بالتوازي مع الحرب التي تشنها إسرائيل على حزب الله في جنوب لبنان، تتوالى التسريبات التي تتحدث عن انسحاب الحزب من الأراضي السورية، بالإضافة إلى تقليص وجود الأذرع الإيرانية في البلاد.
تكشف الضربات الإسرائيلية المتكررة على دمشق استمرار وجود قيادات حزب الله في سوريا، حيث تستهدف هذه الضربات قيادات الحزب، وكان آخرها في 21 من تشرين الأول عندما تم اغتيال علي حسين غريب المسؤول عن شبكة تمويل للحزب، بالإضافة إلى ما سبق، تؤكد المعلومات المتقاطعة أن الحديث عن انسحاب الأذرع الإيرانية من سوريا غير دقيق.
النظام السوري يتحرك ضمن هوامش مقبولة لإيران
منذ بداية العداون على غزة، ترك النظام السوري مسافة بينه وبين ما يسمى "محور المقاومة"، واستمر الهدوء على جبهة الجولان باستثناء بعض الضربات الصاروخية غير المؤثرة، أو إطلاق الميليشيات العراقية الموالية لإيران بعض الطائرات المسيرة من الجنوب السوري باتجاه الجولان.
في الواقع، سلوك النظام السوري لا يشكل تمرداً على طهران بقدر ما هو ضمن هوامش معينة مقبولة للأخيرة، التي باتت تكثف من تحركاتها للحد من توسع الحرب ليطال كل مناطق نفوذها، خاصة بعد أن بدأ التوغل الإسرائيلي جنوب لبنان، وتمت تصفية قيادات حزب الله اللبناني بالكامل، حيث ركز وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في جولته على دول المنطقة الشهر الجاري، على ملفين أساسيين، الأول تحييد العراق عن المواجهة، والثاني العمل على وقف الحرب جنوب لبنان وعدم توسيعها.
أيضاً، تولت طهران ممارسة الضغوط على جميع الأذرع التابعة لها التي تنشط على الأراضي السورية من أجل عدم شن هجمات تؤدي إلى تدحرج الحرب وخروجها عن السيطرة أكثر، وتطورها لدرجة تصفية قيادات الحشد الشعبي العراقي الذي ينشط على الأراضي السورية.
سوريا شريان إمداد لحزب الله اللبناني
تشير المعطيات الميدانية إلى انتقال مجموعات نخبوية تابعة لحزب الله من ريف دمشق وحمص وريف دير الزور إلى جنوب لبنان للمشاركة في المواجهة، مع حلول فصائل الحشد الشعبي وجماعة الحوثي مكانها، والأمر تم في سياق متطلبات العمليات العسكرية وليس عبر إرغام النظام السوري لحزب الله المغادرة، بل وفر النظام للحزب إمكانية تمركز قياداته في مناطق جديدة في دمشق مثل المزة، بعد أن كانت تلك القيادات تقيم في الضواحي غالباً.
من جهة أخرى، عبرت بالفعل المئات من عوائل مقاتلي الحزب إلى العراق عبر سوريا، لكن بشكل اختياري لأنهم يفضلون الإقامة في المناطق المهيئة لهم مثل محافظة ديالى.
تعتبر الأراضي السورية خط إمداد رئيسي وحيوي لحزب الله، خاصة بعد أن فقد الكثير من قدراته الصاروخية، حيث يتم تمرير الدعم الإيراني اللوجستي والعسكري من العراق إلى دير الزور ثم ريف دمشق، وشمال القنيطرة، وهذا ما دفع الجيش الإسرائيلي للتوغل مؤخرا ضمن مناطق في القنيطرة لقطع بعض طرق الإمداد.
ومع اشتداد المواجهة في جنوب لبنان، جهزت الفصائل العراقية الموالية لإيران معابر غير رسمية بين العراق وسوريا، لأنه يقع على عاتقها مساندة حزب الله بموجب ما هو متوافق عليه ضمن غرفة العمليات المركزية التي يشرف عليها الحرس الثوري الإيراني، وقامت هذه الفصائل بالانتشار في الجنوب السوري لتشكل عمقاً لمقاتلي حزب الله في جنوب لبنان، وإسناده عند الضرورة.
وفي ظل رغبة إيران العارمة بإنقاذ ما تبقى من قدرات حزب الله، فمن غير المتوقع أن تتساهل مع النظام السوري في أي خطوات قد تؤدي إلى عرقلة تحرك الإمدادات باتجاه الحزب، وهي تستطيع الحفاظ على الوضع الراهن من خلال تفاهمات مباشرة مع روسيا نظراً للتقارب بينهما بعد الحرب الأوكرانية.
على عكس ما تتحدث عنه التسريبات، فهناك مؤشرات على تواطئ النظام السوري مع حزب الله لتمويه وجود الأخير في الجنوب السوري، حيث يتم تسهيل حركتهم في القنيطرة على سبيل المثال تحت غطاء تشكيلات عسكرية تتبع للنظام مثل "فوج الجولان" الذي يتخذ من بلدة حضر في ريف القنيطرة مقراً رئيسياً له.
وفق المعطيات الميدانية، فإن جميع التحركات التي تجريها الأذرع الإيرانية في سوريا مؤقتاً تتعلق بتكتيك المواجهة، وتأمين طرقات الإمداد بعيداً عن الاستهداف الإسرائيلي، وليست لأسباب سياسية أو تعكس توجها من النظام السوري أو روسيا لإخراج إيران من الأراضي السورية، خاصة وأن استمرار بشار الأسد في الحكم الذي فتح أبواب سوريا للنفوذ الإيراني لا يزال مصلحة لطهران أيضاً.