قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها الصادر، اليوم الأربعاء، إن الذكرى الأربعين لمجزرة حماة 1982 تتزامن مع عودة رفعت الأسد إلى سوريا، مشيرة إلى أن هيئات الأمم المتحدة خلت من أي إشارة إلى المجزرة على الرغم من أن جرائم القتل والاختفاء القسري تشكل جرائم ضد الإنسانية.
وذكر تقرير الشبكة أن شهر شباط يحمل في طياته ذكرى أليمة لدى الشعب السوري، وهو ذكرى مرور أربعين عاماً على ارتكاب النظام السوري بقيادة حافظ الأسد وأخيه رفعت مجزرة مروعة في مدينة حماة عام 1982 امتدت على مدى الشهر بكامله، وما زالت سوريا تحكم من قبل العائلة ذاتها، بل إن أربعين عاماً من الإفلات من العقاب توّجت بعودة رفعت الأسد المتورط الأبرز في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في مدينة حماة.
أهمية إحياء ذكرى المجزرة
وأكّد التقرير أن إحياء ذكرى المجازر الضخمة، والتي سبقت اندلاع الثورة في آذار 2011 وما زال أثرها ممتداً حتى الآن يعتبر جانباً مهماً من كشف جزء من الحقيقة ومن الدفاع عن حقوق الضحايا وفضح مرتكبي الانتهاكات.
وقال إن الإحصائيات الواردة فيه هي إحصائيات تقديرية وليست بيانات لجميع الضحايا، لكنها مستندة إلى قسم كبير من البيانات، موضحاً وجود بيانات لقرابة 3762 مختفياً قسرياً من أبناء مدينة حماة، إضافة إلى بيانات لقرابة 7984 مدنياً تم قتلهم. إلا أن التقديرات تشير إلى مقتل ما بين 30 إلى 40 ألف مدني، إضافة إلى نحو 17 ألف مفقود.
وقال التقرير إن مما جعل من توثيق المجزرة عملية معقدة: طول المدة الزمنية، والضعف الشديد في التغطية الإعلامية العالمية أو الإقليمية، وانعدام وجود الصحافة المحلية، وقضاء وطني مستقل، بسبب هيمنة النظام السوري على السلطات الثلاث.
انتهاكات النظام في حماة
كما استعرض التقرير أبرز الانتهاكات التي ارتكبتها قوات النظام السوري في مدينة حماة في شباط 1982 والتي شكل بعضها جرائم ضد الإنسانية، وأوردَ قائمة بأبرز القوات المتهمة بتنفيذ المجزرة، وقال إن النظام السوري حشد قوات من الجيش وأجهزة الأمن، وفرضت شكلاً من أشكال الحصار على مدينة حماة نهاية كانون الثاني 1982. مستعرضاً تفاصيل الهجوم الذي استمرَّ قرابة شهر، وتحدث بشيء من التفصيل عن أبرز الأيام الدموية التي شهدتها المجزرة والتي كانت نقاط علام، وعلى هذا الصعيد قال التقرير إن قوات تابعة للنظام السوري قوامها نحو 20 ألف شخص قد بدأت بقصف مدينة حماة، قرابة الساعة 20:15 من مساء يوم الثلاثاء 2 شباط 1982 بقيادة رفعت الأسد وكانت ذريعة السلطات، هي القضاء على بضع مئات من المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين، والتي كان قد دخل قسم منها في صراع مسلح مع السلطة، واختبأ بضع عشرات منهم بين صفوف المدنيين من أبناء المدينة.
"قصف عشوائي على المدينة"
وبدأت قوات النظام السوري بقصف تمهيدي واسع لأحياء عديدة وبشكل عشوائي بالمدافع والرشاشات، ثم اقتحم عدد من القوات المدينة من عدة محاور، وقامت بعمليات إعدام ميداني وقتل عشوائي، إضافة إلى العشرات من عمليات النهب والعنف الجنسي، وجرت اشتباكات مسلحة بين قوات النظام السوري وعناصر الإخوان المسلمين في المدينة، تحدث التقرير عن تدخل سلاح الطيران ودخول الدبابات وقصفها المنازل دون تمييز بين مدنيين ومسلحين، وأكد التقرير اعتقال قوات النظام السوري المئات من أبناء المدينة، دون توجيه تهمة، وقامت بإعدام البعض منهم رمياً بالرصاص في الشوارع.
بقيت عمليات القصف والاشتباكات مستمرة دون توقف حتى يوم الجمعة 5 من شباط، عندما بدأت قوات النظام السوري عمليات اقتحام الأحياء، واستكملت دباباته تدميرها، وقتلت عشرات المدنيين داخل منازلهم، إضافة إلى عمليات قتل لجرحى، واستهداف عائلات بكاملها بمن فيها من نساء وأطفال وشباب، لمجرد انتماء بعض أفرادها إلى جماعة الإخوان المسلمين، إضافة إلى نهب محتويات المنازل، ثم حرقها، مع ترديد وكتابة عبارات تحمل صبغة تطهير طائفي.
"قتل على الهوية"
وشهد السادس من شباط، وفقاً للتقرير، عمليات إنزال جوي قامت بها قوات النظام السوري ترافقت مع أفعال سادية. ومن ثم استمرت عمليات القصف والاقتحام والاشتباك في مختلف أحياء المدينة حتى الإثنين 8 من شباط، تاريخ سيطرة قوات النظام السوري على منطقة السوق جنوب نهر العاصي، لتبدأ من اليوم التالي سلسلة اقتحام الأحياء تباعاً، واحتجاز أسر كاملة، ثم قتلها رمياً بالرصاص، استمرت الاشتباكات في عدد من الأحياء حتى 23 من شباط، واتبعت قوات النظام السوري سياسة التدمير الشامل، ولم ينجُ أحد تقريباً من سكان تلك الأحياء. وقال التقرير إن قوات النظام السوري استمرت بعمليات الملاحقة، والقتل على الهوية، حتى يوم الأحد 28 من شباط، وبدأت بعض القوات المحيطة بالمدينة بالعودة إلى ثكناتها العسكرية، وبقيت العديد من الحواجز العسكرية داخل المدينة، ولكن عمليات القتل والتصفية الفردية لم تتوقف، بل استمرت حتى منتصف آذار 1982.
وبحسب التقرير، فقد خلَّفت هذه الحملة العسكرية على مدينة حماة مقتل 40 ألف مدني، وقرابة 17 ألف مفقود حتى الآن، ولا يعلم التقرير عدد القتلى من المسلحين في صفوف الإخوان المسلمين ومن قوات النظام السوري، إضافة إلى تدمير قرابة 79 مسجداً وثلاث كنائس، كما دمرت العديد من أحياء المدينة بما فيها الأثرية منها، وقد عرض التقرير خريطة أوضحت مواقع أبرز الأحياء التي تعرضت للدمار بشكل كلي أو شبه كلي. ووفقاً لما جاء في التقرير فقد ظلَّت مدينة حماة تحت حصار مطبق طوال شهر شباط، مع فرض حظر تجوال واسع على سكانها.