تأخذ المناظر الجبلية المليئة بأشجار الزيتون والسنديان والكرمة عين الناظر على جانبي الطريق الجنوبي الغربي الخارج من مدينة راجو شمالي عفرين بسحر المشاهد الخلابة الخضراء والكثير من البيوت الطينية والحجرية العتيقة، والتي تضفي مزيداً من الجمال على المكان خصوصاً لأولئك المقيمين في مراكز المدن والباحثين عن متنفس خارج ضجيج وصخب الحياة السريع.
قليلة هياكل الأبنية الطابقية هناك حيث القرى الصغيرة والنائية المنتشرة في السهول وعلى رؤوس الجبال.
نمر بجانب قرى "عطمانلي" و"حاجي كانلي الفوقاني" وقبل الوصول لقرية "حسن كلكاوي" تقف شجرة دلب عملاقة على جانب الطريق يتجاوز عمرها عمر من مر من جوارها، وتحت ظلها بئر قديم يسقي المارة وأبناء القرية المجاورة.
نصل أخيراً لوجهتنا في قرية "قوده كوي" وكلمة قوده بالكردية تعني "القامة العالية المرتفعة" ومنها تم تسمية القرية بـ "المرتفعة" حيث تقع القرية على قمة مرتفع جبلي ذي انحدارات شديدة من جهاتها الأربعة.
هناك حيث توقف الزمن منذ سنوات عديدة، باستثناء الطريق المعبد المؤدي للقرية وجزء من طرقاتها الداخلية. تفتقر القرية للخدمات العامة الأساسية فلا صرف صحي ولا شبكة للمياه تصل القرية وطرقات ترابية وصخرية تصعب الحركة بين منازل الضيعة.
يتشابه نمط الحياة وأساليب العيش في عشرات القرى في راجو ذات الجغرفيا الجبلية المرتفعة، ولهذا ستكون قرية "قوده كوي" مثالنا لتوضيح الواقع الصعب.
الاعتماد على مياه الأمطار لعدم وجود بئر إرتوازية
يعتمد أبناء قرية قوده كوي والقرى المحيطة بها على مياه الأمطار لملء خزانتهم الحجرية "الجب" المحفورة تحت المنازل، وتختلف سعة هذه الخزانات من منزل لآخر فمنها ما يبلغ سعته 15 ألف لتر ومنها ما يصل سعته إلى 66 ألفاً، والتي يمكن أن تكفي أصحابها خلال فترة الصيف حتى هطول الأمطار مع بداية فصل الشتاء.
لكن شح هطول الأمطار خلال الشتاء الفائت تسبب بأزمة مائية لسكان القرية فلم تكن كميات الأمطار كافية لملء الخزانات المحفورة تحت الأرض الأمر الذي يجبر سكان القرية على الاقتصاد والتقنين باستخدام المياه لحدود قصوى بسبب ارتفاع أسعار المياه عن طريق الصهاريج والتي وصل سعر برميل المياه فيها إلى 2000 ليرة سورية.
برميل المياه بـ 2000 ليرة سورية.. ما سبب السعر المرتفع؟
يعود السبب الرئيسي لارتفاع سعر المياه في القرية لعدم وجود بئر إرتوازية يغذي بيوتها البالغ عددها حوالي 200 منزل، ولبعد القرية عن مركز مدينة راجو وارتفاعها العالي وانحدار طرقاتها الصخرية غير المعبدة الأمر الذي يتسبب بصعوبة وصول الصهاريج لبعض المنازل.
في حياة ريفية جبلية يعتمد فيها الأهالي على الأمطار بشكل أساسي في تسيير أمورهم الخدمية والاقتصادية يتفقد أبو سلمان أحد سكان القرية جب منزله بشكل يومي ويقول: "في هذا الحر تعد المياه أهم حاجة لدينا، يومياً أقوم بتفقد الجب والتأكد من كمية المياه المتبقية فيه على أمل أن تكفيني أطول فترة ممكنة، طلبت من عائلتي تقليل استخدام المياه لأقل درجة ممكنة حتى صرت أمنع أطفالي من الاستحمام بشكل يومي لخوفي من نفاد الكمية المتبقية واضطراري لشراء المياه بأسعار مرتفعة".
تلقي أزمة المياه ظلالها على جميع مناحي الحياة تزيدها صعوبة نقص الخدمات والمساعدات الإنسانية المقدمة لسكان القرية بحسب ما يصف الحاج محمد الحاج أحد المقيمين في القرية، ويقول: "نحن مقيمون في منطقة شبه نائية بعيدة عن راجو حوالي 8 كم وبارتفاع شاهق لا تصلها الخدمات إلا بصعوبة سواء المياه أو المواصلات أو المساعدات الإغاثية، والقرية باتت مكتظة بعد وصول المهجرين إليها من مختلف المناطق والجميع يعاني من شح المياه ونقص المساعدات الإنسانية.. المنطقة تعتمد على تجميع مياه الأمطار في الأجباب هذا الأمر يعني أولا أن تكون عرضة للتلوث ومن ناحية ثانية أن تتأثر بكمية الأمطار، ولبعد وارتفاع القرية فأسعار المياه عبر الصهاريج مرتفعة جداً حيث وصل سعر الصهريج إلى 30 ألف ليرة سورية".تضفي الحياة الريفية والجبلية طابعها الخاص على الحياة اليومية لسكان القرى، وخلف المناظر الطبيعية والخلابة للجبال المكسوة بخضرة أشجارها، تختفي ملامح الشقاء وصعوبة الحياة في قرى تنتظر هطول المطر وتتأثر بغزارته وشحه.