في أقل من 15 عاماً، شقت تركيا طريقها لتصبح واحدة من أكبر المستخدمين والمصنعين للدرون المقاتل في العالم، متخذة من إمكاناتها وقدراتها المحلية منهجاً لهذا النمو والاعتماد على الصناعة المحلية لتأمين احتياجاتها الدفاعية.
تشكل الطائرات بدون طيار "درون" واحدة من أكثر الأسلحة المثيرة للجدل في العالم خاصة بعد أن ازدادت وتيرة استخدامها في السنوات الأخيرة، فقد أصبحت السلاح الأكثر فعالية في الوصول الى الأهداف وتوفير الحماية للجنود والطواقم العسكرية في أثناء تنفيذهم للعمليات العسكرية على الأرض، ويعود ذلك إلى الإمكانات العالية لهذه الطائرات سواء في الاستطلاع والمراقبة أو في إصابة الأهداف وتدميرها.
لقد جعلت الدرون الحرب أسهل وغيرت طرق شنّ الهجوم ووفرت للدول المالكة لها خياراً مثالياً بديلاً عن المخاطرة بأرواح جنودها، بالإضافة إلى كلفتها المنخفضة نسبياً، كل هذه الميزات جعلت من الدرون محور أيّ عملية عسكرية.
بقي هذا السلاح حكراً بيد القوات المسلحة الأميركية وبريطانيا وإسرائيل حتى عام 2015، إلا أن دخول تركيا السريع والمفاجئ في تصنيع الدرون المقاتل لفت الأنظار وأدهش الجميع، خاصة بعد النجاح الكبير للقوات التركية عبر استعمال الدرون التركي المساند لقواتها.
تأتي اليوم تركيا على رأس قائمة مستخدمي الدرون الجدد، وتحتل مكاناً متقدماً بين الدول المنتجة للطائرات العسكرية المسيرة، إذ ينافس الدرون التركي الطائرات الشبيهة له المصنعة في أميركا وإسرائيل، وأخيراً بدأت ببيع طائراتها العسكرية المسيرة لعدة دول حول العالم.
اقرأ أيضاً.. تركيا تكشف عن أول زورق قتالي مسيّر |فيديو
عراب الطائرات بدون طيار التركية
يعتبر سلجوق بيرقدار المولود في إسطنبول عام 1979، والمدير التقني الحالي لشركة باي كار للصناعات الدفاعية والمملوكة لعائلته، الأب الروحي للدرون المقاتل التركي، أنهى سلجوق مرحلة البكالوريوس من تعليمه الجامعي في جامعة إسطنبول التقنية العريقة في قسم الهندسة الكهربائية، وحصل على درجة الماستر في هندسة الطيران من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا الأميركي الشهير.
في عام 2005 أقنع سلجوق عدداً من المسؤولين الأتراك، بحضور عرض لنموذج أولي لطائرة من تصميمه بهدف نيل دعم الحكومة والمستثمرين لتطوير أبحاثه، وتوجه إليهم قائلاً: "يعمل العديد من أصدقائي المبتعثين في تطوير مشاريع عسكرية أميركية، ألا تجدون هذا غريباً – ولكن ما الذي سيعملون به، وما الذي سأعمل به، بعد العودة إلى تركيا؟".
وبعد مشاهدة مسؤولي أنقرة للطائرة المسيرة كيف تقلع وتهبط بسلاسة وخفة بين يدي سلجوق بيرقدار، أضاف سلجوق: "إن كبرى شركات الطيران العالمية كبيونغ ولوكهيد تعمل بالنظام والآلية نفسها، وإذا دعمت الحكومة التركية هذا المشروع فإن الطائرات المسيرة التركية ستغدو من الأفضل في العالم خلال 5 سنوات".
لم تفلح خطوة سلجوق بيرقدار الجريئة هذه في إقناع مسؤولي أنقرة بتقديم الدعم له، إذ كان يفضل بعض المسؤولين شراء هذه التقنية من الولايات المتحدة بدلاً من تطويرها، إلا أنه في عام 2010 كشفت مؤسسة الصناعات الجوية والفضائية التركية "تي إيه آي" عن تطويرها لطائرة مسيرة محلية الصنع أسمتها "عنقاء" لتأخذ مكان طائرة الهيرون الإسرائيلية، ولكن العنقاء ورغم كل ميزاتها الجيدة نسبياً كالتحليق أربعاً وعشرين ساعة متواصلة على ارتفاع عشرة آلاف متر تقريباً، فإنها كانت كطائرة الهيرون غير مسلحة، وفرت هذه الطائرات تصويراً حياً ومباشراً لهجوم عنيف قام به حزب العمال الكردستاني - الذي تصنفه الحكومة التركية على أنه منظمة إرهابية - على قواعد عسكرية تركية في ولاية هكاري جنوب شرقي تركيا، ورغم ميزة التصوير الجوي فإن الأتراك كانوا محرومين من ميزة الرد الفوري والسريع التي يملكها الدرون المقاتل، فلم يكن في جعبتهم للرد على تلك الهجمات سوى نشر الآلاف من القوات العسكرية وشن عمليات مضادة على امتداد الحدود مع العراق.
أصبح تطوير درون مقاتل بعد هذه الحادثة على رأس أولويات أنقرة العسكرية، مما جعل الفرصة سانحة لشركة باي كار ومهندسها سلجوق بيرقدار والذي كان قد نال شهرة كبيرة لانتقاده الاعتماد التركي على إسرائيل في هذه الصناعة، وفي عام 2015 عندما قدم بيرقدار استعراضاً مثيراً للإعجاب لأكثر طائراتهم المسيرة تقدماً، وهي طائرة TB2، التي جذبت انتباه المؤسسة العسكرية في تركيا، فمن ارتفاع وصل إلى أربعة كيلومترات تمكنت TB2 من إصابة هدف يبعد عنها مسافة ثمانية كيلومترات باستخدام صاروخ موجه محلي الصنع أيضاً.
اقرأ أيضاً: تركيا تكشف عن صاروخ أرض – أرض توجّهه بيرقدار إلى هدفه بالليزر
تمتلك تركيا اليوم أنظمة طيران عسكرية مسيرة عن بعد متطورة جداً تستخدمها في الحروب، إذ تنشر تركيا طائراتها المسيرة بالتزامن مع أجهزة الحرب الإلكترونية الأخرى (كأنظمة التشويش والاتصالات) وذلك لكي تضمن لطائراتها طيراناً سلساً خالياً من العوائق، بالإضافة إلى وحداتها العسكرية البرية والجوية الأخرى.
وأثبت هذا النظام فعاليته عندما حاول نظام الأسد في شباط من العام الفائت مدعوماً بغطاء جوي روسي التقدم على محافظة إدلب عندها قامت الطائرات المسيرة التركية بتوجيه ضربة عسكرية إلى قوات الأسد، في غضون أيام قليلة قُتل ما يزيد على 2500 عنصر من قواته، وتم تعطيل ثماني مروحيات و 135 دبابة ومقاتلتين نفاثتين وعشرات من مدافع الهاوتزر وخمسة أنظمة مضادة للطائرات، وفقاً لوزير الدفاع التركي خلوصي أكار.
قلبت الطائرات المقاتلة المسيرة التركية الموازين لمصلحة أنقرة في جميع المعارك التي شاركت بها، وتمكنت من تدمير عدد من أنظمة الدفاع الجوي "بانتسير" الروسية المتطورة.
اقرأ أيضاً: "إكنجي تيها".. أحدث طائرة مسيّرة تستعد تركيا لـ إطلاقها | فيديو
تقنية الطائرات المسيّرة التركية:
تمتلك تركيا 4 أنواع من الطائرات المقاتلة المسيرة، اثنتان منها تنتجهما شركة باي كار، والأخريان تنتجهما مؤسسة الصناعات الجوية والفضائية التركية بالإضافة إلى بضعة نماذج أخرى تستخدم لأغراض الاستطلاع ونماذج أخرى لطيار مسير.
الطائرة TB2:
شكلت طائرة (TB2) العمود الفقري لمعظم عمليات أنقرة الجوية، فبإمكان هذه الطائرة التحليق على ارتفاع 24 ألف قدم لمدة تصل إلى 27 ساعة، وتعتمد على محطات تحكم أرضية للاتصال، وبإمكانها أن تحمل وزناً يصل إلى 150 كيلوغراماً و 4 ذخائر ذكية موجهة بالليزر.
تمتلك طائرات (TB2) 110 منصة خدمة داخل تركيا، كما أنها أتمت منذ دخولها الخدمة إلى الآن ما يزيد على 250 ألف ساعة من الخدمة، وتعتبر صاحبة الرقم القياسي للطائرات المسيرة التركية بقدرة التحمل، إذ تمكنت من البقاء في الجو 27 ساعة وثلاث دقائق على ارتفاع زاد على 27 ألف قدم.
تمثل (TB2) نموذجاً للطائرات المسيرة متعددة المهام، فذخيرتها المتكاملة مع أنظمتها الإلكترونية الذكية بالإضافة إلى نظام نقل الصور الحية والمباشرة يجعل منها طائرة مثالية، كما تمكنها حمولتها الذكية الموجهة بالليزر من التعامل مع الأهداف بدقة كبيرة.
الطائرة AKINCI:
تتمتع طائرات (AKINCI) بتصميم فريد، إذ يبلغ عرض جناحيها 20 متراً، وطولها يزيد على 12 متراً بقليل، وتتميز بتقنيات ذكاء اصطناعي متطورة ونظم خاصة لمعالجة الإشارات والاستشعار، بالإضافة إلى نظام خاص للاتصال عبر الأقمار الصناعية وتقنية رادار متطورة.
يمكن لـ (AKINCI) التحليق إلى ارتفاع يصل إلى 40 ألف قدم مدة تزيد على 24 ساعة، وتبلغ سرعتها القصوى 360 كيلومتراً في الساعة، كما أنها تملك القدرة على حمل ذخائر وأسلحة بوزن 1350 كيلوغراماً.
صممت لتنفذ عمليات قتالية تحاكي العمليات الجوية التي تنفذها طائرات F-16، فبالإمكان استخدامها سواء في العمليات الجوية القتالية جو – جو، أو في عمليات الهجوم على الأهداف الأرضية جو – أرض.
وتتنوع ترسانة الأسلحة التي تحملها (AKINCI) من الصواريخ الموجهة بالليزر إلى صواريخ كروز بعيدة المدى إلى مجموعة أخرى من الصواريخ محلية الصنع.
وكلا الطائرتين (TB2 وAKINCI) تصنعان في معامل شركة باي كار المملوكة لعائلة بيرقدار.
الطائرة ANKA:
تمتاز طائرة (ANKA) بالقدرة على التحليق في مختلف الظروف الجوية، والقدرة على تحديد الأهداف بدقة عالية سواء في الليل أو النهار، ويعود الفضل في ذلك إلى التقنيات المتطورة التي استخدمت في تصميمها، كما أنها تملك نظاماً خاصاً مقاوماً للتجمد وإمكانية الإقلاع والهبوط الأوتوماتيكي، ويتم التحكم بها عبر محطات أرضية.
يبلغ طول (ANKA) 8.6 أمتار، ويصل عرض جناحيها إلى 17.5 متراً، ولها القدرة على التحليق إلى ارتفاع يصل إلى 30 ألف قدم 24 ساعة كاملة، وتستطيع حمل ترسانة من الأسلحة يصل وزنها إلى 250 كيلوغراماً تتنوع ترسانتها من الأسلحة عالية الدقة والصواريخ الموجهة بالليزر بالإضافة إلى الصواريخ المضادة للدروع.
ومنذ انضمامها إلى سلاح الجو التركي أتمت (ANKA) ما يزيد على 37 ألف ساعة من الطيران بنجاح. وأثبتت فعاليتها القتالية في عدة جبهات.
الطائرة (AKSUNGUR):
تعتبر (AKSUNGUR) النموذج المطور للطائرة (ANKA)، إذ تمتلك (AKSUNGUR) قدرة أعلى بكثير على حمل ترسانة متنوعة من الذخيرة بوزن يصل إلى 750 كيلوغراماً، وتتوزع ذخيرتها بين صواريخ رئيسية بعيدة المدى وصواريخ موجهة بالليزر وقنابل عالية الدقة بدائرة تدميرية صغيرة، مما يجعلها فتاكة في الهجوم على الأهداف الأرضية.
وبالإضافة إلى جميع الميزات التقنية التي تم ذكرها في الطائرة (ANKA) فإن القدرة على تحديد الأهداف قد تحسنت كثيراً في (AKSUNGUR)، وتم إضافة كاميرا لمراقبة واسعة النقاط، بالإضافة إلى منظومة رادار جديدة متطورة جداً.
يبلغ طول الطائرة (AKSUNGUR) 12 متراً وعرض جناحيها 24 متراً، وبإمكانها التحليق إلى ارتفاع يصل إلى 40 ألف قدم، وتختلف استطاعتها على البقاء في الجو تبعاً لحجم حمولتها، ففي حالة الحمولة القصوى 750 كيلوغراماً يمكنها البقاء في الجو 12 ساعة متواصلة، وفي حالة الحمولة العادية يمكنها البقاء 24 ساعة، ويَعِد القائمون عليها أنها ستبلغ 40 ساعة متواصلة قريباً جداً.
وهاتان الطائرتان (ANKA و AKSUNGUR) يتم تصنيعهما في معامل مؤسسة الصناعات الجوية والفضائية التركية.
نحو الاكتفاء الذاتي بحلول عام 2023:
تسعى القوات المسلحة التركية لتحقيق الاكتفاء الذاتي بحلول العام 2023، إذ تعتبر أنقرة هذه المسألة ضرورة، خاصة بعد أن واجهت تركيا قيوداً جديدة على الاستيراد في الخامس من كانون الأول من العام الماضي، إذ حظرت كندا تصدير المحركات وأجهزة الاستشعار ذات التقنية العالية والمستخدمة في تصنيع طائرات (TB2) التركية.
وقال حينها مسؤول المشتريات الأعلى في تركيا إسماعيل دمير في اليوم التالي لقرار الحظر هذا: إن تركيا ستصنع الأنظمة البصرية بنفسها.
كما تعتزم تركيا أيضاً تطوير مقاتلاتها الجوية محلياً وذلك تجنباً لتكرار ما حدث في صفقة طائرات F-35، إذ حظرت الولايات المتحدة الأميركية هذه الطائرات على تركيا رغم كونها شريكاً في الإنتاج، وذلك بسبب شراء تركيا لأنظمة الصواريخ S-400 الروسية.
إذ يعتبر الأتراك أن الخبرة التي اكتسبوها خلال مشوارهم في تطوير طائراتهم المسيرة ستكون مفيدة جداً في تطوير المقاتلات الحربية الخاصة بهم.
اقرأ أيضاً: للاستغناء عن طائرات F-16.. تركيا تنتهي من تصنيع مقاتلتها في 2023