الدول الفاعلة في الملف السوري تتجهز لسيناريو وصول ترامب إلى البيت الأبيض

2024.07.29 | 05:32 دمشق

آخر تحديث: 29.07.2024 | 05:32 دمشق

يوتيوب
+A
حجم الخط
-A

بات واضحاً أن غالبية الدول الفاعلة في الملف السوري تتعاطى مع احتمالية وصول ترامب إلى البيت الأبيض بجدية تامة، حيث عززت المؤشرات التي تأتي من واشنطن الشعور بارتفاع حظوظ الحزب الجمهوري ومرشحه ترامب، خاصة بعد المناظرة التي جرت أواخر حزيران/يونيو 2024 بينه وبين الرئيس الحالي جو بايدن والمرشح السابق للحزب الديمقراطي قبل أن يعلن انسحابه من السباق الرئاسي في تموز/يوليو الجاري بسبب الانقسام الذي حصل داخل الحزب على إثر المناظرة التي أظهرت تدهور القدرة المعرفية والجسدية لبايدن. وعلى الرغم من انسحابه والدفع بنائبته للسباق الرئاسي، لا تزال حظوظ ترامب أعلى خاصة بعد الزخم الإعلامي الذي حظي به في أعقاب محاولة اغتياله.

لا يخفي ترامب ولا مرشحه لمنصب نائب الرئيس جيمس ديفيد فانس رغبتهما بالعمل على حل الصراع في أوكرانيا، وتقليص الدعم الذي تقدمه أميركا لكييف وحلف شمال الأطلسي. كما أنه صاحب مشروع الانسحاب من سوريا، وبالفعل أقدم على إعادة انتشار شمال شرق سوريا خلال فترته الرئاسية الأولى وتحديداً أواخر عام 2019 عندما انسحب لصالح تركيا وروسيا من مناطق عين العرب ومنبج وتل أبيض ورأس العين.

تركيا تتحرك بشكل استباقي

تركيا من أوائل الفاعلين في الملف السوري الذين تحركوا لتعديل مسارهم في سوريا وفق استشراف وصول ترامب إلى السلطة وقيامه بإعادة انتشار لقواته في المنطقة، واحتمالية أن تتوقف الحرب الأوكرانية فعلاً، وبالتالي هذين العاملين سيؤديان لعودة روسيا لتكون هي اللاعب الأقوى في الملف السوري. بناء عليه، أبدى الجانب التركي استجابته للوساطة الروسية من أجل إعادة العلاقات بين أنقرة والنظام السوري. وواضح أن تركيا مقتنعة بضرورة إجراء تعديلات على سياستها وتحصيل بعض المكاسب من خلال الدعوات التي أطلقها الرئيس التركي أردوغان من أجل قدوم الأسد إلى تركيا وعقد لقاء مشترك.

روسيا تؤكد عودتها إلى الملف السوري مبكراً

لا تنفصل عملية استقدام روسيا للأسد قبل عدة أيام وبشكل سري وغير معلن، وبدون بروتوكول رسمي، عن سياق توقع عودة ترامب إلى البيت الأبيض. فمن الواضح أن موسكو تراجعت عن الامتيازات البروتوكولية التي أعطتها للأسد عندما كانت تعاني من عزلة دولية مطلع عام 2023. قامت هذه المرة بالتأكيد على أن الأسد والملف السوري في قبضتها، وما شجعها على هذا السلوك هو ارتياحها النسبي في الحرب الأوكرانية إذ أحرزت تقدماً ميدانياً واضحاً فيها منذ أن تركزت الأنظار الأميركية على حرب غزة. بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن روسيا ترجح فوز ترامب الذي يشكل نجاحه تهديداً لتماسك سياسات حلف شمال الأطلسي تجاه موسكو.

أرادت روسيا على الأرجح إظهار عودتها للملف السوري من خلال رسالة استقدام الأسد وكأنه موظف لديها، وهذا قد يكون بداية لفتح باب التفاوض مع ترامب وتركيا معاً على تقليص نفوذ إيران في سوريا مقابل تعاطي الدول بإيجابية مع الأسد والانفتاح عليه، وهذا النهج قد يفضله ترامب بعد عودته للرئاسة الأميركية.

دفعة جديدة من التطبيع الدولي مع الأسد

في 26 تموز/يوليو الجاري عينت إيطاليا سفيراً لها في دمشق، لتكون أول دولة أوروبية بارزة تقوم بمثل هذه الخطوة، التي تبحث روما من خلالها عن إقناع الأسد بوقف تدفق الهجرة من مناطقه، بل والتعاون من أجل تسهيل عودة شريحة من اللاجئين الحاليين من الدول الأوروبية.

تحكم إيطاليا حالياً حكومة يمينية تضع مكافحة الهجرة غير الشرعية على رأس قائمة أولوياتها، وتنسق بهذا الخصوص مع مصر وتركيا وجميع الأطراف الليبية، والآن تتجه للتنسيق مع النظام السوري، خاصة وأن ترامب المحسوب على اليمين أيضاً لا يمانع بأي جهد لمكافحة الهجرة.

وعلى الأرجح تتجه الكويت هي الأخرى لفتح سفارتها في دمشق، وهذا ربما يندرج ضمن النهج المتوقع لترامب في سوريا، والذي سيقوم على الانفتاح على الأسد مقابل تقليص نفوذ إيران. وهو نهج انتهجه ترامب في الملف السوري خلال ولايته الأولى، وبالتحديد في الجنوب السوري، عندما تم توقيع تسوية بمشاركة روسيا عام 2018 تتضمن وقف تسليح المعارضة السورية والسماح للنظام بالعودة إلى الجنوب تحت إشراف روسي مقابل انسحاب الميليشيات الإيرانية.

على العموم، لا يمكن الجزم بالكيفية التي ستسير عليها الأمور في الملف السوري، حتى وإن ربح ترامب الانتخابات الرئاسية، وهذا بسبب التعقيدات الكثيرة في الملف، ونظراً لقدرة البيروقراطية الأميركية العميقة إلى حد لا بأس به على عرقلة الخطوات التي قد ترى فيها تهديداً للمصالح الأميركية، والأهم من ذلك بات من الصعب فك الارتباط بين إيران والأسد.