التعليم في سوريا.. أداة لبناء المستقبل ومكافحة التطرف

2024.09.09 | 11:20 دمشق

65545454
+A
حجم الخط
-A

في ظل النزاعات المستمرة في سوريا، أصبحت حماية التعليم من الهجمات ضرورة ملحة أكثر من أي وقت مضى. اليوم، في اليوم الدولي لحماية التعليم من الهجمات، تزداد الحاجة إلى تسليط الضوء على الدور المحوري للتعليم كحائط صد رئيسي أمام التطرف، وكأداة لبناء مستقبل سوريا المستدام.

الحرب الدائرة على مدار أكثر من عقد لم تقتصر آثارها على الدمار الجسدي والاجتماعي فحسب، بل طالت أيضاً الركائز الأساسية للمجتمع، وعلى رأسها التعليم. إن الأطفال والشباب في سوريا يواجهون اليوم مستقبلاً مبهماً ما لم يتم تأمين تعليمهم وحمايتهم من العنف والتطرف.

التعليم في سوريا، خاصة في المناطق الشمالية، يواجه تحديات متعددة، منها الهجمات المباشرة على المدارس، ونقص الدعم الدولي، وتسرب الطلاب من المؤسسات التعليمية حيث تشير تقارير اليونيسيف إلى أن أكثر من 2.4 مليون طفل سوري في سن المدرسة (بين 5 و17 عامًا) حُرموا من التعليم داخل سوريا وخارجها بسبب النزاع المستمر. هذا العدد يشكل ما يقرب من 40% من الأطفال السوريين في هذه الفئة العمرية. في شمالي غربي سوريا وحدها، يُقدّر عدد الأطفال المتسربين بنحو 800,000 طفل، وهو رقم مرعب يتطلب استجابة فورية.. لذا، يجب النظر إلى التعليم ليس فقط كوسيلة لنقل المعرفة، بل كوسيلة رئيسية لمكافحة التطرف والعنف الذي يستهدف الأطفال والشباب في المجتمعات المتأثرة بالنزاع. التعليم هو البديل البنّاء الذي يمكن من خلاله توجيه الشباب نحو مسارات إيجابية تسهم في تطوير مجتمعاتهم.

إن أي سياسة تنموية ناجحة يجب أن تنطلق من التعليم كأساس لها. سواء كانت هذه السياسات متعلقة بالمساعدات الإنسانية أو ببرامج التعافي المبكر.

في هذا السياق، تتطلب حالة التعليم في سوريا ضرورة إنشاء مراكز تعليمية آمنة ومجانية في شمالي سوريا، توفر بيئة تعليمية حاضنة للأطفال والشباب، بعيداً عن خطر العنف والهجمات. هذه المراكز لا تمثل مجرد حق أساسي لكل طفل، بل هي السبيل لمنح هؤلاء الأطفال فرصاً متساوية لتطوير مهاراتهم وبناء مستقبلهم، خاصةً في ظل الانهيار المستمر للبنية التحتية التعليمية في سوريا.

إن التعليم هو الاستثمار الأكثر أهمية في مستقبل سوريا. إن الجيل الصاعد، إذا ما أُتيح له التعليم الجيد والمستمر، سيكون القوة المحركة لإعادة بناء المجتمع السوري وتنميته. الأطفال والشباب الذين يتلقون تعليماً شاملاً اليوم هم من سيقودون المستقبل، وسيكونون القادرين على تعزيز السلام

والتنمية المستدامة. لذلك، يجب أن يكون الاستثمار في التعليم أولوية لدى المجتمع الدولي والمنظمات المعنية.

التعليم لا يقتصر على توفير فرص العمل والتنمية الاقتصادية فحسب، بل يلعب دوراً أساسياً في تحقيق الاستقرار الاجتماعي. من خلال التعليم، يمكن بناء قدرات الشباب على التفكير النقدي والتعامل مع التحديات بطرق بناءة وإيجابية. ولذلك فهو يعزز التماسك الاجتماعي، ويقلل من التوترات بين مختلف الفئات المجتمعية. في مجتمع منقسم مثل سوريا، يمكن للتعليم أن يكون الأداة التي توحد الناس وتعيد بناء الثقة بينهم.

بالإضافة إلى ذلك، فإن أي سياسة تنموية ناجحة يجب أن تنطلق من التعليم كأساس لها. سواء كانت هذه السياسات متعلقة بالمساعدات الإنسانية أو ببرامج التعافي المبكر، يبقى التعليم هو العمود الفقري الذي يعتمد عليه بناء أي مجتمع. في هذا الإطار، تعمل مدارس المنتدى السوري النموذجية على تطوير نموذج تعليمي يقوم على ثلاثية متكاملة: الطفل، المدرسة، والمعلم. هذا النموذج لا يقتصر على توفير المحتوى التعليمي فقط، بل يشمل أيضاً دعم المعلمين وتأهيلهم، بالإضافة إلى توفير الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال، وخلق بيئة تعليمية محفزة تشجع الطلاب على التفكير النقدي وبناء شخصيات قيادية وفعالة في المجتمع.

إلى جانب دور المدرسة والمعلم، يجب أن يتم تسليط الضوء على دور الأسرة في دعم التعليم. الأسر السورية، التي تعاني من آثار الحرب والفقر، تتحمل مسؤولية كبيرة في تشجيع أبنائها على الاستمرار في التعليم. لذلك، يجب أن تشمل سياسات دعم التعليم تقديم دعم شامل للأسر، سواء من خلال تقديم مساعدات مالية أو توفير بيئات داعمة تتيح للأطفال التركيز على دراستهم. التعليم ليس مسؤولية المدرسة فقط، بل هو مسؤولية مجتمعية مشتركة بين الأسرة والمجتمع المدني.

التعليم لا يجب أن يُنظر إليه كجزء من الاستجابة الإنسانية الطارئة فقط، بل يجب أن يتم التعامل معه كأداة للتنمية والتمكين.

من جهة أخرى، لا يمكن الحديث عن حماية التعليم من دون الإشارة إلى الدور الكبير الذي يلعبه المجتمع المدني السوري. في ظل تسرب الطلاب الكبير من المدارس في شمالي سوريا، يجب أن يتضافر المجتمع المدني مع الجهود الدولية والمحلية لضمان استمرار التعليم. إن المجتمع المدني لديه دور تاريخي في تقديم الدعم المالي والتقني والمعنوي للعائلات السورية التي لا تستطيع تحمل كلفة التعليم. كما أن توفير الكتب والمواد الدراسية للأطفال، وبناء المزيد من المدارس، يجب أن يكون جزءاً أساسياً من الجهود المبذولة لحماية التعليم وضمان استمراريته.

التعليم المهني هو جزء لا يتجزأ من هذا الجهد. في ظل الوضع الاقتصادي الصعب في سوريا، يجب أن يتم التركيز على تطوير برامج التعليم المهني التي تمكن الشباب من اكتساب مهارات عملية تسهم في تعزيز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. التعليم المهني يمكن أن يوفر فرص عمل للشباب ويقلل من نسبة البطالة، مما يسهم في تعزيز الاستقلال الاقتصادي للمجتمع وتقليل التوترات الاجتماعية.

التعليم لا يجب أن يُنظر إليه كجزء من الاستجابة الإنسانية الطارئة فقط، بل يجب أن يتم التعامل معه كأداة للتنمية والتمكين. التعليم يبدأ بتمكين الأفراد وينتهي ببناء مجتمع متكامل قادر على حماية نفسه وتطوير مستقبله. لذلك، يجب أن تخصص الدول المانحة جزءاً كبيراً من مساعداتها لدعم التعليم في سوريا، بغض النظر عن طبيعة الاستجابة، سواء كانت طارئة أو مرتبطة بدعم الاستقرار أو التعافي المبكر.

من المؤسف أن التعليم غالباً ما يُعتبر حاجة غير ملحة مقارنة بالغذاء والدواء في الاستجابات الإنسانية. لكن تجاهل التعليم يؤدي إلى نتائج كارثية على المدى البعيد، حيث يصبح الشباب المحرومون من التعليم أكثر عرضة للتطرف والانضمام إلى الجماعات المتطرفة. التعليم هو البديل الأنجع، ومن خلاله يمكن بناء جيل قادر على تجاوز تحديات الحاضر والمساهمة في بناء مستقبل أكثر إشراقاً.

يجب أن يكون التعليم في مقدمة الأولويات في أي جهود تنموية أو إنسانية في سوريا. يجب أن يكون الأساس الذي يُبنى عليه السلام والاستقرار، وهو السلاح الأهم في مواجهة التطرف والعنف. التعليم ليس فقط استثماراً في الأجيال القادمة، بل هو استثمار في مستقبل سوريا ككل.