الثورة السورية.. مسار النقد والتساؤلات المستمرة

2024.08.28 | 09:22 دمشق

آخر تحديث: 28.08.2024 | 11:09 دمشق

1111111111111115
+A
حجم الخط
-A

ستبقى القضية السورية في متناول عملية النقد والسؤال والمراجعة إلى آجال متأخرة، والأمر هنا يبدو طبيعيًا جدًا، فكل ثورة أو تغيير حدث في التاريخ ويحدث الآن يستدعي الأسئلة والنقد، ولن يُستنفد أبدًا ذلك حتى تنضج الصيرورة.

وفي الثورة السورية التي ما زالت تنتقل بين فصولها، سنجد الكثير من الظهورات التي سيتوقف عندها كل حر ينتقد من ذات حرة حتمًا. وقد نتناول ما اعترى الثورة من عوار قدر الاستطاعة، ولن تكون كما هي العادة حسب ترتيب ما هو الأهم ثم المهم التالي، بل سيكون الأمر حسب ما يتوارد إلى الذهن من مظاهر الارتباك والشواش في الثورة عمومًا وفي ساحة السويداء كمشهد للموجة التالية من موجات الثورة.

وفي البدء، أي بدء قيامة الشعب السوري، كانت حالة الرماديين هي اللافتة، وقوبلت في حينها عبر حث واستنهاض من خلال الشعارات التي عبرت عنها الأصوات أو تلك التي كتبت على لافتات.

ولكن الحالة الرمادية ستكون مقبولة لو اتصف بها قسم من الشعب، وقد تقوم القوى الثورية، كونها واعية بطريقة ما لعملية التاريخانية، بتأسيس القوانين التي ستذهب بطرق متعددة إلى الأفهام والذهنيات، ويمكن أن تختلف إلى حد كبير عملية الوعي تبعًا لذلك. لكن أن يكون الاتجاه اليساري وأصدقاء اليسار بمعظمهم مع النظام المستبد، فتلك من الأمور التي ستكون دائمًا محاطة بإشارات الاستفهام والاستغراب، بل الإدانة.

وسيدخل اليسار بغالبية مريديه في هذا المكان من العالم خانة الخيانة للفكر اليساري نفسه، وحالة خيانة لقضية الشعب السوري. وسيسجل لليسار أنه كان مع السلطة عبر هجرته لتاريخه وفكره وواقعه، وكان لقفزته نحو السياسة صدى السقطة المدوية، وقام بكل ما يلزم وأخذ يفكر كما السلطة التي لم تترك سعيًا مدمرًا لحركة الشعب إلا ومارسته.

البعض أراح نفسه من تبعات المقاومة واستلذ بطيب العيش، مضللاً ومضللًا بدعوى أن ما يحدث هو صراع بين السلطة والتشدد.

وعلى المستوى العام، الدولي والإقليمي، كانت الثورة عاثرة الحظ في زمانها ومكانها، فلقد انتهج المزاج العالمي ببرود نحو سياسة المصالح وقرر نهائيًا فصل المصلحة عن المسألة الأخلاقية فصلاً لا رجعة فيه. ولا يحتاج المهتم منا إلى كثير من العناء حتى يرى ذلك الاستعمال الوظيفي للفكر المتشدد الذي جُهز ببراعة ليجهض الثورة. واستطاعت السلطة أن تستعمله إلى حد كبير في تغييب الثورة، وجعل الرأي العام ينقسم حولها؛ فالبعض اقتنع أنها صراع ضد التشدد، والبعض أراح نفسه من تبعات المقاومة واستلذ بطيب العيش، مضللاً ومضللًا بدعوى أن ما يحدث هو صراع بين السلطة والتشدد.

وكثيرًا ما دخلت هذه القوى المعطلة لعبة إطلاق تياراتها ومؤتمراتها وإعلان مواقفها مخلفة حالة من الكبح والتردد والإبهام وحتى العجز. وعلى مدى عقد وأكثر، استمرت في ممارسة ممنهجة ومتعمدة تخريبية لجوهر الثورة السورية. الثورة ببساطة كانت تسأل عن حرية السوري، وعن أسباب غيابها على مستوى الشعب والفرد. الحرية كسؤال للجماهير مشروع وطبيعي، جعل المستبد في حالة هلع استدعت منه التعاون الغالي الأثمان المصلحية والمادية كي يبقى سؤال الحرية الجماهيري حالة شيطنة تستحق السحق حتى يبلغ الأمر منتهاه.

الشعب أراد الكرامة، كرامة العيش الإنساني بكل تفاصيله، والتي فقدها كليًا بعد أن قام الاستبداد بتفصيل بعث يناسب مراده ومقاسه. السلطة تحتقر شعبها وتبدع في ذلك قلب المفاهيم والمقاييس، ومن منا لا يقف مذهولًا أمام توريث للسلطة تم أمام الملأ بلعبة يستحي الصبية من فعلها؟

لقد ضلل الأسد والأمن الشعب، وعندما تيقظنا لم نستطع أن نلم الشتات رغم أصواتنا التي أطلقت وابلًا من الشعارات.

وبعد ذلك توغل في الديكتاتورية حتى وصلت لحالة تمجيد القمع مهما بلغ من توحش. بل في لحظات كانت ستكون محققة، استعانت بالغرباء وأعطتهم كل شيء مقابل كرسي وأجهزة أمن.

لقد تمكن الأسد الأب من تحويل البعث كأيديولوجيا إلى نسق فكري ليس فقط للمحازبين، بل جعله مضمَرًا مرات كثيرة وأخرى ظاهرًا في الخطاب العقائدي والإعلامي واليومي. واعتقد الجمهور الذي ينتمي إلى الجهات الأكثر فقرًا أن القائد هو الأوحد والمتفرد وله ملكات استثنائية. والمدهش أن أجهزة الأمن روجت لذلك لدرجة أن الشعب كان يتورع عن نقد الذات المقدسة للحاكم المستبد.

وفي لحظات حرجة تاريخيًا، كان فيها الشعب السوري مرتبكًا وفي حالة انصياع لسيطرة موازية فكريًا، تقبل دون أي اعتراض معلنا قبول الحكم الوراثي. وقد حكمنا هذا النسق من التفكير في قلب الحدث السوري، فكل العسكر تقريبًا ذهبوا إلى المعارك دون أدنى حالة من الاستنكار، وقد تملك معظمهم ذلك الأسلوب في التفكير، الأمر الذي أنتج كل المشاهد المتوحشة.

لقد ضلل الأسد والأمن الشعب، وعندما تيقظنا لم نستطع أن نلم الشتات رغم أصواتنا التي أطلقت وابلًا من الشعارات. فلقد نما العشب الضار إن صحت التسمية في أخاديد أطلق عليها مسميات التيارات والألوية والمليشيات والمنصات. وغاب عنا عمل أكثر أهمية يوازي الحركات الرافضة، عمل يجتهد في البحث عن أنساق فكرية وهيكلية تعيد إنتاج التنظيم في العملين الفكري والميداني.