خلال العقود الأربعة الماضية، لعبت شركة ماهان إير الإيرانية، دوراً مهماً في دعم حلفاء النظام الإيراني الإقليميين عسكرياً واقتصادياً ولوجستياً، لكونها تشكل إحدى الجسور الجوية الاقتصادية والاستراتيجية المهمة للحرس الثوري الإيراني في المنطقة.
ومن خلال إنفاق مليارات الدولارات من عائدات النفط الإيرانية الضخمة، قامت شركة ماهان إير التابعة للحرس الثوري الإيراني بإصلاح طائرات شركة الخطوط الجوية السورية، وشركة أجنحة الشام للطيران، كما قامت باستئجار أو التبرع بطائرات لهذه الشركات بالمجان.
وبالإضافة لدورها في نقل المعدات العسكرية وضباط فيلق القدس وعناصر الميليشيات الطائفية من زينبيون وفاطميون للقتال في سوريا؛ لعبت شركة ماهان إير الإيرانية لسنوات دوراً محورياً في دعم الأسطول الجوي المدني للنظام في سوريا، مقدمة كافة التسهيلات للسورية للطيران، من شراء واستئجار طائرات نقل الركاب المدنية لها، إلى شراء قطع الغيار اللازمة وإصلاح طائراتها المتهالكة بسبب العقوبات في رحبات التصليح داخل إيران أو في مطار دمشق الدولي.
استئجار طائرة إيرباص لصالح السورية للطيران
قد تكون تسمية أسطول الطيران المدني على ما يملكه نظام الأسد من طائرات مدنية كلمة مجازية أو افتراضية بعض الشيء، والسبب الرئيسي في ذلك يعود إلى أنه حتى عام 2006، كان النظام يستخدم فقط طائرتين كبيرتين نوع (بوينغ 747 صناعة عام 1997) على المسارات الجوية الطويلة والمزدحمة.
ومع تهالك هاتين الطائرتين الكبيرتين، وعدم قدرة السورية للطيران على إصلاحهما في شركة السلام السعودية بعد اندلاع الثورة السورية، أجبرت هذه الشركة على استخدام طائرات نقل ركاب صغيرة الحجم للرحلات الجوية الدولية، لتخسر بذلك إمكانية التحليق على العديد من المسارات الأوروبية.
ولكن في أعقاب إعلان السورية للطيران عن حاجتها إلى شراء طائرة ركاب ضخمة في عام 2016، هبطت طائرة إيرانية ضخمة نوع إيرباص E300B 605-4R بمعرف دولي EP-MNM في مطار دمشق في ليلة يوم 4 أغسطس/ آب 2016، دون أن تعود هذه الطائرة لطهران وفق برنامج الرحلات التي كانت تؤمنها ماهان إير بشكل أسبوعي نحو دمشق، ليتبين لاحقاً أن هذه الطائرة قد تم تقديمها مؤقتاً للسورية للطيران ريثما يتم شراء طائرة أخرى لها من قبل ماهان إير.
وبالفعل تم طلاء هذه الطائرة الإيرانية بشعار السورية للطيران، لتقوم بالعديد من الرحلات الجوية نحو الإمارات والكويت والعراق والسودان، ولم تكتف السورية للطيران بهذه الرحلات فحسب، بل تحركت أيضاً في إطار دعم عمليات الحرس الثوري في سوريا، لتزور مركز تجمع الميليشيات الطائفية في عبادان بمحافظة خوزستان الإيرانية.
شراء أول طائرة إيرباص أي340
في نهاية عام 2016، تسـلّمت ماهان إير الطائرة الأولى من بين ثلاث طائرات إيرباص أي340 مستعملة من طراز (يو بي-أي4001، يو بي-أي 4003) من سريلانكا واليونان، مستخدمةً هذه المرة شركة بيك للطيران الكازاخستانية كوسيط في العملية.
وبعد أن تم إصلاح هذه الطائرات في شركة فارسكو (فجر آشيان) الإيرانية، تم تسليم واحدة على الأقل منها إلى السورية للطيران، بعد أن تم طلاؤها بشعار السورية للطيران وحصولها على الهوية السورية YK - AZA في شباط/ فبراير 2017.
شراء ثاني طائرة إيرباص أي340
تبدو فرحة طياري وموظفي الشركة السورية للطيران لا توصف عند رؤية تعليقاتهم على خبر نشرته صفحة السورية للطيران على الفيس بوك في 17 من آذار/مارس 2020 حول تسلمها طائرة جديدة من طراز إيرباص إي-340.
لكن رغم الفرحة العامرة، لا يخفى من التعليقات أن هذه الطائرة الجديدة كانت مستعملة أساسا في عدة خطوط جوية دولية سابقة، في حين يؤكد تعليق أحد الطيارين السوريين على خبر الصفحة أنه في أيام "العز" لم يتم شراء طيارة جديدة، وأن كل ما تمتلكه السورية للطيران إما مستعمل أو قدم على شكل هدايا.
تعليق الطيار السوري إبراهيم نوفل على المنشور السابق
وفي الحقيقة، كانت هذه الطائرة، التي بدأت خدمتها في الخطوط الجوية اليونانية، قد انتقلت فيما بعد إلى الخدمة لصالح شركة طيران بيك الكازاخستانية، ليعاد بيعها لشركة ماهان إير، ومن ثم يتم منحها لسوريا كهدية بعد أن تجاوز عمرها 16 سنة.
ووفقاً لتقارير إخبارية، كانت هذه الطائرة المقدمة للسورية للطيران، قد خضعت لعملية إصلاح في مجمع فجر آشيان الإيراني، وهبطت في رحلة تجريبية شمالي مدينة يزد الإيرانية، وفيما بعد تم نقلها من مطار مهر آباد إلى مطار الخميني الدولي، ثم إلى دمشق في 17 مارس/آذار 2020، بعد أن طُليت بشعار السورية للطيران ومعرف دولي، YK - AZB لتكون ثاني طائرة ضخمة تقدم من ماهان إير إلى السورية للطيران كهدية.
خدمات وتسهيلات لوجستية للسورية للطيران
بطبيعة الحال، لم تكتف ماهان إير بتقديم طائرتي إيرباص إلى السورية للطيران بالمجان، بل تولى خبراؤها التقنيون أيضاً مسؤولية صيانة وتصليح طائرات هذه الشركة في مطار دمشق مقابل حصولهم على مكافآت تصل لمئة دولار كل يوم من ماهان إير.
ولكن بسبب تدمير رحبة الإصلاح في مطار دمشق الدولي في إحدى الضربات الجوية الإسرائيلية ونقص المعدات وقطع الغيار اللازمة، أجبرت السورية للطيران على نقل طائراتها إلى مطار خميني الدولي، حيث تم سابقاً إصلاح طائرتين من طراز إي 320 تابعتين للسورية للطيران في رحبة الإصلاح الخاصة بماهان إير في هذا المطار.
ما سبب هذا الدعم اللامحدود؟
صحيح أن ماهان إير قدمت عدداً من الطائرات الضخمة للسورية للطيران بلا مقابل، وعملت على تصليح طائراتها المتهالكة في رحبات طهران ودمشق مقدمة لها كل ما تحتاجه من خبرات فنية وقطع غيار لازمة، إلا أن آمال طياري وموظفي السورية للطيران بتوسيع الآفاق المحدودة لهذه الشركة، وفتح خطوط ملاحة جويّة جديدة لهم في آسيا أو في أوروبا في وقت لاحق؛ ستبقى كالسراب في ظل العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة على هذه الشركة، ناهيك عن الجدوى الاقتصادية المعدومة من استخدام مثل هذه الطائرات البالعة للوقود على المسارات الدولية المزدحمة والطويلة.
هذا الأمر يعلمه جيداً طيارو السورية للطيران، الذين لم تحلق طائراتهم خارج نطاق حدود الشرق الأوسط منذ سنوات، وواصلوا على مدار سنوات الثورة السورية التسع التحليق نحو مطار عبادان في إيران لجلب المرتزقة وعناصر الميليشيات الطائفية والسلاح والذخائر إلى سوريا.
في عام 2017 وحده، تحدثت تقارير عن أن الخطوط الجوية الإيرانية، والسورية للطيران نقلت نحو 21 ألف مسافر بين طهران/عبادان ودمشق (معظمهم من القوات العسكرية أو شبه العسكرية)، بالإضافة إلى إمدادات فاق وزنها 5000 طن.
لذلك فإن الدعم اللامحدود المقدم من ماهان إير للسورية للطيران يأتي في إطار الدعم العسكري والاقتصادي اللامحدود للحلفاء الإقليميين لإيران، والذي تشكل فيه ماهان إير مع السورية للطيران، الجسر الجوي المعزز للأهداف العسكرية والسياسية للحرس الثوري الإيراني في سوريا.