حدثني أحد الفضلاء الثائرين، ضد نظام الأسد، وأحسبه من أفاضل من عرفتهم الثورة السورية، لأنه قتل على أيدي داعش، وذاك معيار قد يكون من أكثر المعايير صدقاً في تقييم الأشخاص، لأن داعش كنظام الأسد لم تترك شيئاً جميلاً في حياتنا نحن السوريين، إلا وقتلوه عمداً.
حدثني الرجل أنه دعي في يوم من أيام الثورة الأولى، أو تلك التي كانت فيها مؤشرات العنفوان الثوري في ارتفاع، دعي إلى اجتماع سيتم فيه تحديد بوصلة الصراع، الذي بدأت تتسلل له أيدي المفسدين والعابثين، يحضره كبار الداعمين للحراك الثوري، وبعض من الدول الصديقة للشعب السوري، ويضم ذاك الاجتماع أطيافا واسعة من السوريين، أو من الذين كان لهم دور بارز في تلك المرحلة، وبعد جولة من المشاورات والنقاشات، كان من بين الموجودين شخص يدين له أغلب الحاضرين بالولاء والطاعة، لمكانته الثورية والثقافية، وبعد أن انتهت جولة النقاش، على مستوى واسع، يقول محدثي إن ذاك الشخص ذا المكانة تفرد بعدد قليل من المقربين إليه، بعيداً عن الباقين للنقاش وتدارس ما يمكن أن يتمخض عنه الاجتماع، وماذا يجب عليهم أن يفعلوه، من دون أن يستشير الباقين أو يطرح ما كان عليه النقاش، وبعد انتهاء المشاورات والاجتماعات، خرجت جملة من القرارات، تم إعلانها بشكل مباشر على وسائل الإعلام.
وهنا أنا لست في صدد مناقشة تلك المخرجات، صوابها أو خطئها، إنما أريد الإشارة إلى ما أكمله محدثي، يقول الرجل قبل أن نعود أدراجنا قلت لذلك الرجل المقدر وصاحب الشأن، في قومه كنت أظنك قائداً حقيقياً وذا بصيرة ورأي، لكن تبين لي أنك "قزم" ولست أهلا لقيادة جماعة أو فريق، لقد جعلناك سيداً علينا ومتحدثاً باسمنا فجمعت قلة من أقرانك واتخذت قرارك، من دون الرجوع إلينا لأنك قزم ولست قائداً.. انتهت القصة وهذا كلام الرجل.
أكاد أجزم أن أعظم بلاء حل بالسوريين هم قادتهم، وهو ما يفوق كل القتل والتشريد وجرائم النظام وداعش وغيرها من الميليشيات بحقهم، والأشد بلاء هو من تسيد الموقف أو جعلته الظروف سيدا، وأوصلته الأقدار من دون سابق إنذار، إلى مكانة أو موقع قيادي أو منصب في مختلف المجالات.. ونظرا لفلسفتي الخاصة في بناء المجتمعات ولا أدري إذا كانت صحيحة أم خاطئة من الناحية العلمية لأني لم أتعمق في دراسة العلوم السياسية، وبناء المجتمعات، فقد أنهيت عاماً واحداً في دراسة هذا التخصص إلا أن الظروف التي طرأت على حياتي غيرتها بشكل جذري وكانت عائقاً أمام إكمال دراستي.. ليس مهما لكن ما أريد قوله في فلسفتي الخاصة إن بناء المجتمعات، يبدأ من القمة أو الرأس، لا من القاعدة، والإصلاح في أي شيء يبدأ من الرأس أما القاعدة فتصلح إذا ما صلح الرأس.. إذا ما هي المناسبة من هذا الحديث؟؟
لقد تذكرت، أني أكتب عن أسباب ما أوصل الثورة السورية ومؤسساتها العسكرية والسياسية والإنسانية والطبية والإعلامية، إلى ذاك المستوى من الانحطاط والعجرفة المخيبة لآمال السوريين الذين حملوا أرواحهم على أكفهم للخلاص من تلك العجرفة وسوء المنقلب، الذي عاشوه خلال حكم آل الأسد.
بالعودة إلى تلك الفلسفة الخاصة التي حدثتكم عنها بأن الإصلاح يأتي من الرأس، أعتقد جازماً أن السوريين لا يستحقون ما حصل ويحصل لهم من القتل والدماء واللعنات، التي تنهال عليهم كل واحدة أكبر من أختها، من دون أن يرف جفن لأحد، وهنا يأخذنا الحديث إلى فرضيات قد تغير مجرى تاريخ الثورة السورية إن حصلت، ولو بنسبة لا تتجاوز السبعين بالمئة.
فماذا لو أن من حمل السلاح مدافعاً عن أهله من الفصائل والجيش الحر جمعهم هدف واحد وعملوا تحت قيادة واحدة، وكانت بوصلتهم عقلية البناء لا عقلية الهدم، فكم كانوا أضاعوا فرصا على جيش الأسد، وكم كانت تغيرت موازين القوى، في المعادلة العسكرية، لكن ما حصل أن جل من أوصلته الظروف إلى قيادة أي تشكيل عسكري لم يكن قائداً إنما هو في الحقيقة قزم لذلك نشاهد ما آلت إليه الأوضاع العسكرية الثورية.
ماذا لو أن من عمل في ميادين السياسية كانت بوصلته السوريين، ومطالبهم المحقة بعيداً عن مصالحة الشخصية، وماذا لو لم يشكر ذلك السياسي روسيا، على ما قدمته من صواريخ وأسلحة، لقتل السوريين وأطفالهم، وتدمير، مدنهم وجعلها نسياً منسيا.
ماذا لو أن المؤسسات الإعلامية والإغاثية والطبية بنت هيكلياتها الإدارية والمهنية على معايير تناسب طبيعة عملها دون معيار الولاء، وتصدير التافهين ومن لا يمثلون السوريين قولا ولا فعلا ولا مضمونا، على أنهم نخبة المجتمع وكانت بوصلتها قضية السوريين المعذبين في أصقاع الأرض أو تحت رحمة الأسد وما يشبهه من سلطات الأمر الواقع، هذه ليست مؤسسات يحلم بها السوريون وما هؤلاء الأشخاص الذين تصدروا المشهد في هذه المجالات هم من يحلم بهم السوريون برؤيتهم إنما هم أقزام.
ماذا لو أن السوريين الذين يتعرضون في دول اللجوء لأشد أنواع العنصرية والتمييز لا لأنهم مهاجرون أو مهجرون قسراً ويتعرضون للعنصرية ويقتلون لأنهم فقط سوريون فقط لأنهم سوريون، ماذا لو وجد هؤلاء منظمات حقوقية وإنسانية تسهر على رعايتهم ومتابعة معاناتهم، لكن من يدعي أنه يمثلهم يمثل عليهم فهؤلاء ليسوا قادة إنما هم أقزام.
الأمثلة أكثر من أن تعد وأصعب من أن تحصى فأي قدر ينتظر السوريين؟؟ وسادتهم وقادتهم أقزام فإذا صنعتك الأيام وجعلتك الظروف سيدا فلا تكن قزما، الأيام ماضية والتاريخ يسجل..