يمكننا بكل أريحية أن نضيف عاملاً جديداً إلى مجموعة عوامل تساهم في تحديد خيارات الناخب التركي صباح يوم الحسم الأحد المقبل، إنه الخوف فالجميع اليوم في تركيا خائف ولكل طرف أسبابه الخاصة.
بعد انتهاء الجولة الأولى مباشرةً تغير خطاب المعارضة بشكل واضح وفجّ، فبعد أن كانت تقدم نفسها كحامية للديمقراطية والحقوق وللحريات في مغازلة واضحة للغرب وحين كان كليتشدار أوغلو يوصف بأنه غاندي تركيا بسبب فيديوهاته البسيطة التي يبثها من مطبخه، وبسبب كثرة حديثه عن حرية الصحافة مطلقا شعاره: كل شيء سيكون جميلاً. تبدل كل شيء بعد إعلان نتائج الجولة الأولى والتي خسرتها المعارضة برلمانياً.
وفي السباق الرئاسي كان الفارق كبيرا بين الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان ومنافسه كمال كليتشدار أوغلو، بعدها تغير خطاب كليتشدار أوغلو ونزع عنه ثوب الحريات والكلام المعسول، لأنه كان فضفاضاً عليه ولبس بدلا من ذلك وجهه الحقيقي لأنه ابن وفي للتيار "اليساري الكمالي" في تركيا والذي طالما كان عدواً للحريات بذريعة الحفاظ على القيم العلمانية! وخلف هذه الذريعة كانت هناك حياة سياسية مضطربة في تركيا وكانت مدخلاً لتدخل الجيش في السياسة أكثر من مرة. تصاعد خطاب كليتشدار أوغلو العنصري في الأيام الأخيرة بشكل مخيف للأتراك والسوريين معاً، واستخدم فيه المعلومات المضللة المتعلقة بالسوريين حول عددهم ومخاطر وجودهم لدرجة ملأ بعدها شوارع إسطنبول ومدن تركيا بلافتات عملاقة فيها رسالة واضحة للناخب: إذا أردت أن نطرد السوريين انتخبني.
هناك خوف لدى أنصار التحالف الحاكم من ضياع جهد وعمل عقدين من التنمية والازدهار الاقتصادي في حال خسر الرئيس أردوغان منصب الرئاسة
هذا الخطاب المتطرف مردّه الخوف، فالكماليون بشكل خاص يشعرون أنها فرصتهم الأخيرة للوصول لحكم تركيا ولكبح جماح التيار المحافظ الذي يحكم منذ أكثر من عقدين، وسبب هذا الاعتقاد أنهم فعلوا كل شيء لأجل جمع المعارضة في تحالف واحد وفي حال فشلهم فسيتحولون لاحقا إلى أقلية معارضة مع صعود القوميين مؤخراً. هذا الخوف دفعهم للنزول إلى الشوارع وبخ العبارات التحريضية ضد السوريين على الجدران في حركة تذكرنا بما فعله النازيون من قبل في ألمانيا والتي تحوي بالمناسبة على أكبر عدد من الأتراك خارج تركيا!
هذه الأجواء المشحونة فوق العادة جعلت الزمن يتوقف بين الجولتين، وكأن المدة شهران وليست أسبوعين، يستطيع أي متجول قناص في شوارع إسطنبول تصيد الخوف والترقب في وجوه المارة سواء أكانوا أتراكاً أم سوريين
في المقابل هناك خوف لدى أنصار التحالف الحاكم من ضياع جهد وعمل عقدين من التنمية والازدهار الاقتصادي في حال خسر الرئيس أردوغان منصب الرئاسة، لأن نظام الحكم الحالي رئاسي ويستطيع كليتشدار أوغلو في حال فوزه حل البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة ربما تفقد حزب العدالة وشركاءه الأغلبية. يضاف إلى هذا الكابوس خوف من نوع آخر يقلق طيفا واسعا من أبناء التيار المحافظ - الإسلامي في تركيا، خوف من عودة الإقصاء الذي مورس عليهم لعقود وأذكر هنا حديثا جرى قبل أيام بيني وبين ناشط سياسي تركي أخبرني خلاله بأن كثيرين من عائلته هربوا من تركيا إلى الدول العربية ومنهم إلى أوروبا خوفا من الاعتقال نتيجة ملاحقات طالت أفرادا ينتمون للأحزاب والتيارات الإسلامية، خصوصا بعد انقلاب أيلول ١٩٨٠ والذي قاده الجنرال كنعان إيفرين، محدثي (الناشط السياسي) أنهى حديثه معي مبتسماً: لو عادوا للحكم بذات العقلية سنكون نحن وأنتم (يقصد السوريين) ملاحقين منهم وسيطردوننا معاً. ظننته يبالغ في تقديراته قبل أن أشاهد صباح اليوم فيديو متداول على وسائل التواصل الاجتماعي لصاحب مقهى يطرد امرأة محجبة فقط لأنها ترتدي الحجاب، هذه الحادثة جرت في حي أوسكودار المعروف بأن سكانه معظمهم محافظون.
هذه الأجواء المشحونة فوق العادة جعلت الزمن يتوقف بين الجولتين، وكأن المدة شهران وليست أسبوعين، يستطيع أي متجول قناص في شوارع إسطنبول تصيد الخوف والترقب في وجوه المارة سواء أكانوا أتراكاً أم سوريين، لدرجة وصف الوضع الحالي من قبل إبراهيم كراغول وهو صحفي مشهور بالحرب الأهلية، أما السوري الذي يشاهد لافتة عملاقة عليها صورة لكليتشدار أوغلو وعبارة سنطرد السوريين لن يستطيع إخفاء ذهوله وقلقه مهما حاول لأنه لحظة نظره للافتة العملاقة يشعر أن الكون كله ينظر إليه وأنه تُرك وحيداً وعارياً إلا من خوفه.