في مبنى الهجرة والجوازات في السويداء مئات المواطنين يوميا يتزاحمون على الحصول على جواز سفر بانتظار فرصة للهجرة خارج البلاد، هربا من الوضع المأساوي والمعيشي الخانق الذي يعاني منه سكان المحافظة وانعدام فرص العمل.
يتزامن هذا المشهد يوميا مع وجود سيارات فارهة كبيرة يستقلها أشخاص من ذوي اللحى الطويلة يعدون أحد مفرزات الأزمة مستفيدين من تدهور الوضع الأمني ليمارسوا أعمالا سوداء مشبوهة كالتهريب والمخدرات والخطف تدر عليهم الملايين.
وتعتبر محافظة السويداء من المحافظات الفقيرة في البلاد حيث يعتمد اقتصادها على الزراعة والقليل من المشاريع التجارية والصناعية الصغيرة، إلا أنه مع التغير المناخي بدأ المزارعون يتوجهون إلى مراكز المدن أو إلى السفر خارج القطر، وهنا بدأ اعتماد الاقتصاد يتزايد على الحوالات الخارجية التي كانت بفترة من الفترات تدعم المشاريع الزراعية، إلا أن التغير المناخي كان أسرع وأضاف ضغطاً أكثر على الهجرة من السويداء.
انهيار مستويات المعيشة
تأمين احتياجات الأسرة في سوريا بات يشبه المعجزة، دخول بسيطة مع قلة في فرص العمل وانتشار البطالة، يتزامن مع ارتفاع حاد في الأسعار يجعل المواطن في حيرة من أمره لتدبر أموره بين أتباع أساليب ملتوية وبين بيع ما يملك بانتظار ساعة الفرج، وبين البحث عن السفر خارج البلاد لينقذ أسرته وأبناءه، في ظل استمرار الوضع الراهن الذي سيؤدي إلى الانهيار الحتمي.
يقول "م. م"، موظف رفض الكشف عن هويته، لموقع "تلفزيون سوريا" أتقاضى 200 ألف ليرة سورية وبحاجة في الشهر إلى 8 ملايين ليرة فقط لتأمين احتياجاتي الأساسية، هذا من دون أن نحسب ثمن مازوت التدفئة أو إذا مرض أحد أفراد العائلة.
من جهتها، تقول "ه.ح" إن "اثنين من أفراد أسرتها يدرسان في الجامعة وكل واحد بحاجة لمبلغ يصل الى 400 ألف ليرة بالحد الأدنى، وكان لدينا تفكير بأن نخرج أحد الأبناء من الجامعة ليكمل أخوه إلا أن هناك جمعيات خيرية تكفلت بدفع جزء من المصاريف"، لافتة إلى أن العيش في البلاد أصبح ضاغطا ومؤثراً، ولا يستطيع كثيرون تأمين الحاجات الأساسية لعائلاتهم.
بدوره، يقول "و. ج" إنه موظف يستلم من راتبه أقل من 100 ألف ليرة، لأن عليه قروضا استخدمها لتأمين حاجات أساسية لأسرته"، لافتاً إلى أن ما تبقى من الراتب لا يكفي أجور النقل إلى مكان عمله.
تهميش.. ومشاريع مسيسة
يقول الخبير الاقتصادي شمس حنا، في حديثه لموقع "تلفزيون سوريا"، إن السويداء عانت كغيرها من المحافظات الصغيرة للتهميش من قبل الحكومة، حيث كان التوجه التنموي يركز على المدن الكبرى خاصة دمشق وحلب.
ويضيف حنا، حتى ضمن المحافظة الواحدة كان التركيز على مراكز المدن أكثر من الأرياف، وهذا كان عاملاً مساهماً في ازدياد نزوح الأهالي من السويداء قبل الحرب إلى مدن أخرى مثل دمشق، في حين كان من المنطقي أن يساعد النظام التنمية في الريف.
ويتابع قوله، حتى مشاريع التنمية التي أقيمت في السويداء كانت تسيس لتخدم صورة النظام، مستغلا التوزع الديني والإثني في المحافظة حيث يمكن الإشارة إلى ما قام به في قرية خربا التي يقطنها سوريون مسيحيون ليشجع عودتهم خدمة لأجندته ولتلميع صورته بأنه حام للأقلية المسيحية أمام المجتمع الدولي والشيء المعاكس الذي قام به في قرى الأصفر في الريف الشمالي الشرقي للمحافظة.
الوظيفة العامة.. بين الفساد والتسرب
يقول الصحفي الاقتصادي أحمد أحمد (اسم مستعار) إن "أهالي المحافظة يعتمدون على الوظيفة في الجهات العامة، وهؤلاء هم أكثر المتأثرين من الأزمة حيث كان متوسط دخل الفرد قبل الأزمة يقدر بـ 300 دولار، أما الآن فإن الحد الأعلى للأجر (سقف الراتب) لا يتجاوز 22 دولارا أميركيا، حيث هناك فجوة كبيرة جداً بين الراتب وتكاليف المعيشة التي تقدر بأكثر من 9.5 ملايين ليرة شهريا لأسرة مكونة من 5 أشخاص.
ويضيف الصحفي، أن "سياسة الحكومة بعدم رفع الرواتب والأجور للموظفين وتحديد سقف الرواتب لهم، دفع كثيرا من الموظفين إلى اتباع أساليب ملتوية في أداء عملهم وانتشار الفساد في قطاعات عدة، حتى يتمكن من تأمين جزء من احتياجات أسرته"، لافتاً إلى أن "المئات يتسربون سنويا من الوظائف العامة وخاصة أصحاب المهارات والسفر أو العمل بمهن أكثر إنتاجية تؤمن لهم دخلاً أفضل.. وهذا مؤشر سلبي على تطور الوظيفة العامة في البلاد.
الخطف يهجر المشاريع
بعد اندلاع الأزمة في البلاد توجه الآلاف من أبناء المحافظات التي شهدت اضطرابات أمنية إلى السويداء مستغلين المناخ الآمن نسبيا في المحافظة، تزامن ذلك مع نقل العديد من هؤلاء لمشاريع تجارية وورش صناعية إليها أدى إلى انتعاش الوضع الاقتصادي إلا أن هذا الوضع لم يدم بسبب أعمال الخطف الغريبة عن عادات وأعراف المحافظة في حماية الغريب عنها.
ويقول حنا بهذا الخصوص إن عمليات الخطف في السويداء والتي استهدفت في فترة من الفترات أبناء المحافظات الأخرى من أصحاب الأموال والمشاريع كانت مدروسة وهادفة ليس فقط لمنع كل المحاولات لبناء مشاريع اقتصادية وتنموية بالمحافظة وإنما أيضاً لزعزعة الوضع الاجتماعي وتصعيده في المحافظة وتشويه صورتها وإلباسها طابعا تخويفيا لأي شخص ينوي القدوم إليها.
تعزيز عمل العصابات على حساب الاقتصاد النظيف
عن ظواهر التهريب والخطف والاتجار بالسلاح والمخدرات يقول حنا إن هذه الأمور أدت إلى تغير توزيع الثروات وموازين القوى بالمحافظة لصالح الأشخاص الذين عملوا بهذا المجال وأدى إلى تعزيز عمل العصابات والميليشيات على حساب اقتصاد نظيف وعادل في المحافظة.
الحوالات تنقذ الأسر
تشكل الحوالات في السنوات الأخيرة المصدر الأساسي لسكان المحافظة خاصة مع انهيار العملة السورية وضعف الأجور والرواتب لذوي الدخل المحدود والعاملين بالمهن الحرة وغيرهم.
ويقول أحمد إن نسبة الهجرة في المحافظة مرتفعة ولا يكاد يخلو بيت من مغترب أو مقيم في الخارج، حيث ينتشرون في العراق والإمارات ولبنان وأوروبا كما أن المحافظة تشتهر بالاغتراب منذ عقود إلى فنزويلا ونيجيريا وأستراليا وغيرها.
ويضيف، أن الحوالات هي التي تدعم الأسر في المحافظة خاصة مع تدهور مستويات المعيشة في سوريا من جراء الأزمة والعقوبات وتجاوز نسبة الفقر حاجز 90 %"، لافتا إلى أنه لا يوجد رقم رسمي لحجم الحوالات في المحافظة بسبب القنوات غير الرسمية في تصريف القطع الأجنبي.
السويداء خارج مشاريع التعافي المبكر
بخصوص مشاريع التعافي المبكر يقول حنا إنه من الواضح أن النظام يستخدم قطاع المساعدات لمصلحته بعد سنين الحرب والزلزال المدمر، كما أن مشاريع الأمم المتحدة مرهونة بموافقة ومفاوضات مع سلطات الأمر الواقع.
ووفقاً لحنا، لا يوجد للمنظمات الدولية صلاحية كاملة لتنفيذ برامج التعافي المبكر بحرية، بينما يستطيع النظام منع أي مشروع ضمن المحافظة إن لم يكن لا يتناسب مع مصالحه وأهدافه السياسية.
المجتمع الأهلي والجمعيات
يقول أحمد، مما يساهم في الحد من الآثار الكارثية لانهيار مستويات المعيشية في البلاد هو قيام المجتمع المحلي والمغتربين وجمعيات أهلية بتقديم مساعدات للأهالي.
ويضيف، من هذه المبادرات قيام المغتربين بمساعدة من يحتاج إلى عمليات جراحية من خلال تحمل تكاليفها، أو مساعدة الأسر المحتاجة بسلل غذائية شهرية، بالإضافة إلى وجود جمعيات تقوم بمساعدة الطلاب من خلال تقديم مبالغ شهرية لطلبة الجامعة من الأسر الفقيرة.
ويتابع القول، كما أن المنظمات الدولية كانت تقدم سلات غذائية للمحتاجين، إلا أن هذا الأمر تأثر في الفترة الأخيرة.