العصر العباسي أو عصر الدولة أو الخلافة العباسية، يقصد به المرحلة التاريخية التي تلت العصر الأموي، وحكم خلالها أحفاد العباس بن عبد المطلّب قرابة 5 قرون تبدأ من عام (750م/ 132ه) وتنتهي بـ (1258م/ 656ه) ويعتبر أطول العصور في تاريخ الحضارة الإسلامية.
وينقسم العصر العباسي إلى 3 عصور وهي: العصر العباسي الأول، ويبدأ في عام 132هـ وحتى عام 232هــ، وهو بداية الخلافة العباسية وعصرها الذهبي. والعصر العباسي الثاني ينتهي عام 334هـ. والعصر العباسي الثالث الذي ينتهي عام 656هـ وهذا العصر هو عصر الدولة البويهية التي استمرت حتى الغزو المغولي على بغداد وإسقاطها ومعها سقوط الخلافة العباسية.
العصر العباسي والشعر
إذا كان العصر الجاهلي يعدّ المنبع الرئيس للشعر العربي، وعصر صدر الإسلام مُمِثلاً للأدب الملتزم بتعاليم العقيدة الإسلامية وموضوعاتها، والعصر الأموي عصر شعراء الغزل والحضور العاطفي والانفعالات الإنسانية الأعمق والأرقى؛ فإن العصر العباسي يعدّ عصر النهضة الأدبيّة ليس على مستوى الشعر فحسب وإنما في النثر أيضاً، وعصر الشعراء الأكثر عدداً وشهرة وحضوراً في تاريخ الأدب العربي على اختلاف عصوره.
السمات العامة للشعر العربي في العصر العباسي
عوامل عديدة تضافرت فيما بينها لتسهم في إفراز النهضة الشعرية في ذلك العصر، منها سياسي ومنها اجتماعي وثقافي.
فاتساع رقعة الدولة التي ورثها العباسيون عن أسلافهم الأمويين وما نتج عنها من اختلاط العرب مع مختلف شعوب قارات العالم القديم (آسيا- إفريقيا- أوروبا) وثقافاتهم المتنوعة، وظهور العديد من المدارس الفكرية والفلسفية والفقهية، بالإضافة إلى عوامل كثيرة أخرى؛ أكسبت العصر العباسي تلك النهضة الشعرية المتفرّدة وأفرزت أغراضاً شعرية جديدة وطوّرت في مضامين الأغراض السابقة.
وفي العصر العباسي، اتّخذ الشعراء من قصور الخلفاء والسلاطين ميادين لإبراز قدراتهم الشعرية ومنابر يتسابقون للظفر بها وإطلاق قصائدهم فيها. إذ أولى الخلفاء العباسيون الشعراء اهتمامًا بالغًا، وهذا ما دفع الكثير من الشعراء إلى اتخاذ الشعر مصدراً للتكسب المادّي، والسياسي أيضاً من خلال التقرب من الخلفاء بقصائدهم.
وبذلك احتل شعر "المدح" مرتبة متقدمة، وبلغ ذروته من بين بقية الأغراض الشعرية التي حافظ جزء كبير منها على تدفقها الوجداني والعاطفي كما في العصور السالفة، كأشعار الغزل والفخر والهجاء (النقائض) والوصف وهلمّ جرّاً. كما ظهرت أصناف جديدة من الشعر على أيدي أشهر شعراء العصر العباسي، ومنها: شعر المجون والخمريات والشعر الصوفي وشعر الزهد.
وفي هذا السياق لا بد لنا من الإشارة إلى أن الشعر عند العباسيين كاد يختفي فيه الشكل "العُذري" العفيف الذي كان سائداً في العصر الأموي، مع بعض الاستثناءات -كأشعار العباس بن الأحنف أحد شعراء الغزل في العصـر العباسي- وربما بعض شـعراء الغـزل قـد تبـذّلوا فـي وصـف المـرأة، وأمعنوا في هتك حجـاب العفـة من دون رادع، ونجـد أمثلة جليّة لذلك عند بشار بن برد وأبي نواس وغيرهما.
وعلى أية حال، أبدع شعراء العصر العباسي في نظم الشعر بمختلف أغراضه، وفي ابتكار المعاني والصور الشعرية والألفاظ المنمّقة والمحسّنة بلمساتٍ جمالية بديعة، فعكست أشعارهم صورة ذلك العصر، وخاصة في مراحل قوته واستقراره سواء تحت ظل الخليفة في بغداد أو في قصور سلاطين وأمراء الدول التابعين -اسمياً- للخليفة العباسي، سواء في الشام أو العراق أو مصر أو المغرب. وكذلك في دولة "الأندلس" التي استمر فيها الحكم الأموي لقرون طويلة من الزمن.
أبرز شعراء العصر العباسي
حفل العصـر العباسـي بعـدد وافـر مـن الشـعراء الأعلام الذين لم يحظ بمـثلهم أي عصر آخر، ومنهم (بحسب الأقدم تاريخياً):
- بشـار بـن بـرد
- أبـو نـواس
- أبـو العتاهيـة
- مسـلم بـن الوليـد
- أبـو تمـام
- دعبــل الخزاعــي
- البحتــري
- ابــن الرومــي
- ابــن المعتــز
- أبــو فــراس الحمــداني
- المتنبي
- الشريف الرضي،
- أبو العلاء المعري
- ابن الفارض
بالإضافة إلى العشرات غيرهم.
خصائص الشعر العباسي
المقدمة "الطَّلَلِية"
استهل البدو من شعراء العصر العباسي قصائدهم بأبيات الأطلال متأثرين بقدامى الشعراء، وحملت تلك الأبيات معانيَ وجدانية عميقة؛ كالفناء والرحيل والألم على رحيل الحبيبة.. إلخ. وتمّ توظيفها بشكل خاص في مجال مدح الخلفاء والتغزّل بالمحبوبة، قبل أن ينقلب بعضهم على المقدمات الطللية ويستعيضوا عنها بمقدمات تلائم ظروف عصرهم كمقدمات الخمريات ووصف الطبيعة والحِكَم.
الابتعاد عن القصائد المطولّة
نظم الشعراء العباسيون شعرهم على شكل مقطوعات صغيرة تبعاً للتطور الحضاري الذي ميّز عصرهم. فلم تعد القصائد تلقى في المهرجانات والأسواق كما كان الأمر قديماً، وانصرف الناس إلى مشاغلهم الحياتية (تجارة- صناعة- زراعة- سياسة- تأليف..) ولم يعد هدفهم الرئيس السماع للشعر وتذوّقه.
كما أنّ انتشار الغناء كان له الأثر البالغ في دفع الشعراء إلى نظم شعرهم في قطعة موسيقية صغيرة قابلة للغناء.
التجديد في المعاني والأفكار
اتجه كثير من الشعراء إلى التجديد في المعاني والأفكار، وكان ذلك واضحاً في أشعارهم؛ فقد ازدحمت الأشعار بالأفكار والمعاني والصور والأخيلة، ولجؤوا كذلك إلى المبالغة والتهويل والتجسيد والتضخيم، فهي كانت السمة الأكثر التي ارتكز الشعراء عليها في نظم أشعارهم خاصة في موضوعي المدح والغزل.
التجديد في الأسلوب والوزن والقافية
اتسم الأسلوب الشعري لدى العباسيين بالجزالة والسهولة واللين، وكان للتطور الثقافي والعمراني والحضاري في ذلك العصر أثر كبير في لغة وأسلوب الشعر. وابتعد كثير من الشعراء عن التكلف والتصنّع وكانت لهم حرية التصرف في كيفية عرض مضامينهم -دون تجاوز الوحدة الموضوعية- والتحرر من القوالب العروضية التي تقيّد القدماء بها في بناء قصائدهم.
واستمر بعض الشعراء في نظم شعرهم على الأوزان التقليدية المعروفة، بينما استحدث آخرون أوزاناً تلائم روح عصرهم وذوقهم الشعري، فجددوا في القافية، واستحدثوا "المزدوج" و"المسمّط" و"المخمّس".
والمزدوج هو عبارة عن اتفاق الشطرين المتقابلين بنفس القافية مع اختلافها من بيت لآخر. وهـو فـي الغالـب مـن بحـر الرجـز. وقد استعاره الفرس وأطلقوا عليه "المثنوي".
ولأبي العتاهية مزدوجة مشهورة عدتها أربعة آلاف بيت، سماها (ذات الحكم والأمثال)؛ لكثرة الحكم والأمثال فيها، منها:
حسبك مما تبتغيه القوت ما أكثر القوت لمن يموت
الفقر فيما جاوز الكفافا من اتقى الله رجا وخافا
لكل ما يؤذي، وإن قل، ألم ما أطول الليل على من لم ينم
ما انتفع المرء بمثل عقله وخير ذخر المرء حسن فعله
أما المسمّط فهو عبارة عن قصائد تتألف من أدوار، ويتكون الدور فيها من أربعة أشطر تتفق فيه القافية في ثلاثة أشطر، وتنفرد في الشطر الرابع لتسمّى عمود المسمط. وهذا النوع كان موجوداً منذ العصر الجاهلي ولكنه كان محدوداً جداً آنذاك. ومثال ذلك قصيدة خمرية لـ "أبي نواس" يقول فيها:
سُلاف دن كشمس دجن
كدمع جفن كخمر عدن
طبيخ شمس كلون ورس
ربيب فرس حليف سجن
يا من لحاني على زماني
اللهو شاني فلا تلمني
وللمسمّط نوعان:
المشطور: وهو البيت الذي حُذف شطره أو مصراعه، وتكون فيه تفعيلة العَروض هي الضرب.
المنهوك: وهو البيت الذي حذف ثلثاه وبقي ثلثه.
أما بالنسبة للمخمّس فهو كالمسمّط من ناحية أنه يتألف من أدوار، حيث يتكون كل دور من خمسة أشطر، تتفق أول أربعة أشطر في القافية، وتثبت في الشطر الخامس.
الموسيقا الداخلية
وبالنسبة للجانب الموسيقي، يبدو تأثّر الشعراء العباسيين بشعراء الجاهلية جلياً؛ فقد كانت الموسيقا الداخلية لديهم تحمل أشكالاً عدة، منها: تكرار الألفاظ أو ما اشتق منها، والترصيع (وهو عبارة عن تماثل ألفاظ الفصل الأول مع الفصل الثاني في الأوزان والأعجاز)، والتصريع الذي يكثر في مطلع القصائد (وهو عبارة عن اتفاق قافية الشطر الأول من البيت مع قافية الشطر الثاني).
الطابع الشعبي
قديماً، كانت القصائد مقتصرة على الفئة الأرستقراطية، أما بالنسبة لشعراء العصر العباسي فقد شملت جميع فئات المجتمع؛ فوصفوا كل ما يرتبط بالناس ويحيط بهم، كالشباب، والخمر، والروض، والأزهار والثمار، والحيوانات، والنهر، والعجزة، والجاريات، والغلمان، والخباز، وصانع الحلوى، وغير ذلك.
أغراض الشعر العباسي
المدح
مضى الشعراء العباسيون في مديح الخلفاء والولاة والأمراء والسلاطين بالدرجة الأولى، فنجد أن أبرز شعراء العصر كانوا على صلة مباشرة بالبلاط وقصر الحاكم.
ومن قصائد المدح قصيدة "أبي نواس" التي ألقاها على الخليفة هارون الرشيد:
تبارك من ساس الأمور بقدرة وفضل هـــارونا على الخلفاء
نراك بخير ما انطوينا على التقى وما ساس دنيانا أبو الأمناء
إمام يخاف الله حتى كــــــأنه يؤمل رؤيــــــاه صباح مساء
أشم طوال الساعدين كأنما ينـــــــــاط نجادا سيفه بلواء
وقصيدة أبو الطيب المتنبي الشهيرة في مديح حاكم حلب سيف الدولة الحمداني (علي بن أبي الهيجاء الحمداني):
لَيسَ إلاّكَ يا عَليُّ هُمَامٌ سَيْفُهُ دونَ عِرْضِهِ مَسْلُولُ
كَيفَ لا تأمَنُ العِراقُ وَمِصْرٌ وَسَرَاياكَ دونَهَا وَالخُيُولُ
لَوْ تَحَرّفْتَ عَن طَرِيقِ الأعادي رَبَطَ السِّدْرُ خَيلَهُمْ وَالنّخيلُ
وَدَرَى مَنْ أعَزّهُ الدّفعُ عَنهُ فيهِمَا أنّهُ الحَقِيرُ الذّليلُ
أنتَ طُولَ الحَيَاةِ للرّومِ غازٍ فَمَتى الوَعْدُ أن يكونَ القُفولُ
وَسِوى الرّومِ خَلفَ ظَهرِكَ رُومٌ فَعَلَى أيّ جَانِبَيْكَ تَمِيلُ
ولم يقتصر المديح على تلك المعاني والصور الجديدة، فإذا كان القدماء قد اختاروا الأوزان الطويلة والموسيقا ذات الإيقاعات القوية، واللغة المختارة، فإن الشعراء العباسيين قد قلبوا الوضع وأتوا بلحن رقيق، وبساطة في التصوير كما مر في المثالين السابقين.
الهجاء
ويمكن تمييز لونين من الهجاء في العصر العباسي: هجاء سياسي، وهجاء شخصي. وقد امتاز اللونان معًا بالسخرية الشديدة والإيذاء المؤلم. كما امتاز الهجاء بأنه أصبح شعر مقطوعات قصيرة، وليست قصائد مطولة كالتي يتطلبها المديح أو كما كان الهجاء في العصور القديمة.
ولم يأتِ كما تضمّن شعر النقائض في العصر الأموي، بل مال إلى الشعبية. وقد شاع الهجاء السياسي في الخلاف الذي وقع بين الأخوين الخليفين الأمين والمأمون وانتهى بقتل الأول.
ومن أشهر شعراء الهجاء السياسي لدى العباسيين، دعبل الخزاعي الذي كان واحداً من أشهر وأكبر شعراء العصر العباسي الأول. وعُرف دعبل بـ "تشيعه" ومناصرته لآل علي بن أبي طالب، وباعترافه بأحقية الأئمة منهم في الخلافة.
وكان دعبل يجاهر برفضه وسخطه على الخلفاء العباسيين، فكان كلما تولى أحدهم الحكم، أنشد قصيدة جديدة في ذمه والتهكم عليه. وفي 218 هـ/833 م، توفي المأمون وتولى الخلافة أخوه المعتصم بالله ليصبح ثامن خلفاء دولة بني العباس، فأنشد دعبل قصيدة جاء فيها:
ملوك بني العباس في الكتب سبعة ولم تأتنا في ثامن منهم كلب
كذلك أهل الكهف في الكهف سبعة وثامنهم عندنا كلب
وإني لأجزي الكلب عن ذكره بكم الآن لكم ذنب وليس للكلب ذنب
الزهد
لقي شعر الزهد في العصر العباسي اهتماما ًكبيراً وشغف الناس بقراءة قصائده وإنشادها. ولم تكن دوافع الزهد في هذا العصر دينية فحسب، ولكن إلى جانب ذلك أصبح يمثل حركة مضادة لبعض مظاهر المجون والزندقة التي شاعت في هذا العصر.
وتحولت حركة الوعظ التي نشطت في مساجد الكوفة والبصرة وبغداد إلى زهد حقيقي أمال قلوب الناس. وظهرت عشرات الأسماء التي اشتهرت بزهدها من أمثال: الفضل بن عياض، ومحمد بن سيرين، وسفيان الثوري ، ويحيى بن معاذ، ولذلك لم يكن غريبًا أن يظهر مجموعة من الشعراء الذين طغت على شعرهم عواطف الزهد وأفكاره. ومن أشهر أولئك الشعراء الزهّاد أبو العتاهية، الذي يقول:
لعَمْرُكَ، ما الدّنيا بدارِ بَقَاءِ كَفَاكَ بدارِ المَوْتِ دارَ فَنَاءِ
فلا تَعشَقِ الدّنْيا، أُخيَّ، فإنّما يُرَى عاشِقُ الدُّنيَا بجُهْدِ بَلاَءِ
حَلاَوَتُهَا ممزَوجَة ٌ بمرارة ٍ ورَاحتُهَا ممزوجَة ٌ بِعَناءِ
فَلا تَمشِ يَوْماً في ثِيابِ مَخيلَة ٍ فإنَّكَ من طينٍ خلقتَ ومَاءِ
لَقَلّ امرُؤٌ تَلقاهُ لله شاكِراً وقلَّ امرؤٌ يرضَى لهُ بقضَاءِ
وللّهِ نَعْمَاءٌ عَلَينا عَظيمَة وللهِ إحسانٌ وفضلُ عطاءِ
ومَا الدهرُ يوماً واحداً في اختِلاَفِهِ ومَا كُلُّ أيامِ الفتى بسَوَاءِ
الرثاء
ارتقى فن الرثاء في العصر العباسي، واكتسب غنى وعمقاً، بفضل شعراء كبار أبدعوا فيه وفي سائر أغراض الشعر، وفي طليعة شعراء الرثاء أبو تمام الذي أطلق عليه لقب "مدّاحة نواحة"، ومن بعده ابن الرومي الذي عرف برثاء أولاده.
وألمت بالعصر العباسي أحداث جسيمة عانت منها البلاد والعباد، كالجائحات المرضية والفتن والحروب التي تركت في النفوس صدى أليماً وتجلت على ألسنة الشعراء مراثي دامعة.
وعندما اجتاح (الزنج) مدينة البصرة واستباحوها وخربوها ونكلوا بأهلها، قال ابن الرومي في رثاء المدينة المنكوبة قصيدة تعد من أروع الشعر مطلعها:
ذادَ عن مُقْلِتي لذيذَ المنامِ شُغلها عنهُ بالدموعِ السجامِ
أيُّ نومِ من بعد ما حل بالبصـــــــــــْرَةِ من تلكمُ الهناتِ العظام
أيُّ نومٍ من بعد ما انتهك الزّنْــــــــــــــجُ جهاراً محارمَ الإسلام
إنَّ هذا من الأمورِ لأمْرٌ كاد أن لا يقومَ في الأوهام
لرأينا مُسْتَيْقظين أموراً حسبُنا أن تكونَ رُؤيا منام
الغزل
واشتهر بشعر الغزل -العفيف منه- "علي بن الجهم" الذي أجاد في تصوير مشاعره وبرع في مقدماته الغزلية الرقيقة ولا سيما ما كان يستهل به مدائحه للخلفاء. ومن ذائع غزله في صدد مديحه للمتوكل قصيدته المشهورة التي يقول مطلعها:
عيون المها بين الرصافة والجسر جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
كما اشتهر البحتري بالغزل، لما اتسمت به ألفاظه من سهولة ورقة وعباراته من عذوبة وسلاسة، وقد أحب علوة الحلبية، وقال فيها جل غزله.
وغزل الشاعر "الشريف الرضي" على تأخر عهده من أبرز الشواهد على نبل الشعور وعفة اللسان، فضلاً عن سمو مكانة ورفعة نسب، وقصائده الجميلة التي اشتهرت بالحجازيات نفثات شجية أثارت كوامن نفسه المضطربة.
المجون والخمريات
ولعل أشهر من عُرف بهذا النوع من الشعر على مر التاريخ العربي هو أبو نواس.
ومن مجون أبي نواس، يروى أنه كان ذات يوم مع المصلين في المسجد، فإذا بالإمام يقول: قل يا أيها الكافرون، فصاح أبو نواس من مكانه: لبيك! فأُخرج من المسجد.
ويقول:
فقُمنـا إليه واحدًا بعدَ واحِـدٍ فكـان بهِ من صَـومِ غُـربتنـا الفِــطــرُ
فبتنا يرانا الله شَرَّ عِصابة نُجَرّرُ أذْيالَ الفُسوقِ ولا فَخْرُ
ومن خمرياته: أفرد للخمريات بابًا مستقلًا، فجعل له عالمًا خمريًا متكاملًا وفي قصائد مستقلة، بل في قالب قصصي، ذكر فيه الساقية ومجلس الشراب والندامى والحانة، وذكر فيه الجواري والغلمان، وترك أبو نواس الوقوف على الأطلال، وبدأ قصائده بذكر الخمرة، فقال:
لا تبك ليلى ولا تطرب إلى هند واشرب على الورد من حمراء كالورد
فالخمر ياقوتة والكأس لؤلؤة في كفّ جارية ممشوقة القدّ
تسقيك من طرفها خمرًا ومن يدها خمرًا فما لك من سكرين من بد
ويقول أيضاً حين نصحوه بترك شرب الخمر ومضاره:
دع عنك لومي فإن اللوم إغراء وداوني بالتي كانت هي الداء
ولم تقتصر أغراض الشعر العباسي عند هذه الأبواب فقط وإنما تناولت العديد من الجوانب الأخرى التي غطّت مختلف تفاصيل الحياة.
المصادر