وسط مقبرة مدينة جنديرس بريف عفرين، رفعت شاهدة قبر، كتب عليها "مجهولة الهوية"، وأردفت بعبارة "طفلة لابسي كنزة خضرة" تشير إلى الطفلة، التي دفنها الأهالي في المدينة، ولم يتعرّف إليها أحد، وإلى القسم الشرقي من المقبرة ذاتها، تحضر شاهدة تحمل ذات الأسى، لطفلٍ قضى في زلزال مدينة جنديرس، كتب عليها عبارة "طفل مجهول الهوية ـ سوق الهال".
وفي الساعة السابعة والنصف من صباح يوم الزلزال، كان مشهد قوافل الضحايا الواصلة إلى مقبرة جنديرس التابعة لـ"دائرة الإفتاء والأوقاف والشؤون الدينية"، مهيباً ومرعباً في الوقت ذاته، وفقاً لميسرة الحسين، وهو حفّار قبور يعمل في المقبرة، ويردف: "كلما وصلت دفعة، كنت أقول الحمد لله، فقط هدول، لنتفاجأ بدفعة سيارات أخرى".
كان يتوقع "الحسين" أن تصل أعداد من الضحايا، جراء الزلزال الذي ضرب "جنديرس" المدينة التي يقطنها منذ سنتين، ونجا منه بأعجوبة، لكن لم يتوقع أن تكون بهذا الحجم.
"عدنا للمقابر الجماعية"
أعاد الزلزال مشهد المقابر الجماعية في ريفي إدلب وحلب، لكثرة أعداد الضحايا، وهو مشهد مألوف لدى السوريين، حين دفنوا ضحايا مجازر النظام السوري وروسيا على مدى 12 عاماً في مختلف المناطق السورية.
وعند الدخول إلى مقبرة جنديرس، التي مُلئت بضحايا الزلزال، من الممكن ملاحظة أعداد كبيرة من المقابر الجماعية، تعود لعائلات كاملة قضت بالزلزال، أو تضمّ أفراداً من عائلة واحدة.
"الحسين"، يعمل في المقبرة، منذ سنتين، يقول لموقع تلفزيون سوريا: "لجأنا إلى حفر المقابر الجماعية، لأنه لا يمكن للمقبرة استيعاب هذه الأعداد، نحن نتحدث عن قرابة 600 ضحية وصلت للمقبرة، كما أن الوقت لم يسعفنا نظراً للضغط الكبير".
المشهد ذاته، أعيد لضحايا سوريين قضوا بالزلزال في مدينة أنطاكية التركية، ودفنهم ذووهم في مقبرة جماعية في بلدة "حزانو" شمالي إدلب، كما تكرر في عدة بلدات وقرى في ريفي إدلب وحلب.
يقول خالد زكّور، قريب الضحايا: "وصلنا خبر استشهاد أكثر من 12 فرداً من أقاربنا تحت الأنقاض في تركيا، وبينما كنا نرتّب لاستقبال الجثامين من معبر باب الهوى، جهّزنا القبر الجماعي ليضمّ جميع الضحايا".
ويضيف لموقع تلفزيون سوريا: "حفرنا حفرة كبيرة خشية أن يزداد عدد الضحايا فجأةً.. وصل الضحايا على دفعات، إلى أن دفنّاهم جميعاً، وبقي جزء من الحفرة فارغاً، ردمناه من جديد، المشهد ذكّرنا بشهدائنا الذين دفناهم في مقبرة جماعية سواء بسبب القصف أو خلال هجوم تنظيم داعش على القرية".
مجهولو الهوية
مع الساعات الأولى، وصل إلى مقبرة جنديرس نحو 60 جثماناً كمجهولي الهوية، بحسب محدّثنا "الحسين"، لكن سرعان ما كانت تتضاءل أعدادهم بسبب تعرّف ذويهم وأقاربهم إليهم، واستغرق الأمر أحياناً عدة أيام.
ويوضح الحسين أن مقبرة جنديرس اليوم، تضمّ جثمانين فقط مجهولي الهوية، ويعودان لطفلين اثنين، وقد أشير في الشاهدة لذلك.
ولا يمكن إحصاء أعداد الضحايا مجهولي الهوية، بحسب المحامي حسن قولي وهو عضو في نقابة المحامين السوريين الأحرار ـ فرع حلب، وأحد أعضاء اللجنة التي أشرفت على عمليات إحصاء الضحايا ومجهولي الهوية، كما يجد أن إحصاء الضحايا المعلومين يواجه تحديات، بسبب نقل الضحايا من منطقة إلى أخرى.
ويضيف قولي لموقع تلفزيون سوريا: "شكلنا في اليوم الرابع، لجنة من أجل تنظيم عمليات دفن ضحايا مجهولي الهوية، بعد انتشار عمليات الدفن العشوائية وبشكل جماعي، دون توثيق، من قبل فرق شعبية وأهالٍ، بسبب اضطرارهم لذلك، نظراً للضغط والأمطار".
وبدأت اللجنة أولى مهامها بتوثيق نحو 9 جثامين مجهولة الهوية، بحسب قولي، في مستشفى مدينة عفرين، من خلال تنظيم جدول يضم مواصفات مرتبطة بالضحايا، مثل لون الشعر والعينين والوزن والطول والعمر التقريبي واللباس، بالإضافة إلى ترقيم كلٍ واحدة منها والتقاط صورة وحفظها بأرشيف لحين توفّر أحد من ذويهم، وتم دفنهم في مقبرة كرسانة بريف عفرين.
ويرجّح محدثنا أن "الضحايا الذين دفنهم، قدموا من مدينة جنديرس على اعتبار أن ضحايا عفرين معلومين، ولم تسجل حالات فقد أو مجهولي الهوية".
بينما في مدينة جنديرس، يقول المحامي حسن قولي إن "أعداد الضحايا مجهولي الهوية في البداية، كان كبيراً، إلا أن الشرطة أتاحت قبل دفنهم فرصة للتعرف إليهم، إلى أن وصل العدد إلى 17 شخصاً تم دفنهم في مقبرة مدينة جنديرس بعد كتابة ضبط في ذلك".
ويرى أن "حالات الدفن في بداية الكارثة كانت عشوائية بسبب حجم المأساة والصدمة والضغط على الأهالي والفرق الإنقاذية، وتم تدفن مجهولي هوية بكثرة"، مضيفاً أنّ "المدينة خليط واسع من المهجرين من مختلف المدن السورية، لذلك كان من الصعب التعرّف على ضحايا الزلزال".