فكرت بالعنوان كثيرا قبل أن أقدم كلمة "شبيح" على لاجئ، لأنها الصفة الاختيارية التي قرر "الشبيحة" اكتسابها عن سابق إصرار، ولم يكونوا مضطرين لها بعكس صفة اللجوء التي تكون اضطرارية عادة.
في حالتنا السورية، وبعد أن قرر نظام الأسد أن يخوض حربا مفتوحة ضد السوريين مستخدما أعتى أسلحته وأكثرها فتكا بالأرواح والأرزاق، سانده في ذلك بعض السوريين، أولئك هم "شبيحته" الذين تطوعوا للقتال في صفه طمعا بمكاسب أو بحثا عن حظوة لديه، وهم يعتقدون أنه سينتصر، منهم مدفوع بإيديولوجية أو دوافع طائفية أو إثنية أو غيرها، هؤلاء فرزوا الشعب السوري وناصبوا شريحة واسعة منه العداء وفق الفرز المَرَضي، فاختاروا دعم الأسد بخوض حربه حتى النهاية وإن كانت القتل أو الإصابة أو الهجرة.
بعد سنوات من الحرب التي لم ينتصر بها النظام ودفع أمام آلته العسكرية الفتاكة والمدمرة ملايين السوريين لعبور الحدود بحثا عن حياة أفضل في مكان أفضل، وفضلوا اللجوء. في أوروبا كان مستقر معظمهم، ولأن "الشبيحة" خسروا أيضا أو على الأقل لم يكسبوا اختاروا القفز من مركب الأسد الغارق ومعظمهم اختار أوروبا وصلوها بصفة لاجئين ونسجوا قصصا خيالية عن معاناتهم وما يتعرضون له من تهديدات. ما إن استقروا حتى عادوا سيرتهم الأولى وفي هذه يمكن أن نجد تفسيرا سيكولوجيا للظاهرة (لاجئ مزيف يعاود تنمره على لاجئ)، هو ما زال يعيش وهمَ أنه سيد يملك مصائر الناس دون حساب كما كان في مزرعة الأسد، ولأن هامش الحرية واسع عريض في أوروبا اعتقد أن تشبيحه أيضا جزء من الحرية بل واستفاد من هذه الحرية ليمارس فنون التشبيح التي لم يكن يحلم بها في سوريا فعندما رأى مثلا أن باستطاعة أي شخص أن يحصل على رخصة ليتظاهر في الشارع ضد أي أمر كأن يتظاهر منعا لذبح الطيور البيضاء أو للفت الانتباه لقضية البلاستك التي تعيق حركة السمك، أصبح الشبيح يتظاهر دفاعا عن الأسد في أوروبا ويمارس طقوسا كان يحلم بها في سوريا حيث كان عليه أن يكون مجندا للمعارك فقط -وقود حرب- ويمكن أن يقتل فداء للنظام ويعوض أهله بساعة حائط، وبذلك أصبح لهؤلاء الفئة صوت موجود في أوروبا بل وأصبحوا عبئا على اللاجئين الحقيقين مما دفع النظام للاتصال بهم واستثمارهم تحقيقا لوعيد مفتي النظام أحمد بدر الدين حسون عندما قال يوما "في اللحظة التي تقصف فيها أول قذيفة على سوريا سينطلق كل واحد من أبنائها وبناتها ليكونوا فدائيين على أرض أوروبا" هؤلاء هم إذن من أرسلهم حسون.
اليوم في أوروبا سنجد شبيحة للأسد بصفة لاجئين بعضهم علا سقف طموحهم وباشروا العمل مع أحزاب وجماعات معادية
اليوم في أوروبا سنجد شبيحة للأسد بصفة لاجئين بعضهم علا سقف طموحهم وباشروا العمل مع أحزاب وجماعات معادية تحمل أدبيات عرقية أو دينية إقصائية تجمع على معادة اللاجئين، لأنهم لم يستطيعوا أيضا الانفكاك من حال العبودية للأسد بل حملوه كإله يقدمون له جهودهم ليبقى. الأخطر أنهم وتعزيزا لطروحاتهم عاكفون على شيطنة كل الآخرين ما عدا النظام ليظهروا كأقليات مستباحة الدم من غول الأكثرية الذي إن تمكن سيسحقهم، وللأسف ثمة من يستخدمهم في دعاياته فتطفوا أكاذيبهم وتروج.
يبذل بعض السوريين وقتا وجهدا لفضحهم وتعرية ادعاءاتهم وهذا مسلك محمود يجب أن يستمر حتى تنتهي ظاهرتهم وأن نصل على الأقل إلى الحد من شرهم إن لم يكن بالإمكان اقتلاعهم، لكن علينا التعامل مع وجودهم كأننا في حرب مفتوحة مع من لا يريد لنا الحياة إلا كما يريد ويشتهي. ينقل معركته حيث تأخذ الأقدار السوريين، لاحقهم بالقتل والتجهير والتدمير في سوريا ثم اعتدى على كرامتهم من خلال السفارات في الخارج قبل أن يقاسمهم حقوقهم باللجوء لمكان آمن ويعمل على تحويله لغير آمن لهم.