التطبيع التركي مع نظام الأسد إلى أين؟

2023.05.12 | 06:09 دمشق

التطبيع التركي مع نظام الأسد إلى أين؟
+A
حجم الخط
-A

لتقييم مسار العلاقة بين تركيا ونظام الأسد بشكل أفضل، نحتاج إلى أن ننتظر نتيجة الانتخابات التركية، لأن لها أثرا كبيرا على هذا المسار، كما كانت هي سبباً أول وليس وحيدا لأجل أن تسعى تركيا للتطبيع مع النظام، لكن ضمن المعطيات الحالية يمكن لنا أن نستقرئ ما سينتج عن هذا التطبيع في المدى القريب والمنظور.

الحكومة التركية سعت بدايةً للتطبيع مع نظام الأسد لأنها أرادت سحب هذه الورقة الانتخابية من أيدي المعارضة والتي بدأت منذ سنوات تتحدث عن أزمة اللاجئين السوريين وأنها في حال تمكنها من الوصول للسلطة ستقوم فورا بالتواصل مع النظام في دمشق لأجل بحث عودة اللاجئين ولأجل الانسحاب من الأراضي السورية، فكان خطاب المعارضة هذا محفزا للحكومة لأجل إعلان نيتها التواصل مع حكومة النظام، وبالفعل بدأت وساطة روسية توجت بلقاء عسكري أمني نهاية العام الماضي حضره وزراء الدفاع ورؤساء المخابرات لكل من سوريا وتركيا وروسيا في موسكو، لكن هذا اللقاء الثلاثي واجه معارضة وعرقلة إيرانية أفضت لأن تفرض إيران نفسها على هذا المسار الجديد ليصبح رباعياً. هذا التدخل والعرقلة الإيرانية يعطينا فكرة عن تعقيد المشهد السوري لكثرة الفاعلين فيه والتداخلات بين مصالحهم بما فيهم الحلفاء، أعتقد أن تركيا كانت تفضل أن يبقي المسار ثلاثيا وأرجح أنها كانت تريد لاحقاً بأن يصبح التواصل بينها وبين النظام مباشرة دون الوسيط الروسي لأنه يحقق لها مصالحها بشكل فعّال أكثر.

وإذا كانت الحكومة نجحت بسحب هذه الورقة من  يدي المعارضة بمساعدة بوتين الذي يعرف جيدا هو والرئيس التركي رجب طيب أردوغان كيف ومتى يمنحان بعضهما الهدايا القيمة، يحضر سؤال مهم هنا: ماذا تريد الحكومة غير الملف الانتخابي؟

تريد من خلال تواصلها مع النظام أن يصبح وجودها بموافقته على التطبيع بمثابة موافقة شرعية على وجودها العسكري، وتريد أن تجد آلية لاحقا لأجل أن تساعد النظام على طرد قسد من منطقة الجزيرة

أعتقد أن لتركيا أهدافا كثيرة تسعى لتحقيقها من خلال تطبيع علاقاتها من نظام الأسد، فهي تدرك جيدا نقاط ضعفه وفي مقدمتها بحثه عن شرعية مفقودة ويأتي الجانب الاقتصادي ثانياً، في مقدمة الأهداف التركية يأتي البحث عن شرعية لوجودها في سوريا لأن تركيا لا نية لها للانسحاب من سوريا في الوقت الحالي ولا حتى في المدى المنظور نتيجة لوجود جيوش كثيرة لدول أخرى وما دامت  قسد تسيطر على جزء وازن من سوريا، لكنها تريد من خلال تواصلها مع النظام أن يصبح وجودها بموافقته على التطبيع بمثابة موافقة شرعية على وجودها العسكري، وتريد أن تجد آلية لاحقا لأجل أن تساعد النظام على طرد قسد من منطقة الجزيرة وهذا هو الهدف الثاني، أما الهدف الثالث فهو انخراط النظام في عملية سياسية تفضي إلى إشراك المعارضة التي تدعمها تركيا في الحكم مما سيسهل لاحقا عودة بعض اللاجئين.

السعودية طبعت مع النظام ثم أعادت له مقعده في الجامعة ووجهت له دعوة لحضور القمة العربية في جدة دون أي اعتبار للمعارضة وكأنها غير موجودة

في مقابل ما يريده النظام وتركيا من بعضهما نجد أن تلك الرغبات والأهداف صعبة إن لم تكن مستحيلة التحقق، النظام لا زال يصر على أن تضع تركيا جدولا للانسحاب في وقت لا قدرة للنظام على إعطاء تركيا أهم ما تريده وهو محاربة قسد ما دامت أميركا موجودة في منطقة الجزيرة وفي قاعدة التنف بالقرب من الحدود السورية الأردنية العراقية، وبما يتعلق بالمسار السياسي يرفض نظام الأسد الاعتراف بوجود المعارضة وما عزز موقفه مؤخرا هو التطبيع العربي المجاني  والذي شكل صدمة للمعارضة لأن السعودية طبعت مع النظام ثم أعادت له مقعده في الجامعة ووجهت له دعوة لحضور القمة العربية في جدة دون أي اعتبار للمعارضة وكأنها غير موجودة.

وإذا قرأنا بهدوء ما صرح به وزير الخارجية التركي بعد أول لقاء رسمي له مع وزير خارجية نظام الأسد في موسكو قبل أيام نستطيع أن نعرف بأن هذا المسار أكثر من متعثر ولأكثر من سبب ويدعم هذا الافتراض ما قاله وزير الدفاع التركي مؤخراً حينما اجترح مصطلح الديبلوماسية العسكرية وهذا يعني فشل الديبلوماسية السياسية في تحقيق أي تقدم يذكر.