تعديلاتٌ جديدة طالت عدّة مواد في قانون خدمة العلم أصدرها رأس النظام بالمرسوم التشريعي رقم 12 لعام 2019، في محاولة لترقيع انسحابه من التسويات التي عقدها مع أبناء المناطق التي خرجت عن سيطرته في ريف دمشق ودرعا، ولكنّ باطنها سحب من تبقّى من الشباب في مناطقه إلى صفوف قواته التي استنزفها القتال.
سبقت هذا المرسوم تعديلات أخرى أعوام 2014 و2017 و2018 الصادرة بالمراسيم التشريعية ذات الأرقام 33 و 35 و14 على التسلسل، لتبقى الخدمة الإلزامية كابوساً هو الأسوأ لدى السوريّين الذين أُنهكتهم آلة الحرب ودمّرت حياتهم الحاضرة والآتية إلّا من رحم ربّي من الوحيدين وأصحاب العاهات أو من هاجر فارّاً من طاحونة القتل والدمار. وبحسب التعديل الجديد"يلغى التأجيل الدراسي للمكلف إذا لم يجتز السنة الجامعية الأولى بنجاح خلال سنتين" وكان القرار قبل التعديل ينص على "إلغاء التأجيل الدراسي للمكلف إذا لم يجتز السنة (الجامعية أو المعهد) بنجاح خلال سنتين".
الدراسة لتأجيل الخدمة العسكرية
يقول أحمد (اسم مستعار) أحد طلاب كلية الهندسة لـ موقع تلفزيون سوريا، إنه لن يستفيد من هذا التعديل بعد أن استنفذ سنوات دراسته في كلية الهندسة بجامعة دمشق وهو لايزال طالب سنة ثانية، ويتابع "لا أحب الهندسة ولكني أُجبرت على دخولها لأن مجموعي لم يؤهلني لدراسة الطب ولا أملك المال الكافي للدراسة في الجامعة الخاصة أو السفر، فكنت مضطراً للتسجيل في الجامعة حتّى أتمكن من الحصول على تأجيل دراسي، فأنا لا أريد الالتحاق بالجيش ولا المشاركة في معارك النظام التي أدت لدمار سوريا وتدمير مستقبلي معها".
لايعرف "أحمد" ما يفعل بعد أن استنفذ فرصه في التأجيل الدراسي، إذ أتت قرارات وزارة التعليم لتقضي على أمله الأخير بالدخول إلى الدورة التكميلية وتعديل وضعه، فلا هو يملك المال للحصول على إذنٍ بالسفر يمكّنه من الهرب إلى لبنان الذي كان الحل الأرخص والأسرع للشباب قبل أن يترتب عليهم الحصول على إذن سفر من شعبة التجنيد، ولا هو قادر على التخفي فهو يعمل في مطعمٍ ليعيل نفسه فراتب والده التقاعدي لا يغطي مصروف عائلته الصغيرة.
وفي نيسان الماضي أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن نظام الأسد يخطط لتمديد فترة تأجيل الاستدعاء العسكري للخدمة في قواته مدة سنة للسوريين اللاجئين العائدين إلى بلادهم، في محاولة لرفد قوات الأسد.
"الاتحاد الوطني" يعتقل الطلاب
وإذا كان (أحمد) قد سجل بالجامعة فقط للحصول على تأجيل فإنّ (رائد، اسم مستعار) كان التأجيل الدراسي عائقاً أمامه للحصول على شهادة الماجستير بالطب البشري، حيث ترك أهله في درعا تحت القصف والتحق بمشافي وزارة التعليم في دمشق ليحقّق حلمه وعائلته بأن يصبح طبيباً ينتشل الأسرة من فقرها ويعيلها، ولكنّ اعتقاله عن طريق "الاتحاد الوطني لطلبة سوريا" أدّى إلى تغيّبه قسراً فترة شهرين عن دوامه في المشفى فلم تعطه شعبة التجنيد تأجيلاً يمكّنه من مناقشة رسالة الماجستير التي تحدّد موعدها بعد شهرين، فما كان منه إلّا أن عاد إلى درعا ليكون إلى جانب أهله في معركتهم، وكان ممّن أُجبروا على عقد تسويةٍ مع النظام كي لا يترك أرضه ويُهجّر إلى إدلب، والآن بعد أن ألغى النظام التسويات التي عقدها مع أهالي تلك المناطق، ينفق طبيبنا مع سائر شباب درعا أيّامهم بانتظارِ مجهولٍ قادم، فلا هم تمكّنوا من إكمال دراستهم، ولا هم على استعدادٍ للانخراط في صفوف جيش النظام الذي أحرق مدنهم ودمّر منازلهم فوق رؤوسهم.
وتنص التعديلات الجديدة على ألا تتجاوز أعمار المؤجلين دراسيا 26 سنة لطالب الكليات الجامعية التي تكون مدة الدراسة فيها أربع سنوات. و27 سنة لطالب الكليات الجامعية التي تكون مدة الدراسة فيها خمس سنوات. و29 سنة لطالب الكليات الجامعية التي تكون مدة الدراسة فيها ست سنوات، أما بعد التخرج من الجامعات والمعاهد فينتظر الطالب طريق وحيد وهو الالتحاق بقوات النظام التي أصبح عناصرها يحتجون بسبب الاحتفاظ بهم لسنوات طويلة بعضهم منذ بداية الثورة، وأطلق المجندون حملة "بدنا نتسرح" احتجاجا على ذلك.
استهداف الطلاب في مناطق المصالحات
ويأتي التأكيد على كون الطالب مواظباً على دراسته غير منقطعٍ عنها شرطاً أساسياً لحصوله على التأجيل، وكأن لسان حال النظام يقول علناً لأهالي الغوطة وسائر المناطق التي ثارت عليه ممّا جعل معظم شبابها ينقطعون عن دراستهم لأسبابٍ عديدةٍ، فكأنّه يقول لهم أنتم ممنوعون من إكمال دراستكم ومستقبلكم تجدونه فقط في جيشي أو سجني.
طالب آخر من مدينة التل بريف دمشق يدرس في جامعة دمشق يروي لموقع تلفزيون سوريا قصته، ويقول إنه حوصر في بلدته مع أهله فانقطع مُرغماً عن جامعته، ويرغب الآن بمتابعة دراسته حيث يفصله عن التخرج عامٌ دراسيٌّ واحدٌ، ولكنّ قوانين النظام وإصراره على إذلال الطلاب وخاصة في مناطق المصالحات تمنعه والكثير غيره من الشباب من متابعة تحصيلهم الدراسي وبناء مستقبلهم الذي أصبح حلماً بعيد المنال، فإمّا الالتحاق بصفوفه أو الهجرة واللجوء أو تجديد الثورة.
يذكر أن نظام الأسد خدع جميع الشبّان الذين استمالهم لـ إجراء "مصالحات" وتسوية أوضاعهم في مناطق سوريّة عدّة، وخاصة الطلاب المتخلفين عن الخدمة العسكرية والمنقطعين عن الدراسة، واعتقل العديد منهم فور مراجعتهم "شعب التجنيد" كما اعتقل آخرين بحملات مداهمات بينهم مهجّرون عائدون إلى مناطق سيطرته.