تحتاج سعدية الصالح (67 عاماً) وزوجها أحمد بطيخ (73 عاماً) إلى قرابة 600 ليرة تركية شهرياً لشراء أدوية السكري وهشاشة العظام، وهو مبلغ يحتاج ابنهم سعد (32 عاماً) - المُعيل الوحيد لذويه- إلى عمل 10 أيام متواصلة في محل لبيع المواد الغذائية بصفته "عامل" في مدينة سرمدا بريف إدلب الشمالي لتأمينه.
تقول السيدة سعدية التي ينادونها "أم علي" لموقع تلفزيون سوريا: "منذ مطلع العام الجاري ارتفعت أسعار الأدوية بما يقارب النصف. كنا نشتري الدواء بـ 385 ليرة تركية شهرياً لي ولزوجي أبو علي، ولكن تفاجأنا مع بداية هذه السنة عندما أخبرنا الصيدلاني بأن السعر ارتفع، وبعض الأصناف فُقدت وبات هنالك بديل عنها".
يقطع أبو علي -مدرس لغة فرنسية متقاعد- الحديث عن زوجته ويقول ساخراً "يا ابني يقول المثل هالوجه متعود عاللطم" ويُكمل: "هو صحيح ارتفعت الأدوية والخبر وصلنا متل صعقة الكهربا.. بس تعودنا يا ابني.. الفقير لشو عيشته؟"، ويُنهي حديثه بالقول: بهالأيام "يُحفظ الدواء بعيداً عن متناول الفقراء".
ارتفاع الأدوية 40 بالمئة
يقول محمود رجب الفني والعامل في صيدلية "بيت الدواء" بمدينة الأتارب غربي حلب (30 كم) منذ ما يزيد عن 10 سنوات، إن بعض الأدوية ارتفع سعرها منذ مطلع العام الحالي في منطقة إدلب ما بين 30 و40 بالمئة، لأسباب غير معلومة، ولكن بعضها -وفق قوله- تأثر بعدم استقرار قيمة الليرة التركية أمام الدولار الأميركي، وخاصّة أن الأدوية التي يتم إنتاجها محلياً أو المستوردة من مناطق النظام السوري، يتم تسعيرها بالدولار الأميركي وليس بالليرة التركية أو السورية.
ووفق رجب فإن أسعار الأشربة ارتفعت بنسبة تراوحت بين 5 و 50 بالمئة حسب سعر علبة الشراب، أمّا القطرات والبخاخات والأمبولات ارتفعت بنسبة تراوحت ما بين 5إلى 25 بالمئة وبعض أسعار التحاميل 40 المئة، والمضغوطات والكبسولات التي يقل سعرها عن 1.5 دولار أميركي بنسبة من 7 إلى 20 بالمئة، فيما ارتفعت أسعار المراهم والكريمات بنسبة تراوحت ما بين 10 إلى 35 بالمئة.
وذكر رجب بعض أصناف الأدوية الشائعة والأكثر طلباً التي طرأ عليها الغلاء أثناء حديثه مع موقع تلفزيون سوريا وقال إن شراب "آزميكس -Azmex" ارتفع سعره بنسبة 40 بالمئة، إذ كان يبلغ سعره قبل الغلاء 1$ وبعد الغلاء أصبح بـ 1.4$، ومرهم "بيكوزول - Becozole" ارتفع سعره بنسبة 35 بالمئة، إذ بلغ سعره 1.50$ بعد أن كان بـ 1.15$، وأمّا تحاميل الأطفال "ريكتوبيكت- Rectopect" فقد بلغ سعرها 1.2$ بعد أن كانت 0.93$، وتحاميل الأطفال الخافضة للحرارة والمسكنة للألم "ديكلوفار - Diclofar" والتي تعتبر الأكثر طلباً فقد بلغ سعرها 1.3$ بعد أن كانت قبل الغلاء بـ 0.9$، وأخيراً مخدّر الإبر "ليدوكائين - Ledocaine" فقد ارتفع 50 بالمئة، إذ بلغ سعره 1.5$ بعد أن كان 1$ فقط.
يتوقف رجب عن طرحه الأمثلة لبعض أصناف الأدوية التي طرأ عليها الغلاء، ويقول: "كل هذا الغلاء ليس لها مبرر لشركات الأدوية المحلية البالغ عددها قرابة 15 شركة منتجة، التي تقوم بتصنيع أصناف مماثلة لها والتي من المفترض أن تكون أسعارها أقل بنصف قيمة الأدوية المستوردة من شركات الأدوية الواقعة في مناطق النظام السوري التي تطغى بداخل كل صيدلية".
لا شفاعة لـ الغلاء
ويُستطرد بالقول: "على الرغم من أجور شحن الأدوية من مناطق النظام السوري التي يطرأ عليها الضرائب والرسوم بالدولار حصراً التي تُدفع إلى ثلاث جهات، هي الفرقة الرابعة، والإدارة الذاتية، والجيش الوطني السوري، وحكومة الإنقاذ السورية، بالإضافة إلى أجور المستودعات وتكاليف عملها من رواتب عمال ومحروقات وغيرها، ولكنها تصل إلى رفوف الصيدليات في إدلب، وسعرها لا يختلف عن سعر باقي الأدوية المصنّعة محلياً المشابهة.
وأضاف: بعض أصناف الأدوية الملحّة والأكثر طلباً المستوردة من شركات الأدوية السورية الواقعة تحت سيطرة النظام، ُمنع استيرادها تماماً وخاصّة أدوية الالتهاب والأطفال، بهدف دعم المنتجات المحلية التي لا تقارن -وفق قوله- بجودة وفعالية الأصناف المستوردة، وأكبر مثال على ذلك هو منع استيراد حبوب أو كبسولات "أوغمانتين - Augmentin" والتي تم استبدالها بتصنيع محلي بـ حبوب "ريموكلاف - Remoclav"، بالإضافة إلى حبوب التشنج الشهيرة "باراسين - Paracine"، والتي تم طرح حبوب بديل عنها محلياً تسمى "دولو سكوب - Dolo scop".
وأكّد على فشل العديد من الأصناف المحلية التي حلّت بديلاً عن المستوردة، وأبرزها إبر الالتهاب "بيتا روس - Beta ross" التي حلّت بديلة عن إبر الالتهاب الشهيرة "روسفليكس - Rociflex"، مشيرةً أن إبر "بيتا روس" أثبتت عدم فعالياتها وتسببت أيضاً بأثار جانبية أبرزها "التحسس"، وعلى إثرها تم سحبها من كافة الصيدليات مؤخراً، إذ كانت تباع الإبرة الواحدة من عيار ألف "0.95$"، بينما يبلغ سعر إبرة "روسفليكس" 1.25$، مرجحاً عدم سحب هذا الصنف من الأسواق إلى اليوم لعدم وجود بديل عنه، كحبوب "فلاجيل - Flagyl" المستوردة التي قد تغيب عن الأسواق قريباً ويتم طرح بديل عنها محلياً لكثرة الطلب.
ماذا ردّت مديرية الرقابة الدوائية في إدلب؟
وعلى إثر كلام الفني "رجب"، هاتفَ موقع تلفزيون سوريا مديرية الرقابة الدوائية في إدلب، ليُجيبنا مدير الرقابة الدكتور "قاسم وهوب" بالتأكيد أولاً على ارتفاع أسعار الأدوية المستوردة في إدلب وفق نشرة تم تعميمها في الـ12 من كانون الأول/ديسمبر العام الماضي، والتي عزّا صدورها بأن سبب الغلاء يعود إلى النظام السوري، لافتاً أن حكومة الإنقاذ لم تُجري أي غلاء على الأدوية المُصنعة محلياً والمشابهة للمستوردة والتي بلغ تعدادها قرابة 2000 صنف، وفق قوله.
وبحسب وهوب فإن الأدوية المحلية لم يكن لها أي دور في رفع سعر الأدوية المستوردة، وقال: "على العكس تماماً. إن الأدوية المحلية حافظت على سعرها، ولذلك كان عاملاً إيجابياً لانتشارها في الصيدليات، ممّا جعلها أن تحل مكان المنتجات المستوردة القادمة من مناطق النظام".
بالنسبة لجودة الأدوية المنتجة محلياً مقارنةً في الأدوية المستوردة، أكّد مدير الرقابة الدوائية أثناء حديثه لـ "تلفزيون سوريا" على أن الأدوية المنتجة محلياً جودتها أفضل من المستوردة؛ لأنها -وفق قوله- تخضع لقرابة في كل عمليات التصنيع (من البداية حتى النهاية)، إذ تخضع لمرحلتين، وهم "النظام التحليلي ومن ثم نظام التيقظ الدوائي"، وأمّا الأدوية المستوردة فتحلّل مرة واحدة عند الدخول فقط.
ولفت إلى أن المعيار الأساسي لمديرية الرقابة هو الإشراف على المعمل المحلي من البداية، معتبراً أن عمل المديرية أثناء الإشراف من البداية يَضمن بالدرجة الأولى عدم وجود أي خطر من أي صنف دوائي مُنتج، على حد وصفه.
ما خيار الفقراء؟
لعلّ ما وردنا أعلاه من غلاء فنّده أصحاب الصيدليات من جهة وتبريرات مسؤولين من جهة آخرى، لم يَشفِ غليل الفقراء في منطقة إدلب، ولذلك أجبر المرضى منهم بأن يواجهوا ارتفاع أسعار الأدوية بعدم التوجه إلى صيدلية أو طبيب خاص، ودفعهم للتوجه إلى المشافي العامة التي تفتقد في غالبيتها إلى الأدوية المحلية والمستوردة وتعتمد على الأدوية التركية والهندية التي يصفها أصحاب الخبرة بأنها "أقل فاعلية وجودة" مقارنة بالسورية.
يرى الممرض محمد عيسى والذي يعمل في أحد المراكز الطبية بريف حلب، أن الأدوية زادت مرات عدّة خلال أقل من عام، وغالباً ما يكون عدم استقرار الليرة التركية أمام الدولار الأميركي هو السبب من جهة وطمع أصحاب المصانع الدوائية من جهة أخرى.
وأوضح أن المشافي العامة والنقاط الطبية على اختلاف تخصّصاتها سواء أكانت مراكز لـ"الكوليرا ، أو كوفيد - أو عيادات الخوذ البيضاء وغيرها.. " تشهد منذ أشهر ازدحامات عدّة من قبل المرضى والسبب الرئيسي هو أن سعر أي وصفة طبية تحتوي على مضاد حيوي ومسكن للألم في الصيدليات، لا يقل عن 200 ليرة تركية، إذ تعتبر هذه الفاتورة أساساً مرهقة للأسرة الفقيرة، وخاصة في ظل تردي الظروف المعيشية وقلة مستوى الدخل، ولذلك يتوجه السكان إلى المشافي العامة بهدف تحصيل أدويتهم بالمجان.
وفي آخر تقرير صادر عن فريق منسقو استجابة سوريا، فإن حد الفقر المعترف به اليوم شمال سوريا ارتفع إلى قيمة 6.473 ليرة تركية، كما بات حد الفقر المدقع 4.669 ليرة تركية، الأمر الذي رفع نسبة العائلات الواقعة تحت حد الفقر إلى 90.93 بالمئة، كما رفع نسبة العائلات التي وصلت إلى حد الجوع 40.67 بالمئة.
وتعتبر نسب معدلات البطالة بين المدنيين شمال سوريا مرتفعة للغاية، وفقاً للتقرير، الذي يؤكد أن نسبة البطالة العامة وصلت إلى 88.65 بالمئة بشكل وسطي، مع اعتبار أن عمال المياومة ضمن الفئات المذكورة.