قال مصدر دبلوماسي عربي لـ"تلفزيون سوريا" إن الدول العربية التي اندفعت باتجاه تطبيع علاقتها مع نظام الأسد أوقفت هذه الاندفاعة بشكل تدريجي على المستويات السياسية والاقتصادية، في حين أبقت على خطوط التواصل الأمني والاستخباري.
وبحسب المصدر فإن عدة أسباب دفعت الدول العربية على رأسها السعودية لوقف سياسة الانفتاح على النظام، أهمها أن الولايات المتحدة الأميركية قد دخلت على الخط بقوة، للحد من هذا التحرك "المجاني" على النظام السوري، وتحفّظت على تقديم أي مساعدات مالية له.
وتشير المعلومات إلى أن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي وخلال زيارته إلى دمشق، ولقائه الأسد والمسؤولين في النظام، شدد على موقف صريح بعدم إمكانية إعادة اللاجئين من دون الحصول على ضمانات لازمة من النظام السوري، إضافة إلى التمويل اللازم. وهذا يستدعي رفعاً للعقوبات، وهذا الأمر لاقى رفضاً أميركياً حاسماً.
ويشير المصدر إلى أن التصلب الأميركي تجاه الأسد يتصل بشكل مباشر بسياقات المفاوضات الأميركية – الإيرانية حول الملف النووي، والذي كان يحصل في سلطنة عمان. هذه المفاوضات والتي كانت قد حققت تقدماً، عادت وتعثرت، نظراً لوجود تضارب في الآراء داخل الإدارة الأميركية حيال هذا الملف، بالإضافة إلى معارضة أطراف واسعة من الحزبين الديمقراطي والجمهوري في مجلسي الشيوخ والنواب.
ويشير المصدر أن جزءا من الضغط الأميركي الحاصل على الدول العربية يرتبط بخلفيات الضغط الجاري على الجانب الروسي في ظل الاحتدام المستمر في الحرب الأوكرانية ومحاصرة موسكو في مناطق النفوذ التابعة لها في الشرق الأوسط وأفريقيا.
أسباب عربية.. الأسد لا يتغير
في إطار متصل يؤكد المصدر الدبلوماسي العربي إلى أن نقاشاً حاصلاً داخل أروقة الدول العربية التي عملت على إعادة النظام السوري إلى "الحضن العربي" وإعادته إلى الجامعة العربية وفق سياسة أطلق عليها "خطوة مقابل خطوة" ومندرجات القرار الدولي 2245، وبحسب المصدر أن النظام ذي أجنحة متعددة يتعاطى مع الملفات الخارجية وفق صراع الأجنحة في ظل أصوات داخل مؤسسات النظام تقول: "إن ما رفض الأسد إعطاءه خلال 12 عاماً من الصراع لن يعطيه بعد انتصاره".
وبحسب المصدر فإن أسباب عديدة دفعت الدول العربية لتجميد كل المسارات السياسية والاقتصادية مع النظام، بسبب وجود تهرب سوري لافت من مجموعة استحقاقات، أهمها ملف المخدرات الذي لم يتوقف ولايزال يتدفق من نقط مختلفة عبر الأردن ولبنان أو حتى عبر البحر الأحمر من دول كالسودان تنشط عصابات على تهريبها إلى مدن سعودية.
ويتحدث المصدر أن النظام كان قد وعد السعودية ودولا خليجية أخرى بوقف تدفق المخدرات ووقف مصانع الكبتاغون مقابل برامج اقتصادية وتنموية تؤدي لتعويض خسائر أموال المخدرات والتي تمول نشاطات فرق عسكرية وميليشيات وتحديداً الفرقة الرابعة.
وحول الأسباب الأخرى يؤكد المصدر الدبلوماسي إلى أن الأسد والمسؤولين في المخابرات والخارجية بدؤوا بالتهرب من استحقاقات إنسانية جرى الاتفاق عليها سابقاً وهو مصير مجموعة سجناء سياسيين وناشطين حقوقيين سوريين وعرب، النظام كان مطالباً بتقديم أجوبة عن مصيرهم ويجري التهرب منها.
كذلك فإن النظام لم يبادر إلى أي خطوة متعلقة بالحوارات التي وعد بها مع وجوه معارضة للبدء بنقاشات حول مستقبل المشاركة السياسية ونقل بعض الصلاحيات لأي حكومة مستقبلية تشارك بها وجوه وطنية بحسب ما زعم النظام جاهزيته للموضوع.
ويعتبر المصدر أن جزءا من التعثر متعلق بموضوعين رئيسين وهما: أن تفكيك الحواجز والمعسكرات والمواقع التابعة لحزب الله والحرس الثوري الإيراني وميليشيات أخرى، ليست جدية وما جرى هو مجرد إعادة تموضع تهدف إلى تحسين شكل النظام السوري مع الدول العربية وإظهاره أنه قادر على التأثير على الأرض.
في حين السبب الرئيسي لإعادة التموضع يهدف لتحشيد مزيد من القوات العسكرية لحزب الله على الحدود مع لبنان، وذلك في إطار رفع مستوى الاستنفار مع الجانب الإسرائيلي تحسباً لأي تطورات قد تحصل، وليس مستعبداً أن يستخدم الحزب الأراضي السورية لأي عملية عسكرية محتملة مع إسرائيل في حال تطورت قضية الخيم والغجر.
ويعزو المصدر الجفاء الحاصل والتريث في إعادة افتتاح السفارة السعودية في سوريا على الرغم من انتهاء كل التجهيزات لافتتاح السفارة السعودية، أن النظام نكث بعهده حيال وقف بيع العقارات للجانب الإيراني ورجال أعمال لبنانيين وعراقيين وإيرانيين ومن جنسيات مختلفة، في مدن حلب وحماة عبر بيع عقارات داخل المدن التاريخية، في ظل رؤية استراتيجية إيرانية للاستحواذ على جزء أساسي من الأرض السورية بعد سياسة القضم الحاصلة التي أدت لهذا التغير الديموغرافي الواسع، في حين الخطة العربية التي جرى الاتفاق عليها هي إعادة التوازن الطائفي لسوريا بشكل متدرج.
تدخل روسي لاستعادة الحرارة
بالمقابل يشير مصدر دبلوماسي غربي إلى أن التريث العربي تجاه دمشق نتيجة التوترات على ملفات جرى الاتفاق عليها أو من جراء ضغط أميركي دفعت روسيا للدخول على خطوط التواصل لإعادة ترتيب العلاقة بين الجانبين، وبحسب المعلومات فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيوفد إلى دمشق مسؤولين من ضمنهم المبعوث الخاص للشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف لتفعيل ما تم التوافق عليه بين الدول العربية ودمشق، كذلك قد يجري اتصالات مع المسؤولين الإيرانيين وحزب الله لدفع عملية التطبيع المنتظرة بين دمشق وعواصم خليجية.
وبحسب المعلومات فإن موسكو لمست من خلال اتصالاتها مع دول خليجية عن نية لوقف حزمة المساعدات لأسباب مختلفة أبرزها عقوبات قيصر، وتهرب الأسد من التزامات وعد بها خلال قمة جدة، وأن السعودية ودول أخرى وضعت سقفا زمنيا لاستمرار اتصالاتها مع النظام قد تكون حتى نهاية العام الحالي.