فشلت العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا في بداياتها في شق صف الدفاع الأوكراني المتماسك، إذ بالرغم من أن الروس أعادوا تنظيم أنفسهم وسيطروا على مناطق واسعة من إقليم الدونباس جنوب شرقي أوكرانيا، إلا أن كفة الحرب لم ترجح لصالح روسيا. وفي الوقت الذي يواجه فيه الجيش الروسي هجمة مضادة قاسية من قبل الأوكرانيين، قد يصبح أكبر تحد يواجهه الروس هو تأمين المناطق التي سيطروا عليها، ضمن عمليات تعرف بالمصطلح العسكري بعمليات نشر الاستقرار.
بدأت عمليات نشر الاستقرار في المناطق التي تحتلها روسيا ضمن أوكرانيا، إذ ألمح الكرملين إلى إجراء استفتاء في تلك الأراضي التي ضموها لروسيا، وذلك في 11 أيلول المقبل. وفي تلك الأثناء، ما يزال المقاتلون الأوكرانيون غير النظاميين في تلك الأراضي المحتلة يقاومون الاحتلال، حيث قاموا بتدمير مبان تابعة للقيادة السياسية الروسية في ميليتوبول وماريوبول، في حين انخرط الجيش الروسي بشكل فعلي في عمليات نشر الاستقرار وذلك لحشد الدعم من أجل إجراء استفتاء هناك ولقمع المقاتلين الأوكرانيين غير النظاميين، إلا أن جهودهم في تلك العمليات محكومة بالفشل، وذلك نظراً لطبيعة الجيش الروسي.
لم يؤسس الجيش الروسي بالأساس ليقوم بعمليات نشر استقرار، وذلك لأن قوام هذا الجيش يعتمد على عنصر أساسي وهو كتائب المجموعات التكتيكية التي تتألف من 800 جندي تقريباً، وعشر دبابات، و40 مركبة مقاتلة تحمل مشاة، وعدد كبير من سلاح المدفعية، وتلك القطعات تعتمد بشكل كبير على دباباتها وقطعات المدفعية التابعة لها، والتي بوسعها أن تشن عمليات قصف بسلاح ثقيل بعيد المدى. بيد أن الجيش الروسي يقوم حالياً بتقسيم المجموعات التابعة لتلك الكتائب إلى متطوعين ومجندين وفلول سابقة من تلك الكتائب. وفي الوقت الذي تسعى فيه تلك القطعات لقتال الجيش الأوكراني، تم فرز عدد كبير منها لتقوم بعمليات نشر الاستقرار في الأراضي الأوكرانية المحتلة.
خلاف محتمل
ومن التعقيدات التي تتعرض لها عمليات نشر الاستقرار حرب المدن، والتي تحتاج لجنود مشاة نشر الاستقرار، إلا أن نسبة المشاة في تلك الكتائب تقل عن الربع، وللتغلب على تلك المشكلة، أصبح الجيش الروسي يعتمد على جنود بالوكالة أو قطعات شبه عسكرية لزيادة تعداد الجنود المشاة لديه. إلا أن تلك القطعات تفتقر للتنظيم إلى حد كبير كما أنها غير مزودة بالعتاد الملائم، فضلاً عن الأدلة التي ظهرت مؤخراً والتي تشير إلى احتمال وجود خلاف بين تلك القطعات شبه العسكرية والكرملين.
المدفعية وتقويض الأمن
ثمة مشكلة أخرى يعاني منها الجيش الروسي، وهي أنه يستعين بالمدفعية بشكل مفرط، حتى في عمليات نشر الاستقرار، على الرغم من أن سلاح المدفعية الذي يعتبر العتاد الأساسي لكتائب المجموعات التكتيكية ليس دقيقاً بالضرورة، إذ يمكن أن يصيب أعياناً مدنية ضمن المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، وهذا بدوره يمكن أن يدمر البنية التحتية الأساسية ويزيد من كراهية الأهالي تجاههم، بما يقوض الأمن في تلك المنطقة.
أسلوب التخويف
بوجود حالات القصور تلك، أصبح الجيش الروسي يعتمد على الخوف والترويع لإخضاع الأهالي، خاصة عندما يدخل إلى المنطقة برفقة الجماعات شبه العسكرية. ففي سوريا، قصف الجيش الروسي بشكل عشوائي أهدافاً عسكرية وأعياناً مدنية بهدف ترويع كل من تسول له نفسه أن يقف ضده. أما في جورجيا والقرم، فقد حرمت قوات الاحتلال الروسي الأهالي من الخدمات الأساسية إلى أن يتنازلوا عن جنسيتهم الأصلية ويحصلوا على جوازات سفر روسية. ويبدو أن الروس يتبعون اليوم توجهات مماثلة في الأجزاء التي يحتلونها من أوكرانيا.
خسائر دون تحقيق أهداف
إلا أن تلك الأساليب لم تحقق كبير إنجاز للجيش الروسي، إذ مثلاً خلال احتلاله لأفغانستان لمدة عشر سنوات، خسر الجيش السوفييتي حينذاك 15 ألف جندي، مقارنة بعدد القتلى من الأميركيين الذي لم يتجاوز 2500 جندي على مدار عشرين عاماً. وخلال عملياته الأخيرة في سوريا والشيشان وجورجيا، أدت عمليات نشر الاستقرار التي قام بها الجيش الروسي هناك إلى ظهور مشكلات إنسانية وأزمات لجوء وتقريع دولي، على الرغم من أن الروس لم يحققوا أياً من أهدافهم النهائية في تلك الحالات.
من المحتمل أن تكون السيطرة على الأراضي المحتلة في أوكرانيا أصعب على الروس مقارنة بما حدث في سوريا أو الشيشان أو جورجيا، فقد كشف تقرير بأن 77% من الأوكرانيين الذين يعيشون في المناطق التي يسيطر عليها الروس لا يؤيدون ذلك الاحتلال، في حين أشار تقرير آخر تم إعداده قبل الحرب بأن نسبة كبيرة من الأوكرانيين، بينهم من أبناء العرقية الروسية، على استعداد لحمل السلاح ضد الغزاة الروس، وهؤلاء المقاتلون غير النظاميين من أبناء أوكرانيا قد يحصلون على أسلحة متطورة يمدهم بها الجيش الأوكراني، والمجتمع الدولي. وبالنظر إلى جغرافيا المنطقة، نجد أنه من الصعب على الروس منع ذلك العتاد من التدفق. ثم إن الأوكرانيين أبدوا براعة منقطعة النظير في مجال التقانة، حيث استفادوا من التقانة التجارية لأغراض عسكرية.
استنزاف الجيش الروسي
في هذه الأثناء، يقوم الجيش الروسي باستنزاف موارده من حيث العدة والعتاد، في غزوه لأوكرانيا، إلا أن التحركات الأخيرة الساعية لحشد قاعدة دفاعية وتشكيل فرق من المتطوعين قد تخفف من حدة تلك المشكلات، غير أن معظم تلك الموارد ستخصص للتصدي للهجمة الأوكرانية المضادة. ومن المرجح ألا يحظى الجنود الذين سيتم نشرهم لتنفيذ عمليات نشر الاستقرار بتدريب جيد على حرب المدن ومكافحة التمرد. كما سيفتقر الروس للمواد والموارد الأولية اللازمة لإعادة بناء المناطق الأوكرانية التي دمروها خلال غزوهم، وهذا بدوره سيؤدي إلى ظهور حالة تمرد في حال عدم استعادة البنية التحتية الأساسية لتلك المناطق.
في حال فشل الهجوم الأوكراني المضاد، وقيام روسيا بضم أجزاء من جنوب شرقي أوكرانيا، فإن ذلك لن ينهي الحرب بالنسبة للروس، إذ من خلال ما رأوه من الأنشطة العسكرية الأميركية في كل من العراق وأفغانستان، من المرجح أن يبقى الجيش الروسي في المناطق الأوكرانية المحتلة لفترة طويلة من الزمن. ولكن بالنظر إلى الأساليب التي يتبعها هذا الجيش وطريقة تنظيمه، لا بد له أن يتعرض لتحديات جمة عند محاولته تأمين تلك المنطقة، دون أن يتمكن من السيطرة عليها بشكل كامل.
المصدر: فوربس