شهدت الدراما السورية في بداية عام 2021 انتعاشة نوستالجية، إثر رحيل المخرج السوري حاتم علي، الذي خلّف وراءه إرثاً غنياً وشرع الأبواب أمام النقاشات الفنية بين أطياف المجتمع السوري المختلفة، بعد مضي أعوام على انغلاقها.
أدى هذا الحدث المأساوي إلى عودة عدد كبير من السوريين لمشاهدة "أحلام كبيرة" و"على طول الأيام" و"التغريبة الفلسطينية" و"قلم حمرة"، وسرعان ما تحولت الصفحات السورية على مواقع التواصل الاجتماعي إلى مساحة لمشاركة الآراء الفنية والنقدية التي لا تخلو من العاطفة حول هذه الأعمال وقيمتها وواقعيتها. هذا المناخ العام مهد الطريق أمام صناع الدراما السورية، ليجدوا الجمهور السوري متهيئاً لاستقبال الأعمال الجديدة؛ وذلك كان من العوامل التي ساعدت على زيادة غلة الإنتاج لتتخطى المسلسلات السورية والمشتركة (التي تعتمد على كوادر سورية) عتبة الخمسة والثلاثين مسلسلاً لأول مرة منذ 10 أعوام.
لكن سوء الظرف الاقتصادي وتدهور الأحوال المعيشية والخدمية في الداخل السوري، كان لها أثر معاكس، لتظهر بين الجموع السورية أصوات تنتقد ازدهار عجلة الإنتاج في الوقت الذي بات فيه معظم السوريين يعيشون تحت خط الفقر، وطرح كثيرون تساؤلات عن جدوى صناعة هذه المنتجات الثقافية الترفيهية (ولا سيما المحلية منها) في ظل انقطاع التيار الكهربائي المتواصل وفقدان مكونات الحياة الأساسية؛ ليصفها بعضهم بأنها ترف ليس بمقدور السوريين إدراكه.
فعلياً الخطوط التي سارت عليها صناعة الدراما السورية عام 2021، تثبت صحة وجهة النظر هذه، ففي الإنتاجات المحلية نستطيع أن نمايز بين نوعين من المسلسلات، هي:
1. المسلسلات السورية المؤدلجة الموجهة للجمهور بالداخل، التي يستخدمها النظام السوري كأداة للتعنيف الرمزي، ليحاصر من خلالها عقول جماهيره حتى في لحظات الترفيه. وأبرز مثال عليها هو مسلسل "لأنها بلادي" الذي أخرجه نجدة أنزور هذا العام، بالتزامن مع مسرحية الانتخابات التي مددت لبشار الأسد زمن حكمه لولاية رابعة. فهذا المسلسل يروج للعسكرة، ويدعو المشاهدين للمشاركة في الدفاع عن الوطن والقائد والعلم؛ وينتهي المسلسل بمرسوم رئاسي وكأنه نشرة أخبار، يكرم فيه بشار الأسد جنوده ويثني على تضحياتهم.
والجدير بالذكر أن هذا المسلسل تم تقديمه لطلاب المدارس في نزهات "ترفيهية" إلى صالات السينما بدمشق. كيف لا وهو مسلسل أُعِدّ ليكون وجبة أيديولوجية يجب أن تقدم لكل السوريين؟
2. المسلسلات السورية السياحية الموجهة للجمهور في الخارج. وفي هذه المسلسلات يتم تلميع صورة مدينة دمشق وإعدادها كفضاء محايد يمكن استثماره درامياً لتقديم منتجات ترفيهية تناسب الجمهور العربي، ولتعود الدراما السورية إلى خريطة المحطات العربية وتنافس الدراما المصرية واللبنانية والمشتركة مجدداً. وفي سبيل ذلك، صورت العديد من المسلسلات السورية هذا العام دمشق خاليةً من صور الأسد ومن المظاهر العسكرية، كما هو الحال في "ضيوف على الحب".
ووصل الحد ببعض الأعمال إلى التخلي عن الرموز السياسية التي تمثل النظام حتى في المشاهد التي تتم في دوائر الشرطة وفروع الأمن، ليتم الاستعاضة عن الأعلام والصور في مسلسل "قيد مجهول" بخريطة محايدة لسوريا. فهذه المسلسلات تهدف للربح فقط، وهي مستعدة للتخلي عن أي ملامح قد لا تتقبلها بعض الشرائح من الجمهور العربي.
وبالإضافة إلى هذين النوعين، فإن المسلسلات السورية المحلية تتضمن أيضاً خطاً ثالثاً، ترتدي فيه الدراما أقنعة التاريخ والجغرافية لتهرب من الواقع الاجتماعي والثقافي والسياسي المعاصر، من بوابة البيئة الشامية غالباً. ويقابل هذه المسلسلات المحلية، المسلسلات المشتركة، التي بات الجمهور العربي يفضلها مؤخراً، والتي بات من الممكن أن نميز فيها بين المسلسلات التي تعتمد على لبنان كفضاء درامي، أو على دبي. والمسلسلات المشتركة شهدت بدورها انتعاشة إنتاجية، بفضل منصات العرض الرقمية، ليزداد عددها بشكل كبير هذه السنة مع توسع نشاط منصة "شاهد".
هذا التنوع بسياقات الإنتاج زاد من عدد الأعمال الدرامية عام 2021 بشكل ملحوظ،، وخلق مسلسلات كثيرة منوعة، منها الجيد والمتقن ومنها الرديء. ومن العوامل التي ساهمت بزيادة عدد الأعمال الدرامية المنتجة هذه السنة، الشلل المؤقت الذي أصاب الدراما المشتركة عام 2020، إذ أُجِّلَت بعضُ الأعمال لتعرض عام 2021، منها: "2020" و"داون تاون". وبالإضافة إلى ذلك كله، فإن المنصات الصغيرة المستقلة التي أسسها السوريون على "يوتيوب" كان لها دور هذا العام بزيادة غلة الإنتاج، إذ شهدت هذه السنة نضوج بعض التجارب، كما هو الحال مع منصة "نيودوس" التي قدمت مسلسل "بيت أبو لمعة" في رمضان على قناتها على "يوتيوب"، والذي لا يقل بمستواه الفني والتقني عن معظم المسلسلات السورية المحلية التي أنتجت داخل سوريا.
أفضل خمسة مسلسلات سورية ومشتركة عام 2021
-
للموت:
المسلسل الذي أنتجته شركة "إيغل فيلم"، للمؤلفة نادين جابر، والمخرج فيليب أسمر، كان بلا شك واحداً من أفضل المسلسلات التي قدمت خلال العام الماضي؛ إذ بدا العمل وحيداً يغرد خارج السرب، بعد أن استفاد من كل ما راكمته الدراما الواقعية الفائقة، التي دخلت الشاشات العربية من بوابة المسلسلات المكسيكية المدبلجة ومن بعدها التركية؛ ليحافظ "للموت" على المتعة البصرية والدرامية في هذا النوع من المسلسلات، ويعززها بهوامش واقعية لا تقل جمالاً عن الحكاية الرئيسية.
-
اعترافات فاشونيستا:
بفكر جديد ومختلف كلياً، قدمت منصة "شاهد" مسلسل "اعترافات فاشونيستا"، بعد ورشة كتابة ضمت سندرين زيتون ومازن فايد وناديا طبارة؛ لتكون النتيجة مسلسل يملك حساسية عالية تجاه الواقع الاجتماعي الجديد وقضايا المرأة في عصر السوشيال ميديا.
-
حارة القبة:
في الوقت الذي بدأنا نشعر فيه أن دراما البيئة الشامية قد وصلت إلى طريق مسدود، جاء مسلسل "حارة القبة" ليثبت أن المشكلة لم تكن تتعلق يوماً بنوع هذه المسلسلات أو فضائها الدرامي، بل برداءة الحكايات التي كانت تبنى عليها ونمطية الأداء المتبع في تقديمها. فالمسلسل الذي أنتجته شركة "عاج"، للمؤلف أسامة كوكش والمخرجة رشا شربتجي، تجاوز هذه المشكلات ونجح بتدعيم دراما البيئة الشامية من خلال فضاءات القرى القريبة المعاصرة لها، والمهمشة درامياً.
-
قيد مجهول:
هو المسلسل السوري الأول للمنتج محمد مشيش، بعد العديد من التجارب المصرية، والتجربة الإخراجية الأولى للسدير مسعود، عن نص للكاتبين لواء اليازجي ومحمد أبو اللبن. فعلياً لم ينجح أي مسلسل سوري آخر في الأعوام الأخيرة بإثارة حالة الجدل التي أثارها "قيد مجهول"؛ الذي لا يمكن التغاضي عن الأخطاء الكبيرة في العمل على مستوى الحبكة. إلا أن الأداء الذي قدمه عبد المنعم عمايري في تجسيد الشخصية الرئيسية، وكاميرا السدير مسعود، جعلا المسلسل يستحق أن يكون في قائمة الأعمال الأفضل.
-
خريف العشاق:
قليلة هي المسلسلات السورية التي تناولت الواقع السياسي السوري في الثمانينيات، وقد يكون أفضلها مسلسل "خريف العشاق". فعلى الرغم من أن المسلسل، الذي أنتجته "إيمار الشام" للمؤلفة ديانا جبور والمخرج جود سعيد، لم يخرج من قوقعة سردية الضابط الفاسد ورمي المسؤولية على الأخطاء الفردية، إلا أنه يعتبر الأكثر جرأة بطرح تلك المرحلة، والأكثر جمالية أيضاً برسم الصورة وبالأداء.
أسوأ خمسة مسلسلات سورية ومشتركة
-
السنونو:
خيبة أمل كبيرة أصابت الجمهور السوري الذي انتظر عودة ياسر العظمة إلى الساحة الدرامية. فمسلسل السنونو لم يكن سوى إعلان طويل لدولة الإمارات ورحلاتها البحرية، من الصعب أن نتلمس فيه أي خط درامي واضح. الأمر الذي جعل غالبية الجمهور يعزفون عن متابعة المسلسل تباعاً؛ فالغالبية لا يعرفون ما حدث في الحلقات الأخيرة، وليس لديهم الفضول.
-
الكندوش:
مسلسل "الكندوش" أيضاً كان من أبرز الأعمال المرتقبة لكونه أعاد إلى الشاشة الثنائي أيمن زيدان وسامية الجزائري بعد سنوات من الانقطاع؛ لكنه جاء مخيباً للآمال بدوره. فعلى الرغم من التصريحات النارية التي سبقته، والتي وصفته بأنه مسلسل يصحح مسار دراما البيئة الشامية، فإن أغلب المتابعين والعاملين في المسلسل خرجوا بعد ذلك لينتقدوا المسلسل بشدة، ووجهوا سهامهم إلى الكاتب حسام تحسين بك، الذي جعله زملاؤه كبش الفداء.
-
نسونجي بالحلال:
رداءة المسلسل تتخطى كل الحدود الممكنة، فهي لا تتعلق فقط بسخافة النص وتصنع الأداء وحسب، بل تتعلق أيضاً برداءة الفكر الذي يقوم عليه المسلسل؛ فهو عمل يرسخ لكل المفاهيم الذكورية في المجتمعات الأبوية، ولا يجد ضيراً بتعنيف المرأة وتسليعها. هذه الأفكار يقدمها في حكاية نسجت بسياق معاصر، وكأنه استجابة للتطورات الناجمة عن أزمة كورونا، ليبدو أن كل الأزمات التي قد تحدث في العالم لن تضع حداً للسخافة والرداءة الفنية.
-
بعد عدة سنوات:
إنه مسلسل رديء إلى حد الإضحاك، يقدم حكاية طويلة تمتد على ثلاثة عقود، ليصل إلى نتائج سياسية مؤدلجة تروي ما حدث في سوريا من وجهة نظر النظام. فعلياً المسلسل سيئ على كل الأصعدة، نصاً وتمثيلاً وإخراجاً، ولكن الحيل الإخراجية البسيطة المتبعة لمعالجة تقدم الزمن وتصعيد الحكاية تولد الهزل والضحك. كما هو الحال في الباروكات التي ترتديها الممثلات كدلالة على تقدم الزمن.
-
بارانويا:
آمال كبيرة عقدها صناع المسلسل على "بارانويا" جعلتهم يغالون في الترويج له قبل عرضه، ليظهر قصي خولي بمكياج الشخصية في حفل توزيع جوائرز"موركس دور" ويعرض نفسه للسخرية في سبيل التسويق للعمل. المشكلة أن النتيجة النهائية كانت رديئة لأبعد الحدود، فهو المسلسل الأسوأ بين كل الأعمال الدرامية التي دمجت بين الدراما النفسية والأكشن في الأعوام الأخيرة.