استهل اللواء المتقاعد من أجهزة النظام السوري "أكرم علي محمد" محافظ السويداء الجديد مهمته بزيارة إلى فرع حزب البعث بمدينة السويداء، وأبدى سعادته بتوليه هذا المنصب مؤكداً حرصه على تأدية عمله بما "يخدم المواطن ويمليه عليه الواجب".
ولم يستغرب المواطنون انطلاق المحافظ من فرع حزب البعث، بعد قرارات اللجنة المركزية الأخيرة التي غيرت بتوصيف سلطة الحزب من القائد للمجتمع والدولة إلى الحزب الحاكم. بل اعتبرتها تأكيداً على استئثار الحزب بالسلطة، وعلى نية المحافظ بإعادة الهيبة للحزب في السويداء بعد أن أقفل الحراك الشعبي معظم مقراته.
شبكات فساد أمني وإدراي
تعاقب الكثير من المحافظين على السويداء، ولا يتذكر أهالي المحافظة من فترة توليهم الإدارة سوى الأحداث الشعبية والأمنية التي رافقت فترة وجوده وبناء عليها يقيّمون عهد المحافظ وعمله، معتبرين أن جميع المحافظين قد ساهموا بشكل أو بآخر في تردي الوضع الأمني والمعيشي وشكلوا واجهة وستارا لشبكات الفساد الإداري في المحافظة.
في أيار 2020 استلم المهندس "همام الدبيات" منصب المحافظ قادماً من القنيطرة خلفاً لعامر إبراهيم العشي واستمر في منصبه حوالي العام والنصف حتى تاريخ 17/11/2021 وقد شهدت فترة إدارته تراجعاً لسلطة المحافظ أمام تمادي الأجهزة الأمنية والعصابات التابعة لها، وازدياد في أحداث العنف التي أودت بحياة العشرات من أبناء المحافظة، ولم يكن آخرها مقتل الشاب "أسعد البربور" على يد عصابة "ناصر السعدي" التي تتبع لجهاز الأمن العسكري" في قرية أم الرمان جنوب السويداء. هذه الواقعة التي أثمرت عن حراك "لأجل الهيب" الشبابي المناهض لأعمال العنف.
ولعل أهم ما شهده عهد "الدبيات" الخلاف الطارئ بين الشيخ "حكمت الهجري" الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز، والعميد "لؤي العلي" رئيس فرع المخابرات العسكرية في السويداء ودرعا والذي أدى إلى ملاسنة كلامية على الهاتف، إثر امتناع الأخير عن إطلاق سراح أحد المعتقلين، ما أدى لتوافد أهالي السويداء إلى دارة "الهجري" والمطالبة برد الاعتبار، وأسس لمواقف سياسة جديدة للشيخ الهجري وكانت واضحة في تأييده وتبنيه كل حراك شعبي لاحقاً.
حاول "الدبيات" التغيير من منظومة الفساد الإداري في المحافظة ويُذكر أنه أرسل أكثر من اقتراح إلى حكومة النظام يطلب فيه إقصاء مدير مؤسسة المياه المقرب من أمين فرع حزب البعث، و مدير شركة المحروقات، نتيجة تفشي الفساد في هذين القطاعين ولم ينفذ أي منهما إلا في عهد سَلفه المحافظ نمير مخلوف، الذي استطاع ان يُنجز قرار إنهاء تكليف "وائل شقير" مدير المياه في أيار 2022، بعد مطالبات عدة وضغط كبير من الأهالي.
نمير مخلوف.. والفترة الأكثر عنفا في السويداء
أما المحافظ "نمير مخلوف" ابن خال رئيس النظام السوري، فقد كانت تجربته الأولى بعد تجربة وُصفت بالفاشلة لإدارة معمل الكونسروة في مدينة جبلة، تلاها بإدارة الشركة السورية لنقل النفط، قبل أن يُؤدي القسم في 22 تشرين الثاني 2021 كمحافظ للسويداء أمام ابن عمته بشار الأسد.
ولعل أهم مايذكره أهالي السويداء خلال زمن توليه المنصب في تشرين الثاني2021 إلى تموز 2022، هو اليوم الأول لوصوله واليوم الأخير قبل مغادرته، حيث شهد يومه الأول ليلة عنيفة من من الاشتباكات بين العصابات الأمنية وحرس المحافظة وقيادة الشرطة أرهبت الأهالي حتى ساعات الصباح قبل أن يدرك الجميع إنها لُعبة مُتفق عليها.
أما يومه الأخير فقد شهد ثورة أهالي السويداء على مقرات عصابة "راجي فلحوط" التابعة للأمن العسكري في بلدات سليم وعتيل شمالي مدينة السويداء، هذه العصابة التي أمعنت في الجريمة وترهيب الأهالي لسنوات عدة.
في حين شهد شهر شباط 2022 مع بداية عهد مخلوف القصير، احتجاجات شعبية واسعة شملت العديد من مدن وبلدات المحافظة وذلك على خلفية ارتفاع أسعار المواد الغذائية وسوء خدمات المياه والكهرباء ونقص الوقود، واستبعاد العديد من فئات المجتمع من بطاقة الدعم الإلكترونية.
وتخلل هذه الاحتجاجات التي استمرت لأكثر من شهر إضرابات لسائقي سيارات النقل العامة وقطع للطرقات، وأدت لاستدعاء تعزيزات عسكرية إلى المحافظة ونشرها على الحواجز وفي الساحات العامة.
ورغم قُصر مدة إدارة مخلوف للسويداء والتي لم تتجاوز التسعة أشهر الا انها كانت الأكثر عُنفاً واقتتالا، فقبل حوالي الشهر والنصف من مغادرته، هاجمت الأجهزة الأمنية والعصابات التابعة لها؛ قوة مكافحة الإرهاب التابعة لحزب اللواء السوري في بلدة "خازمة" في الريف الجنوبي للسويداء في 8 حزيران 2022 وأنهت وجوده في المنطقة بعدما قتلت "سامر الحكيم" قائد جناحه العسكري واعتقلت عدد من عناصره.
ولم يكن وضع المحافظ "بسام بارسيك" الذي عُين بالمرسوم الرئاسي 201/ لعام 2022 والمقرب من أسماء الأخرس زوجة رئيس النظام، بأحسن حال من مخلوف، فقد وصل إلى السويداء في 24/ تموز/2022 عبر الطرق الفرعية، تحسباً من التوتر الذي شهدته مدينة شهبا وبلدات سليم وعتيل إثر خطف عصابة فلحوط لمواطنين، والذي سبق اقتحام مقرّات عصابته يومي 26 و27 يوليو والقضاء علىيها.
وبدأ بارسيك مهامه على وقع انتصارات شعبية متتالية على "العصابات الأمنية"، وخسائر فادحة للجسم المخابراتي في المحافظة، ساهم هذا الوضع الجديد في ضعف آداء بارسيك وتململ واضح للحركات الاحتجاجية وحصار وملاحقة العصابات الأمنية وصولاً إلى مظاهرة حاشدة في 4/ كانون الأول 2022 جابت شوارع المدينة وحاصرت مبنى المحافظة وأدت لاقتحام البعض من المشاركين المجهولين للمبنى وحرقه بعدما سلك "بارسيك" وأعضاء مجلس المحافظة طرقا فرعية للهرب مرة أخرى. كما تطورت لمواجهات مع القوى الأمنية وسقوط ضحايا من الجهتين.
في عهد بارسيك ساءت ظروف المواطنين المعيشية والخدمية، وزادت وتيرة الاحتجاج الشعبي إلى حد تكررت فيه إضرابات سائقي المركبات العامة عن العمل عدة مرات وكذلك أعمال قطع الطرقات وحجز العسكريين والضباط كلما أوقفت السلطات أحد أهالي السويداء في أي مكان.
ورافق هذه الأحداث اعتصام صامت للفعاليات الثقافية والسياسية استمر لشهرين أمام مبنى البلدية، طالبوا بالتغيير السياسي وتطبيق القرار 2254 ليكون المقدمة المناسبة لانتفاضة السويداء السلمية في منتصف آب 2023 والتي مازالت مستمرة حتى اليوم.
انتفاضة السويداء وتمرس المحافظ الجديد في القمع
بالمحصلة أمام "أكرم علي محمد" محافظ السويداء الجديد معضلة وترسانة من الحواجز التي بناها أبناء المحافظة خلال هذه السنوات، وفي جعبته تاريخ من الخبرة بملاحقة وقمع المتظاهرين اعتباراً من قيادته لفرع أمن الدولة بحلب في بداية الثورة السورية وصولاً لتوليه منصب النائب الأول لرئيس إدارة المخابرات العامة عام 2019، قبل أن يحال للتقاعد ويُعين بالمرسوم الرئاسي 101 لعام 2024، محافظاً للسويداء.
وهكذا بات السوريون يعلمون أن منصب المحافظ يعطى للخارجين عن الخدمة، أو بأحسن الأحوال هو تجربة قصيرة لاكتساب الخبرة أو ورقة نعي سياسي.