أحدثت السنوات العشر الأخيرة تحولات هائلة في كل المناطق السورية وفق الاعتبارات العسكرية والسياسية التي فرضتها قوى الأمر الواقع، ولم يعد لشكل الدولة السابق ونظامها الشمولي وجود في كثير من المدن والبلدات السورية، وأصبح بشار الأسد أحد الفاعلين الموزعين على 4 مناطق في زوايا الخارطة السورية، مع محاولات بقاء تحكمها بمجموعة المدنيين الموجودين ضمن جغرافياتها إما على شكل قبضة أمنية أو من خلال القبض على مقاليد الاقتصاد ومفاتيحه.
ويشكل الاقتصاد بطبيعة الحال أبرز أداة للتحكم بالشعوب، وهو ما سعت إليه كل القوى المسيطرة في سوريا، من خلال بناء أشكال اقتصادية بعضها بدائي، والاعتماد على الضرائب والمعابر، خصوصاً مع توقف أغلب العمليات العسكرية، كما حصل شمال شرقي سوريا مع انتهاء تنظيم الدولة وسيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" و"الإدارة الذاتية" على كامل مناطقه، وفعلت كذلك "هيئة تحرير الشام" في أغلب محافظة إدلب مع انخفاض كبير للقصف الروسي، بالإضافة إلى مناطق "الجيش الوطني" التي تعد مستقرة بشكل أكبر، فيما كانت مناطق سيطرة النظام تمثل الشكل الأكثر قرباً من النظم الاقتصادية والتداولات المالية المتعارف عليها.
وتظهر معالم التقسيم الاقتصادي في سوريا من خلال الفوارق الواضحة في أسعار السلع، واختلاف العملات المتداولة، وتحصيل رسوم من ناقلي البضائع بين مناطق السيطرة المختلفة، لكنها تترسخ بتعقيد العملية السياسية وثبات الخريطة العسكرية على حالها بالمدى القريب والمتوسط، وبالتأكيد الوجود الأجنبي الآخذ بالتوسع في كل مناطق السيطرة من دون استثناء.
دكتور الاقتصاد في جامعة غازي عنتاب التركية عبد المنعم الحلبي قال خلال حلقة برنامج (الثلاثاء الاقتصادي) على تلفزيون سوريا إن "العلاقة الاقتصادية قبل عام 2016 كانت سورية - سورية حتى مع الانقسام العسكري، أما الآن فنحن نتحدث عن أنظمة اقتصادية لا تعتمد على الموارد السورية، وتضم شبكة علاقات جديدة، وفيها نخب أمنية وعسكرية وسياسية تسيطر على الحياة الاقتصادية، وتمكنت من تكوين نظم اقتصادية، لكنها استنساخ من طريقة عمل نظام الأسد في سوريا طيلة عقود".
وأضاف الحلبي أن "التقسيم الاقتصادي أكثر خطورة من التقسيم السياسي والعسكري، لأنه يترافق مع تغيير ديمغرافي ويترافق مع ارتباط بالخارج بدل الاعتماد على الموارد السورية، حيث تم تفتيت علاقات تجارية واقتصادية عمرها آلاف السنين بين هذه المناطق، بمعنى أن التقسيم الاقتصادي يستخدم لترسيخ التقسيم الجغرافي والسياسي والاجتماعي".
وتعتمد المناطق الاقتصادية الأربع في سوريا على موارد مختلفة لتمويل مؤسساتها، حيث يعتمد "النظام السوري" على معابره البرية والجوية، والحوالات المالية من الخارج وكثير من الضرائب والرسوم، فيما يرتكز تمويل "الإدارة الذاتية" على تجارة القمح والنفط، بينما تعتبر المعابر مع تركيا مصدراً رئيساً لتمويل المسيطرين في كل من محافظة إدلب حيث "هيئة تحرير الشام"، ومناطق شمال حلب التي يسيطر عليها "الجيش الوطني".