لم تضمن عمليات البحث عقب الزلزال المدمر الذي وقع في شمال غربي سوريا نجاة من يتم العثور عليه تحت الأنقاض، وذلك لأن سيارات الإسعاف التي تسابقت لإيصال الجرحى إلى المراكز الصحية أصبحت هي نفسها في وضع حرج بعد مرور 12 عاماً استمر خلالها قصف المشافي واغتيال الأطباء.
استيقظ الناس في السادس من شباط، أي ليلة وقوع الزلزال الأول، على ما ظنوه قصفاً جوياً، وذلك بعد تعرضهم لهجمات وغارات أخذت تضربهم بلا هوادة منذ عام 2011، مع اندلاع الحرب التي بدأت بانتفاضة ضد حكم عائلة الأسد وديكتاتوريتها التي امتدت لـ52 عاماً.
أتى رد بشار الأسد على الانتفاضة بتسوية بلده بالأرض وضربها بالمدفعية والأسلحة الكيماوية والبراميل المتفجرة التي كان يرميها من الطائرات، وهكذا خسر 14 مليون نسمة بيوتهم، وقتل نحو نصف مليون من الشعب.
زاد الزلزالان من حدة المعاناة، إذ يقول الدكتور سامر العطار، وهو طبيب أميركي من أبوين سوريين يعمل على تقديم يد العون للأسر التي عانت بسبب الحرب والزلازل، بأنه أجرى 23 عملية جراحية مختلفة منذ اليوم الأول لوصوله إلى سوريا عقب الزلزالين، ويعقب على ذلك بقوله: "أتذكر كيف بكيت حتى نمت في الليلة الأولى بسبب المعاناة التي استشرت هناك".
تم تقديم شيء من الرعاية الطبية عقب الزلزالين في مشفى ميداني أقيم داخل أحد الكهوف، حيث تم تشييده هناك ليتمتع بصلابة تمنعه من الهدم حال تعرضه للقصف، هذا إن تعرض للقصف أصلاً بسبب صعوبة استهدافه، وقد أثبت المشفى قدرته على الثبات بعد الزلزالين. ولكن في شمال غربي سوريا، حيث توفي 4500 شخص بسبب الزلزالين، أصبحت الجثث تسجى في أروقة مشفى الكهف.
مستشفى الكهف وقصص الناجين
وحول ذلك يقول العطار: "أتذكر شاباً في الثانية والعشرين من عمره أقيمت مراسم خطوبته قبل الزلزال بيوم واحد، إلا أنه فقد أهله كلهم في اليوم التالي، كما أتذكر صبية في السادسة عشرة من عمرها أصيبت بالشلل ابتداء من رقبتها نحو الأسفل، وخسرت هي الأخرى كامل أفراد أسرتها، وأتذكر الصبيتين الشقيقتين اليتيمتين اللتين أصيبت كل منهما بجروح في ساقيها فاحتاجت كل منهما لعدد من العمليات الجراحية. أتذكر أيضاً الطفل البالغ من العمر أربع سنوات والذي عانى من أذية رضية دماغية وأصبح يعيش تحت جهاز التنفس".
كان من بين الضحايا ثلاثة من أولاد زينب علي النجيب، 35 عاماً، والبالغ عددهم ستة، حيث نجا منهم محمد البالغ من العمر ثمانية أعوام، وصفاء، 6 أعوام، وذلك بعد أن تم نقلهما إلى مشفى الكهف لتلقي العلاج، ولهذا تركت زينب أحد ولديها تحت العملية لتحضر جنازة ابن آخر لها، وتحكي لنا ما حدث فتقول: "حاولت أن أتحدث إليهم، إلا أن أياً منهم لم يرد علي، لذا أصبح وقع الصمت لا يحتمل، لأني اشتقت لرؤيتهم وسماع صوت ضحكاتهم، أتمنى لقاءهم ولو لساعة من الزمن، ولهذا أدعو الله أن يجمعني بهم بأسرع وقت، لأنني أعرف أنهم اشتاقوا لي كما اشتقت لهم، ولهذا أتمنى أن ألتقي بهم في الجنة قريباً".
زينب برفقة ثلاثة من أولادها
تقيم هذه الأسرة اليوم في خيمة أقيمت في الموضع الذي تهاوت فيه شقتهم، إذ في شمال غربي سوريا، تسبب الزلزال بتشريد 53 ألف نسمة، وهذا ما زاد من عدد قاطني مخيمات النازحين بسبب الحرب التي أصبحت قديمة.
في الوقت الذي هب فيه المنقذون والأطباء والعاملون في مجال الإغاثة الإنسانية لنجدة أسرة النجيب وغيرها، تواصلت الغارات الجوية على المنطقة، إذ تعرضت لقصف مدفعي بعد مرور أربعة أيام على الزلزال، بحسب ما ذكره سميح فاخوري، وهو متطوع لدى منظمة الخوذ البيضاء، تلك المنظمة التي لديها ثلاثة آلاف عامل في الدفاع المدني، والتي أسست قبل تسع سنوات لتعمل على إنقاذ ضحايا غارات الأسد وهجماته.
متطوعان لدى الخوذ البيضاء وهما ينفذان عملية إنقاذ في سوريا عقب الزلزالين المدمرين في شباط الماضي
مع غياب الأمل بحلول السلام، يعرب العطار عن قلقه اليوم إزاء العمليات الجراحية الضرورية من أجل متابعة الحالات بالإضافة إلى العلاج الفيزيائي وتأمين الأطراف الصناعية، إذ يقول: "سيعاني هؤلاء كثيراً، إذ ما شكل المستقبل الذي ينتظرهم؟"
ومع ذلك يستمر العطار وغيره من أعضاء الجمعية الطبية السورية الأميركية (سامز) التي تقوم بتشغيل 13 مشفى في منطقة الحرب يعمل فيها 2300 موظف، بتقديم المساعدة، حيث يقول: "لا يقتصر الأمر على القدوم لمد يد العون، لأن جزءاً كبيراً من المهام بالنسبة لي يدور حول تقديم شهادة حول ما يجري، والتواصل مع الناس وإبداء التضامن والمناصرة لهم، لأن مجرد القدوم إلى هنا والنظر في أعين الممرضين والأطباء ومصافحتهم والبقاء بجانبهم على الأرض، يجعلهم يدركون بأن العالم صغيراً، وبأنهم ليسوا بمفردهم، وبأن العالم ينهار من حولنا ويتهاوى، وليس لنا سوى بعضنا، وهذا من أحد الأسباب التي تدفعني للعودة كل مرة".
لقد أصبح العطار شاهداً على لحظات الأمل والتقدم، إذ في المشفى الذي تديره سامز بإدلب، عالج العطار ذارعي فتاة في الثانية عشرة من عمرها وساقيها، فاستطاعت منذ ذلك الحين أن تقف على قدميها بمساعدة الطبيب.
وهذا التقدم يعني الكثير بالنسبة للعطار، إذ يقول بأنه مر بأيام عاش فيها حالة يأس وعجز وأخذ يسأل نفسه عما يحققه في سوريا، ولهذا يقول: "تشعر أحياناً بأنك كمن يحاول نقل البحر بكوب صغيرة بما أن الحالات لا تنتهي، والمعاناة لا تعرف أي نهاية، ولا يبدو عليها أنها ستنتهي قريباً، إلا أن ومضات بريق الأمل القصيرة تكفيك لتواصل عملك لشهر آخر".
المصدر: CBS News