إلى استقرار سياسي واقتصادي في البلاد يضمن تحقيق المكاسب، وهو ما لا يتوفر في مناطق سيطرة النظام.

تأسيس البنية التحتية اللازمة لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية يحتاج إلى بيئة مواتية، تعتمد على القدرة على تمويل المشاريع الاستراتيجية الكبيرة

عوائق وفرص نجاح مناطق المعارضة في إنتاج الطاقة الشمسية المتجددة
تعتبر مناطق المعارضة أفضل بدرجات من ناحية توفر الكهرباء مقارنة بمناطق النظام، فقد اعتمدت مناطق شمال غربي سوريا على الطاقة الكهربائية المستوردة من تركيا، والتي تغطي أكثر من 60% من احتياجات المنطقة، بينما يُغطى القسم المتبقي من الاحتياجات عبر الطاقة الشمسية. وقد اندفع جزء كبير من السكان إلى الاعتماد عليها، والبعض عمل على بناء مزارع طاقة شمسية لغرض التجارة وبيع الكهرباء. وفي الوقت الحالي، تنتشر الألواح الشمسية بكثرة في معظم مناطق المعارضة، وتنقسم من حيث الجهة المنفذة إلى قسمين:

القسم الأول يقوم على مبادرات فردية من المواطنين، وهو الأكثر انتشارًا. فقد اتجه غالبية السكان في المخيمات والأبنية إلى تركيب الألواح الشمسية كل بحسب حاجته وقدرته المالية. وقد جهز غالبية السكان ألواحًا ثنائية وثلاثية على أسطح المباني السكنية وفوق الخيام، بما ينتج لهم طاقة كافية للإنارة وتشغيل بعض الأجهزة الكهربائية مثل الثلاجة والتلفزيون.

فيما اتجه التجار والصناعيون والمزارعون إلى بناء شبكات من الطاقة الشمسية لتغطية جزء من الحاجة الاستهلاكية. وفي الفترة الأخيرة، انتشرت تجارة بيع الكهرباء المنتجة من مزارع الألواح الشمسية بشكل واسع، حيث تغذي الشبكة العامة للكهرباء في الشمال، وتوفر العديد من فرص العمل.

القسم الثاني يتمثل في المبادرات من المنظمات والحكومة المؤقتة. بدعم من العديد من المنظمات المحلية والإقليمية والدولية، تم تأسيس قرى سكنية لإيواء اللاجئين شمال غربي سوريا، واعتمدت هذه القرى في إنتاج الكهرباء على الطاقة الشمسية.

وحدها هيئة الإغاثة الإنسانية التركية غير الحكومية "İHH" أسست قرابة 450 مشروعًا شمال غربي سوريا تعتمد معظمها على الطاقة الشمسية. كما افتتحت الحكومة المؤقتة مشروع منظومة الطاقة الشمسية لمحطات ضخ المياه في مدينة الباب بريف حلب. وبحسب الموقع الرسمي للائتلاف، قامت الحكومة بتنفيذ منظومة طاقة شمسية في مدينة رأس العين بريف الحسكة، بهدف توفير إمدادات مستدامة من المياه لسكان حيَّي القوس والنفوس في المدينة.

وبالنظر إلى عوامل نجاح مشاريع الطاقة المتجددة، فإن مناطق المعارضة غير مستقرة وقد تتعرض بين الحين والآخر لضربات وقصف صادر عن مناطق النظام أو قوات "قسد"، مما قد يعرض منشآت الطاقة الشمسية ذات العدد الكبير، التي بناها الصناعيون والمزارعون لغرض التجارة، للضرر. إلا أن المبادرات الفردية لا تمثل خطورة كبيرة لانخفاض تكلفتها وعدم تمركزها في مكان واحد.

خاتمة
نستنتج من سطور المقالة أن تأسيس البنية التحتية اللازمة لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية يحتاج إلى بيئة مواتية، تعتمد على القدرة على تمويل المشاريع الاستراتيجية الكبيرة، مع توفر الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني كشروط أساسية لنجاح المشاريع التي يتم طرحها في البلاد.

وبالنظر إلى المعطيات التي تم عرضها في المقالة، لا تتوفر لدى مناطق النظام السوري عوامل نجاح كافية لتوليد طاقة شمسية مستدامة وخلق تنوع في إنتاج الكهرباء على المدى المتوسط والبعيد، وذلك بسبب التكلفة المرتفعة، والعقوبات الدولية المفروضة عليه التي تعرقل دخول الشركات العالمية للاستثمار، بالإضافة إلى عدم وجود بيئة مستقرة سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا. لذلك، أرى أن طموح النظام للاعتماد على الطاقة الشمسية مبالغ فيه بالنظر إلى الواقع الحالي.

أما فيما يخص مناطق المعارضة شمال وغرب سوريا، يحاول المواطنون على المستوى الفردي استخدام الألواح الشمسية التي أصبحت الخيار الوحيد لتوليد الكهرباء وتدبير احتياجاتهم. وتعتبر مشاريع مناطق المعارضة أقل عرضة للتلف والضرر لعدم تمركز الألواح الشمسية بأعداد كبيرة في مكان واحد. نستنتج أن مناطق المعارضة استطاعت تحقيق تنوع في إنتاج الكهرباء، وهو نجاح لا يمكن تجاهله، وتسعى العديد من دول العالم لتحقيقه.