بالتوازي مع الآلة الإعلامية الضخمة التي تمتلكها هيئة "تحرير الشام"، والإعلام الرديف الذي يدور في فلكها، هناك ذراع إعلامية من نوع آخر تديره الهيئة بطريقة غير مباشرة يسمى في الشمال السوري بـ "الذباب الإلكتروني" أو "ذباب الهيئة"، بينما يطلق عليه أنصار الهيئة والعاملون فيه اسم "الجيش الإلكتروني الرديف"
من هم عناصر "الجيش الإلكتروني"؟
تعود بدايات تشكيل "الجيش الإلكتروني الرديف" إلى مطلع عام ٢٠١٦، وكان عمله يقتصر على العشرات من مقاتلي الهيئة، والذين يعملون على إنشاء حسابات وهمية على منصات التواصل الاجتماعي وأبرزها فيسبوك وتليغرام.
تنشط هذه الحسابات في بث أخبار الهيئة وما يسمونه إنجازاتها وفتوحاتها، فضلاً عن الدفاع عنها أمام خصومها.
لكن مع الوقت شهد هذا الجيش مزيدا من التنظيم وأصبح تحت إشراف شخصيات كبيرة وقيادات في الصف الأول لهيئة "تحرير الشام"، وبات عدد العاملون فيه بالآلاف من ضمنهم العاملون في صفوف الهيئة تحرير الشام وخاصة ممن يعملون في أماكن الحراسة حول المراكز الأمنية والمتفرغون خلال عملهم والموجودون على الإنترنت.
كما يضاف إليهم المصابون من عناصر الهيئة لضمان استمرارية العطاء حتى بعد الإصابة، بالإضافة إلى أفراد عائلات كوادر الهيئة وعناصرها، وخاصة ممن لا يودون نشر صورهم وإنشاء حسابات باسمهم على مواقع التواصل الاجتماعي فيدخلون إلى تلك المواقع بحسابات وهمية ويعملون ضمن "الذباب الإلكتروني" التابع للهيئة.
يعمل أصحاب هذه الحسابات بشكل تطوعي لا يكلف هيئة "تحرير الشام" أي نفقات مالية، لأنهم يعتبرون هذا العمل استكمالاً للجهاد الذي يقوم به عناصر الهيئة.
و"الجهاد" هنا ليس قتالاً عسكرياً ضد خصوم الهيئة وأعدائها، وإنما لمواجهة من يصفونهم بالحاقدين والمتربصين والأقلام المأجورة، ومن الواجب التصدي لهم وكسر شوكتهم كما يعتقد أفراد جيش "الذباب الإلكتروني".
يشار إلى أن هيئة "تحرير الشام" تبث دعايتها عبر وسائلها الإعلامية الرسمية التي تملكها، مثل شبكات "أمجاد" و "إباء"، وأخرى رديفة مثل شبكتي "الدرر الشامية" و "صدى نيوز".
وكانت الهيئة أوقفت الشبكتين الأخيرتين وقطع عنهما الدعم المالي بعد إطلاقها شركة "المبدعون السوريون" والمعروفة محلياً باسم "كرييتف"، المكلفة بإدارة جيش "الذباب الإلكتروني" بقيادة "معتز القنواتي" المدير السابق لشبكتي الدرر الشامية وصدى نيوز والعامل في شركة كرييتف.
خطة الهجوم: تعليقات مدروسة يتم تلقينها للعناصر
تتنوع مهام أفراد جيش "الذباب الإلكتروني" ما بين الرصد والهجوم، وقبل ذلك كله يعمل العناصر على بناء شبكة واسعة من الأصدقاء على شبكات التواصل الاجتماعي من مختلف شرائح المجتمع.
يستهدف الجيش الإلكتروني ويتتبع أي منشور على مواقع التواصل الاجتماعي ينتقد هيئة تحرير الشام أو حكومة الإنقاذ أو أي من المؤسسات التابعة لها، وحتى المنشورات التي يتذمر أصحابها من الوضع المعيشي الصعب في إدلب، أو الداعية للهجرة خارج سوريا.
ويبدأ العمل بنسخ روابط الحسابات أو المنشورات المستهدفة وإضافتها إلى مجموعات خاصة بـ "الذباب الإلكتروني" على تليغرام، ومن ثم يترك المجال أمام المشرفين على هذا الجيش لقراءة المنشور وكتابة تعليقات محددة تتناسب مع الفكر المراد إيصاله عبر التعليقات، وتوضع جملة من التعليقات الجاهزة بالإضافة لتوضيح المحور العام الذي يراد الهجوم به على المنشور.
ومن ثم يبدأ الهجوم بعشرات التعليقات ضد المنشور وصاحبه من قبل "ذباب الهيئة الإلكتروني"، والذي غالباً ينتصر بإجبار صاحب المنشور على حذفه أو إخفائه بعد الهجوم الكبير الذي يتعرض له.
البسطاء هم المستهدف الأول
بهدف خلق حالة من التأييد الشعبي، ينشط "الذباب الإلكتروني" التابع للهيئة على مجموعات البيع والشراء خاصة على فيسبوك وتليغرام.
ويعمل العناصر على الترويج لما تقوم به الهيئة وحكومة الإنقاذ ومؤسساتهما وينشر حول الموضوع الواحد عشرات المنشورات من قبل الأشخاص ذاتهم وعلى جميع مجموعات البيع والشراء في الشمال السوري.
وتركيز النشاط في هذه المجموعات لاستمالة الحاضنة الشعبية وخلق رأي عام مؤيد للهيئة يستهدف القارئ البسيط، الذي يدخل تلك المجموعات باحثاً عما يشتريه بسعر زهيد كقطعة مستعملة.
كما تستهدف المجموعات التي تضم أكبر عدد من الأعضاء، والتي تنشر أخبار الأحداث الجارية، حيث تقدم الحسابات الوهمية التابع للجيش الإلكتروني إجابات محرفة عن الأسئلة والاستفسارات المطروحة تدعم رؤية وموقف الهيئة.
وغالباً ما تكون الأسئلة، تدور حول غياب أمور خدمية أو حول أسباب ركود الجبهات القتالية، أو متى العودة إلى القرى التي هجر منها سكانها، وهذا هو محور كثير من الأسئلة على تلك المجموعات بحسب ما رصد موقع "تلفزيون سوريا".
أساليب الهجوم: البراءة والترهيب والاستعطاف
ولا تقتصر الهجمات والتعليقات على أسلوب "البراءة"، وإنما تأخذ بعضها طريقة الترهيب والتهديد.
بعض الهجمات لا تكون متاحة لجميع العناصر، لا سيما الأهداف التي تعصي على الهيئة معالجتها، فتلجأ إلى ترهيب الهدف عبر حسابات تضع صورا لمقاتلين وعناصر أمنية ملثمين، وتضع تعليقات تتحدث بصيغة أمنية ليظن صاحب المنشور بأن أفراد الأجهزة الأمنية في الهيئة هم من يعلقون عنده ويضطر لحذف المنشور.
كما أن هناك هجمات من نوع آخر تقوم بها حسابات متخصصة باستعطاف الناس واللعب على أوتار الدين والعاطفة.
"ذباب إلكتروني" مثقف
رغم أن مسألة الهجوم على المنشورات عبر الحسابات الوهمية مفتوحة أمام جميع أفراد "الذباب الإلكتروني" إلا أن مسألة النشر يختص بها أفراد محددون يتقنون اللغة العربية بشكل جيد ويمتلكون بعض الثقافة.
ويحاول أفراد جيش الذباب الإلكتروني هذا أن يظهروا كمؤثرين في المجتمع فخصصت حسابات للنشر على المجموعات التي تضم طلبة الجامعات فينشرون ما يتعلق بالطلبة وما يهمهم.
ويمرر هؤلاء بين منشورات الطلبة منشورات تتعلق بالمحرمات كالاختلاط على وسائل التواصل الاجتماعي مثلاً، ومن بين النكات والمنشورات الفكاهية يمررون أخرى تشيد بإنجازات القائمين على إدارة إدلب بصيغة غير مباشرة، وذلك كنوع من التماهي مع الطلبة ونضجهم العقلي والثقافي.
مؤخراً بات "الذباب الإلكتروني" ينشئ حسابات تحمل ألقاب معتبرة ومعلومات تدل على مكانة أصحابها، كحسابات مسبوقة بألف مهموزة أو (د.) تشير إلى أن صاحب الحساب أستاذ أو طبيب، ويضع صاحب الحساب صورة مكتبة أو صورة لسماعات طبية أو يد تمسك كتاب أو قلم لتظن أن صاحب هذا الحساب شخص مثقف، وذلك فضلاً عن تعريفه لنفسه بأنه يعمل في جامعة حلب أو دمشق في خانة الوظائف على ملفه الشخصي في فيسبوك، وذلك ليحظى كلامه بتأييد البسطاء باعتباره من "نخبة المجتمع ومثقفيه"
يشار إلى أن هيئة "تحرير الشام" تنفي تبعية "الجيش الإلكتروني" المباشرة لها أو الإشراف عليه، لكن مصادر من المنطقة ومطلعة عما يدور في صفحات "السوشيال ميديا" تؤكد أن الهيئة تولي اهتماماً كبيراً لعمل هذا الجيش وأن قادة كبارا في الهيئة يشرفون على عمله.